كنت مسافرا بالقطار فوقفت على شباك التذاكر ، وأخذت دوري ، ولما وصلت إلى الشباك كنت قد عانيت الأمرين ،من رائحة عـرق المسافـرين
وأخذت تذكـرتي ’ ونظـرت حولي ألتمس كـرسيا أجلس عليه ’ ريثمـا يصل القطـا ر ’ فرأيت لوحة كتب عليها ( صــالة الانتظـا ر)
دلفت إليها وجلست على أحـد الكـراسي ’ وحمدت الله أنني تخلصت ’من ذلك الطـابور المزعـج ’ ومـا إن جلست ووضعت حقيبتي أمـامي ’ حتى جـاءني أحـد الركاب فتوسمت به خيرا ’
فأزحت حقيبتي ووسعت له بجانبي ’ وقلت له تفضل اجلس بجواري ’ فجلس وأخذت أقرأ في كتـاب كان بحوزتي لأقتل به فراغ الانتظـار
ومشقة السفر ’ ولكن ذلك الرجل أحذ يركل حقيبتي بقدمـه ’ بركلات متواصلة ’ وكأن به حالة نفسية ’ ويجدّ بدقات قدمه على حقيبتي وكأنه يستمع لرنّة موسيقية من نوع خاص قد أعجبته ’
فقلت في نفسي لعله يهدأ أو ينتهي .
ولكنّه أخذ يتمادى ’ وطـرقات قدمه تقوى وتقوى على حقيبتي ’ فقلت له عفوا إن بهـا أغـراضا قابلة للكسر ’ فردّ علي بوقاحة متناهية ولماذا تحملها معك في السفر ؟
فقلت: لأنّها تخصني ولي بهـا حاجة ’ فركلهـا مرّة أخ
رى ليعرف ما بدا خلها ’ فسحبت حقيبتي بعيدا عن مدار قدمه ’ فقال:
دعها . دعها . أردت معرفة مـا بداخلها . فلم أرد عليه ’ حتى لا يتجرأ معي في الكلام وأخذت أنظر في كتابي فقال : لماذا تقرأ في صالة الانتظار ؟
فلم أعره سمعي فقال : أنا أتكلّـم معـك . ووكـزني لأتنبه ’ فقلت في نفسي يقول : أنا ومن يحسب نفسه؟ ما هو إلا عـابر سبيل ’فلم أجب على سؤاله .
وأخذت أقرأ في كتابي ’ فأنزله من يدي ونظـر فيه فعرفت أنّه لا يحسن القراءة وقال : أي شيئ في هذا الكتاب ؟
فسحبته من يده وقلت الثقلاء ’ فقال البخلاء فقلت بل الثقلاء ’ ثمّ تركته وأ حذت مجلسا آخر ’ في صالة الانتظار لأبتعد عنه
فلحق بي وجلس بجانبي ’ وكأنه من أقاربي ، وقال : لي إذا صعدنا القطار ، نجلس أنا وأنت على أريكة واحــدة ، لتحدثني عن الثقلاء ، أظن كتابك مفيدا ، وأحـذ بكتفي يهـزني وهو يضحك ، وتضحك معه كل عضلات وجهـه بقهقهة سـوقية مـزعجة ، فا لتفت الناس إلينا وزووا وجوههم ، استنكارا عليه وعلي ، فشعرت بالخجل وتصببت عرقا ،
فقلت يا هذا أتعرفني ؟ قال : لا .. قلت .. ألم تلاحظ جحوض عيني واصفرار وجهي وارتعاش أصابعي ، وأحذت أرتعش وأتصنّع المرض فقال : نعم . قلت إنّ بي مرضا خطيرا ومعديا .. واستخرجت ورقة من جيبي ، كتب عليها باللغة الإنجليزية ،
وقلت : انظر الطبيب نصحني بعدم الجلوس بجوار الآخرين ، حتى لايصيبهم مرضي . فأوجس في نفسه خيفة ،ونظر إليّ منزعجا وجمع أغراضه وولّى مبتعدا خوفا من العدوى .
فقلت : الحمد لله الذي كشف عنّي البلاء ، وواصلت سفري ولم ألاحظـه في عربات القطار البتـة .......
هناك أمور لا نستطيع أن نقاومها إلا بالصبر ,, وحسن الأنا ومثل رفيقي هذا الذي قابلته الكثير والكثير نجدهم في شتى مسارب الحياة نرجو الله أن يكفينا شرهم .. ويرزقهم الحكمـــه ..