يعيش الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون في سجون الاحتلال الصهيوني ظروفاً مأساوية صعبة للغاية تستدعي تدخل العالم أجمع، وممارسة كل أشكال الضغط على الاحتلال من أجل رد الإنسانية المهدرة لهؤلاء الذين شاءت أقدارهم أن يقعوا في قبضة عدو غادر لا يرحم ولا يرقب فيهم إلاًّ ولا ذمة، وندعو الله سبحانه أن يثبتهم ويثيبهم على ما يلاقونه.
فهناك ما لا يقل عن ثمانية آلاف أسير ومعتقل بينهم عدد من الأخوات العفيفات الشريفات موزعون على سجون تعد مقابر جماعية للأسرى وأماكن لإفناء حياتهم، من قبيل سجن النقب الصحراوي "أنصار 3" وسجن "كفار عتصيون" جنوب بيت لحم الذي يتحول إلى ثلاجة ضخمة بالشتاء وسجون مجدو وتلموند وهداريم والرملة وبيت أيل وغيرها. وهذه السجون والمعتقلات تفتقر إلى الحد الأدنى من الشروط الإنسانية والمعيشية، والحياة فيها لا تطاق، وإدارة السجون والمعتقلات تتنكر لأبسط حقوق الإنسان والأسير والمعتقل.
وباستعراض بعض التقارير التي تقدمها الجهات المعنية بحقوق الإنسان كنادي الأسير الفلسطيني ومؤسسة الضمير، والشهادات التي يدلي بها المحامون الذين يتمكنون بعد عناء من لقاء بعض السجناء نخرج بصورة تقشعر منها الأبدان. فالغرف والزنازين مكتظة بالبشر ولا تدخلها الشمس ولا ترى ضوءها وليست فيها إنارة ولا توجد بها حمامات ولا مياه باردة ولا ساخنة وتنتشر فيها الحشرات والزواحف، ويقضي الأسرى حاجتهم في قنينة واحدة موجودة بكل غرفة ولايسمح لهم بالخروج لقضاء الحاجة إلا مرتين في اليوم ولمدة دقيقتين فقط! ولا يسمح للأسرى بالاستحمام لفترات طويلة، وتكون نتيجة ذلك انتشار الأمراض الجلدية وانبعاث الروائح الكريهة من أجسادهم.
ويُحرم الأسرى من التعرض للهواء والشمس، ولا يسمح لهم بالتريض خارج الغرف، وكثيراً ما تتسرب مياه الأمطار إلى داخل الغرف وتبلل الفرش المهترئة والبطانيات البالية، فلا يقابل ذلك إلا بعدم الاكتراث من إدارات السجون والمعتقلات.
ولا يُعطى الأسير إلا أسمالاً بالية لا تقيهم برد الشتاء، وتنعدم وسائل التنظيف كالصابون، وكثيراً ما تتم مصادرة الملابس التي يحضرها المحامون والأهل. أما الطعام فإنه سيئ للغاية ولا تقدم منه إلا كميات غير كافية ولا يتم إحضار الوجبات في مواعيدها ولا توجد عيادات صحية، وتستهتر إدارات السجون بالمرضى والجرحى وتتلذذ بعذابهم.
ويغرّم الأسير المعدم مالياً مبلغ ألفي شيكل إذا وجدت في غرفته سجادة صلاة أو صورة، كما يغرم ألف شيكل إذا وجدت مع الأسير آلة حادة وتصادر المصاحف والكتب وسجادات الصلاة.
ويتعرض الأسرى للضرب بالرصاص الحي والمطاطي والرش بالغاز المسيل للدموع والضرب المبرح شديد القسوة بالعصى الغليظة والتعليق من الأيدي والأرجل والحرمان من النوم.
ويتم إدخال الكلاب البوليسية إلى الغرف وتفتيش الأسرى بماكينات كهربائية تحدث لهم صدمات كهربية.
وأسوأ من ذلك أن يتم إدخال بعض الشرطيات بملابس غير محتشمة على الأسرى الشباب والمراهقين ويحاولن إثارة غرائزهم بأفعال لاأخلاقية.
ويعامل الأطفال القاصرون ممن تقل أعمارهم عن 18 سنة بشكل خاص بطريقة تتعمد ترك أثر نفسي شديد عليهم حيث يُعزلون في زنازين انفرادية ضيقة وغير صحية مع توجيه إهانات تحط من كرامتهم.
وتستغل إدارات السجون آلام المرضى والجرحى لانتزاع الاعتراقات منهم بالقوة.
ويعاني المحامون من إجراءات مشددة أثناء قيامهم بزيارة الأسرى إذ تجبرهم قوات الاحتلال على الوقوف خارج السجن ساعات طويلة حتى تأذن لهم بالدخول ثم لا تعطيهم الوقت الكافي للزيارة وتقوم بإنهائها بطريقة مفاجئة وبحجج أمنية واهية. تلك بعض أشكال المعاناة التي يلاقيها إخواننا الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني والتي لا يمكن للقلم أن يصفها مهما أوتي من براعة.
ولذلك فقد كانت حركات المقاومة الفلسطينية على حق حين تمسكت بأن تقرن موافقتها على الهدنة المقترحة ووقف العمليات في الأراضي المحتلة بالإفراج عن الأسرى والمعتقلين، وهو المطلب الذي يماطل فيه شارون وعصابته ويحاول أن يستغله أبشع استغلال عن طريق خلق فتنة بين المقاومة والسلطة على خلفية هذا الشرط وإدخال مطلب الإفراج عن الأسرى والمعتقلين إلى ملعب المساومات والتجزئة: فهذا قبل أوسلو وذاك بعده، وهذا من حماس وذاك من فتح، وهذا محكوم عليه وذاك معتقل إداري.. إلخ.
هذا ما يجري على مسمع ومرأى من الدول الغربية التي ترفع لواء الحرية وحقوق الإنسان، بينما تصمت عما يفعله الصهاينة بحق الفلسطينيين.
إن هذا القضية الإنسانية تستوجب تدخلاً دولياً فاعلاً ينهي معاناة أولئك الشرفاء الذين تحملوا وضحوا من أجل حرية أوطانهم، فيما ينعم غيرهم ممن قبلوا تقديم التنازلات بالحياة المترفة، ولكنه ثمن الحرية الغالي الذي يقدمه المخلصون دائماً؛ إرضاء لله سبحانه وتعالى وطمعاً في ثوابه، وتضحية في سبيل الدين ثم الوطن ولسان حال كل أسير ومعتقل يقول:
لا تسقني ماء الحياة بذلة بل فاسقني بالذل كأس الحنظل.