بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة على رسول الله أما بعد
اليوم نقف مع سورة عظيمة وهي سورة الإخلاص قال تعالى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)}
كم مرة قرأت هذه السورة وكم مرة سمعناها من الأئمة في المحاريب ومن الصغار والكبار والآن لنقف مع هذه الآيات
*أثار وردت في السورة
-عن أبي سعيد الخدري: أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ (قل هو الله أحد) يرددها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر له ذلك - وكاْن الرجل يتقالها - فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن".رواه البخاري.
- عن عائشة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما (قل هو الله أحد) و(قل أعوذ برب الفلق) و(قل أعوذ برب الناس) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاثَ مرات.(رواه البخاري)
- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال الله تعالى: كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي، فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أولُ الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولداً وأنا الأحدُ الصمد، لم أَلِدْ ولم أُولد، ولم يكن لي كفواً أحد".(رواه البخاري)
- قال الترمذي في كتابه السنن (عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : انسب لنا ربك، فأنزل الله (قل هو الله أحد الله الصمد) فالصمد الذي (لم يلد ولم يولد) لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، ولا شيء يموت إلا سيورث، وإن الله عز وجل لا يموت ولا يورث.(ولم يكن له كفوا أحد) قال: لم يكن له شبيه ولا عدل وليس كمثله شيء.) قال الألباني عن هذا الحديث حسن دون قوله "والصمد الذي..."
- عن ابن عباس (الصمد) قال: السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد عظم في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغنيّ الذي قد كمل في غناه، والجبّار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه هذه صفاته، لا تنبغي إلا له.)أخرجه الطبري بسند حسن.
-
- أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ولم يكن له كفوا أحد) قال: ليس كمثله شيء، فسبحان الله الواحد القهار.
*هذه بعض الأثار المذكورة عن السورة
هل تأملت فضلها وهل عالجت نفسك بمعانيها وهل استشعرت مراميها لنبحر في معاني هذه الآيات لعلنا نفقه هذه السورة فتعيها قلوبنا عندما تشنف أسماعنا .
علمنا أن هذه السورة جاءت بالرد على بعض أهل الأهواء الذين جادلوا النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت بالأمر (قل) أي قل يا محمد لهؤلاء السائلين عن إلهك قل لهم (الله أحد) أي الله المتفرد بالألوهية والربوبية والأسماء والصفات .
ومن صفاته (الصمد) قال شيخ الإسلام ابن عثيمين (أجمع ما قيل في معناه: أنه الكامل في صفاته، الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته)أهـ
وقد فسر بعض العلماء الصمد بما بعدها من الآيات فقال الصمد هو الذي لم يلد ولم يولد.وقيل هو الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها.وقوله (لم يلد) نفي أن يكون له ولد لأن الولد بضعة من أبيه ولأن الولد يكون فيه مشابه لوالده وكل ذلك نقص لله كمال للبشر كذلك قوله (ولم يولد) نفى عن نفسه أن يكون له أب أو أم وذلك أن المولدية تقتضي التركيب المنافي للأحدية (انظر تفسير الوسيط للسيد طنطاوي)
ومن صفات هذا الإله أنه لم يكن له كفواً أحد) ومعنى الكفؤ هو المكافئ والمماثل والمشابه لغيره فى العمل أو فى القدرة .
أيها المسلم هذه السورة على قصرها إلا أن فيها نكت كثيرة ففيها نفي جميع أنواع الشرك عن الله وفيها رد على المشركين الذين زعموا أن الملائكة بنات الله ورد على النصارى الذين افتروا على الله الكذب بقولهم عيسى ابن لله وفيها رد على اليهود الذين قالوا زوراً وبهتاناً عزير ابن لله فأنى لهم برد على هذه الآيات التي حوت على أساليب للغة العربية من ذلك أنها بدأت بالأمر وذلك لإِظهار العناية بما بعد هذا الأمر من توجيهات حكيمة ، ولتلقينه صلى الله عليه وسلم الرد على المشركين الذين سألوه أن ينسب لهم ربه .
ومما يلحظ في الآية الإتيان بضمير الشأن وفي ذلك حكم منها: الإشارة إلى فخامة مضمون الجملة ، مع ما في ذلك من زيادة التحقيق والتقرير ، لأن الضمير يشير إلى شيء مبهم تترقبه النفس ، فإذا جاء الكلام من بعده زال الإِبهام ، وتمكن الكلام من النفس أفضل تمكن .إلى آخره من النكت اللغوية.
أيها القارئ هل رأيت كيف أن كلام ربك مبهر للعقول محير للخصوم إنه الله فهل سيكون هناك كلام أبلغ من كلام الله .
هل فكرنا وتأملنا هذه اللفظة (أحد) عارنا علينا ألا نستشعر معناها ولقد علم المشركين مالها من معنى ألم تروا أنهم آذوا بلالاً لأنه صدع بها فكان يغيضهم بقوله أحد أحد.
هذا الواحد الأحد حق له أن يوحد وظلم أن يشرك به فيا أيها المسلم استشعر هذه الآيات ولا تمر عليك بلا تدبر فكم بها من أسرار مكنونة فهلا تدبرنا كلام ربنا حتى نخشع عند سماعه كم هم أولئك الذين يبحثون عن الأصوات الندية طلبا ً للخشوع وينسون أن سر الخشوع في كلام الله لا أصوات القراء.
نعم تزين القرآن بالصوت والتغني به مطلوب لكن لا يكون هم الناس تتبع الأصوات والغفلة عن تدبر آيات الله بدل أن نتعب أنفسنا بتتبع الأصوات ولا يفهم من هذا تحريم السعي لسماع القرآن من قارئ حسن الصوت بل ثبت أن النبي سمع أبا موسى الأشعري وهو صاحب صوت جميل لكن العتب على من جعلوا السماع مقدم على التدبر .
هذه السورة كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقرأ بها في الركعة الثانية في سنة الفجر، وفي سنة المغرب، وفي ركعتي الطواف، وكذلك يقرأ بها في الوتر، لأنها مبنية على الإخلاص التام لله، ولهذا تسمى سورة الإخلاص.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه والحمد لله رب العالمين.
مصادر الموضوع:
- تفسير القرآن العظيم لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي [ 700 -774 هـ ]
المحقق : سامي بن محمد سلامة
الناشر : دار طيبة للنشر والتوزيع
الطبعة : الثانية 1420هـ - 1999 م
مصدر الكتاب : موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف
- التفسير الوسيط
لمحمد سيد طنطاوي
مصدر الكتاب : موقع التفاسير
http://www.altafsir.com
- موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور لحكمت بن بشير بن ياسين
الناشر : دار المآثر للنشر والتوزيع والطباعة- المدينة النبوية
الطبعة : الأولى ، 1420 هـ - 1999 م
- تفسير العلامة محمد العثيمين
مصدر الكتاب : موقع العلامة العثيمين