بسم الله الرحمن الرحيم
خطاب سماحة المفتي العام للمملكة
إلى المجاهدين والمرابطين على الحدود الجنوبية
الرياض 30 ذو الحجة 1430هـ الموافق 17 ديسمبر 2009م
واس – عام :
وجّه سماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ خطابًا إلى المجاهدين والمرابطين على الحدود الجنوبية من رجال القوات المسلحة وكافة القطاعات العسكرية فيما يلي نصه :
من عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ إلى إخواني المجاهدين والمرابطين على الحدود الجنوبية من رجال قواتنا المسلحة وكافة القطاعات العسكرية .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . . وبعد :
أتوجّه إليكم وأحيي فيكم شجاعتكم وصبركم ، وأهنئكم على جهادكم ورباطكم في سبيل الله .
أيها الأخوة المجاهدون : إنكم تواجهون عدوًا مفسدًا ضالاً قد انحرفت أفكارهم ، وانسلخوا من الأخلاق الكريمة التي تحفظ حقوق الجار ، وقد سعوا في إثارة الفتن والتعدي على الأرواح والممتلكات ، فخذوا حذركم منهم ، واصبروا وصابروا ، واعلموا أن الله مع الصابرين .
أيها المرابطون : أيها المجاهدون : إن عملكم هذا من أفضل القربات ، وأعظم الطاعات ، وهو ذروة سنام الإسلام كما قال المصطفى r : " رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله " .
لقد أمر الله بالجهاد في كتابه الكريم ، وأثنى على أهله ، ووعدهم بالأجر الجزيل ، لأنه من أسباب الفلاح في الدنيا والآخرة ، وأنه التجارة الرابحة مع الله ، فقال – سبحانه - : { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } ، وقال - أيضًا - : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } وقال – أيضًا - : { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .
وجاء في الصحيحين عن النبي r أنه سئل أي العمل أفضل ؟ قال : " إيمان بالله ورسوله ، قيل : ثم ماذا قال : الجهاد في سبيل الله قيل : ثم ماذا ؟ قال : حج مبرور " ، وأخرج مسلم واللفظ له ، وأحمد من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : " جاء رجل إلى رسول الله r فقال : يارسول الله ، أرأيت إن جاء رجل يريدأخذ مالي ؟ قال : فلا تعطه مالك ، قال : أرأيت إن قاتلني : قال : قاتله ، قال : أرأيت إن قتلني قال : فأنت شهيد ، قال : أرأيت إن قتلته قال : هو في النار " .
وقال - عليه الصلاة والسلام - لأصحابه : " ما تعدون الشهيد فيكم ؟ فقالوا : من قتل في سبيل الله ، فقال r إن شهداء أمتي لقليل ، من قتل دون ماله فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قتل دون دينه فهو شهيد ، ومن قتل دون أهله فهو شهيد " أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
وقال r : " لغدوة أو روحه في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها " رواه البخاري ، وفي الصحيحين عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله r : " رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها ، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليه ، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها " رواه البخاري .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله r : " مثل المجاهد في سبيل الله - والله أعلم بمن يجاهد في سبيله - كمثل الصائم القائم ، وتكفل الله للمجاهد في سبيله أن توفاه الله أن يدخله الجنة ، أو يرجعه سالمًا مع أجر أو غنيمة " رواه البخاري ومسلم .
وقال - عليهالصلاة والسلام - : " ما أغبرت قدما عبد يوم القيامة فتمسه النار " رواه البخاري ، وغير ذلك من الأدلة الدالة على عظم أجر المجاهد والمرابط في سبيل الله - تعالى - لمن أخلص لله نيته .
إخواني المجاهدين والمرابطين : إنني بهذه المناسبة أود تذكيركم ببعض الوصايا لعل الله أن ينفعكم بها .
الوصية الأولى : تقوى الله - تعالى - ومراقبته في السر والعلن ، والبعد عن المعاصي والحرص على أداء الواجبات ، كتب عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - إلى سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - فقال : أما بعد : فإني آمرك بتقوى الله على كل حال ، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو ، وأقوى المكيدة في الحرب ، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسًا من المعاصي منكم من عدوكم ، فإن ذنوب الجيش جند عليه ، وهي أخوف منهم على عدوهم ، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لربهم .
الوصية الثانية : الإخلاص لله ، بأن يكون المرابط والمجاهد صادق النية في الجهاد ، لا يبتغي بجهاده إلا رضاء الله والجنة دون غيرها من حظوظ الدنيا .
الوصية الثالثة : حسن الثقة بالله وطلب العون منه دون سواه ، وأن يكون المرابط واثقًا بنصره ، مقبلاً على طاعته ، مبتعدًا عن معصيته ، فإن الله – تعالى - قد ضمن النصر للمؤمنين المجاهدين فقال : { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوافِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ } ، وقال - أيضًا - : { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } وهذا النصر المضمون للمؤمنين مشروط بنصرهم لدين الله وحمايته والذود عن حدود المسلمين وحقوقهم وحرماته { يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } .
الوصية الرابعة : الثبات في المعركة ، وعدم الفرار من الزحف ؛ لقول الله - تعالى - : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلامُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } .
الوصية الخامسة : الطاعة فعلى الجندي أن يسارع لطاعة قائده دون تردد في غير معصية أو أثم ، عملاً بقوله- تعالى - : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ } ، وقوله : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } وقوله r: " من أطاع الأمير فقد أطاعني ، ومن عصى الأمير فقد عصاني " رواه مسلم .
الوصية السادسة : الكتمان ، فلا يجوز التحدث بالأمور الحربية ، لأن للأعداء عيونًا تنقل كل كلمة أو إشارة أو تصريح أو خبر قال - تعالى - : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ } .
الوصية السابعة : احتساب الأجر من الله - تعالى - لمن أصيب في سبيل الله أو قتل ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله r : " ما من مكلوم يُكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلْمُه يدمي ، اللون لون الدم ، والريح ريح المسك " متفق عليه ، وعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي r قال : " ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وإن له ما على الأرض من شيء إلا الشهيد ، فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشرات لما يرى من الكرامة - وفي رواية - لما يرى من فضل الشهادة " متفق عليه .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله r قال : " والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ، ثم أغزو فأقتل ، ثم أغزو فأقتل " متفق عليه .
وعن عبد الله بن عمر بن العاص - رضي الله عنهما - أن رسول الله r قال : " يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين " رواه مسلم .
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله r : " ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة " رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه ، وقال الترمذي حديث حسن صحيح .
وعن المقدام بن معدي كرب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله r : " للشهيد عند الله سبع خصال : يُغفر له في أول دفعه ، ويرى مقعده من الجنة ، ويجار من عذاب القبر ، ويؤمن من الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج اثنتين وسبعين من الحور العين ، ويشفع في سبعين من أقاربه " رواه الترمذي وابن ماجة ، وقال الترمذي حديث صحيح غريب ، ورواه أحمد بإسناد حسن .
وغيرها من الأدلة الدالة على فضل الشهادة في سبيل الله تعالى .
أسأل الله تعالى بديع السموات والأرض أن ينصر جيشنا نصرًا عزيزًا ، ويفتح لهم فتحًا مبينًا ، اللهم أعنهم ولا تعن عليهم ، وانصرهم ولا تنصر عليهم ، وانصرهم على من بغى عليهم ، وثبت أقدامهم وأنزل السكنية عليهم يارب العالمين ، اللهم أحفظ بلادنا بحفظك ، وتولاها بعنايتك ، اللهم إنا ندرؤا بك في نحورهم ، ونعوذ بك من شرورهم ، ربنا عليك توكلنا وإليك المصير .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
المفتي العام للمملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارةالبحوث العلمية والإفتاء