تزخر عادات الزواج في موريتانيا بطقوس وعادات لا يكاد يصدقها عقل. ومن أغرب هذه العادات والتي
وقفت عليها القدس العربي عادة الترواغ ، أو حجب العروسة.
و الترواغ عملية لازمة في اليوم الأول للدخول حيث تقوم صاحبات العروس باخفائها عن العريس في
مكان مجهول وقيام العريس بالبحث عن زوجته مع أصحابه. واذا وجد العريس عروسه أتي بها في
وضح النهار وهو يتصبب عرقا وأدخلها الحي في موكب مزهو بالانتصار.
و الترواغ عادة مباركة، حسب السائد في موريتانيا، لأنها تقيس مدي حب العريس لعروسه. اذ في
حالة ما اذا بادر العريس بالكشف عن العروس وتعب لأجل ذلك، دليل علي الحب. أما اذا تلكأ فذلك
دليل علي برودة حبه مما يشكل مسبة تعير بها العروس.
ويرمز مصطلح الترواغ الذي يعني باللهجة العامية الاخفاء، الي اجراء تقوم به زميلات العروس وتشترك
فيه نساء من مختلف الأعمار. تتحين النساء فرصة غفلة أصحاب العريس لاقتياد العروس الي مكان
مجهول الامر الذي يستدعي استنفار أصحاب العريس للبحث عن المخطوفة في كل مكان قد يحالفهم
الحظ في العثور عليها.
و الترواغ عادة قديمة لدي المجتمع الموريتاني يقول البعض بِأنها تجسيد لمظهر زواج الخطف المعروف
ولكن تطبيقاتها في المجتمع الموريتاني تنصب بالأساس علي محاولة جعل الزوج أكثر تعطشا لزوجته
المخطوفة، الأمر الذي يزيد من حماس المناسبة. وقد تذهب بعض النساء الي القول ان الزواج الذي
لا تمارس فيه هذه العادة يكون باردا ومشؤوما.
تصاحب عادة الترواغ عملية ترهيبية من الرجال قد تصل في سخونتها الي البطش بمن تأكد أنهن وراء
اخفاء العروس، ولكن في اطار ودي يخفف آثار الســــياط المسلطة علي النساء وفيه اتساق التقاليد
وتقبلها بصدر رحب.
وقد يكون عقاب النساء علي عملية خطف العروس باحتجازهن ريثما يخبرن بمكان تواجد العروس في
البادية فيلجأ الباحثون عن المخطوفة الي تقفي الآثار واستنشاق رائحة البخور التي قد تشكل خيطا
للوصول اليها. ولكن النساء بدهائهن المعروف يعملن علي افشال هذه الطريقة بحمل العروس وتغيير
ملابسها أحيانا وأحيانا أخري يتجهن بالعروس في عكس اتجاه الريح التي يمكن أن تنقل رائحة البخور.
كما قد يلجأن لوضع العروس في مخازن الحبوب وبين الأعرشة وفي مكان لا يرقي اليه شك
بتواجدها فيه، بل قد يذهبن ابعد من ذلك الي حفر حفرة كبيرة تمكن العروس من التمدد داخلها ويغطين
الحفرة بحصير مع ترك نافذة للتنفس. وقد يطوين عليها هذا الحصير في ركن مهمل من خيمة منسية،
وقد يخرجن بها الي قرية مجاورة.
ومشقة البحث عن العروس المخفية في المدينة أكثر تعبا منها في حالة البادية نظرا لترامي أطراف
المدينة وامكانية مسح البادية مسحا شاملا للبحث عن المخطوفة واستحالة ذلك في المدن.
وعند العثور علي العروس ترتفع الزغاريد وتبدأ معركة جديدة تسمي أكيلوع ، تتمثل في تجاذب بين
صاحبات العروس وأصحاب العريس حيث تتمسك النساء بالعروس ويحاول الرجال تخليصها لاعادتها
الي الزوج. في هذه المعركة تكون العضلات سيدة الموقف وكثيرا ما يكون الحسم لصالح الرجال.
غير أن النساء لا يعدمن وسيلة للدفاع عن العروس عن طريق تمزيق ثياب الرجال وخنقهم وخدشهم بالأظافر.
وعادة الترواغ تحكمها ضوابط عرفية، منها أنه لا يتم الا بعد زف الزوجة لزوجها. كما أن حده
الأقصي لا يتجاوز يومين في عرف الكثيرين، واذا ما تجاوز ذلك يلجأ العريس الي الشكوي لكبيرات
السن في الحي ليمارسن سلطتهن علي الخاطفات لارجاع العروس.
وعندما تعود الخاطفات بالعروس يرددن موالا يعني في معناه طلب الفدية التي يوافق عليها الزوج
بامتنان. وكانت هذه الفدية في القديم عبارة عن بعض البسكويت والفول السوداني والشاي، وبعد
ذلك أصبحت كبشا كبيرا، وفي المدينة تكون الفدية ذبيحة وحفلة موسيقية لتسجيل شريط المناسبة.
ورغم التمدن، يحتفظ الموريتانيون بمثل هذه العادات لأنها، حسب الكثيرين، تلطف أجواء المدينة ذات
الثقل والرتابة القاتلة، خصوصا في موسم الاعراس