بقلم : محمد بن سليمان المهنا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
ففي عام 2001 إلى عام 2003 ابتعثتني وزارة الشؤون الإسلامية للمشاركة في الإمامة والدعوة في مسجد الملك فهد بمدينة لوس انجلوس الأمريكية ،
وقد لقيت عدداً من الدعاة والأخيار ، أذكر منهم رجلاً هو – في نظري - من أعاجيب الزمان ..
الشيخ يوسف استيس أسلم في عام 1991م
عندما كان منصراً قبل إسلامه
نعم.. إنه الداعية الأمريكي الذي جمع من الصفات ما يطول ذكره، فهو من أكثر الدعاة - على مستوى العالم - نشاطاً وقوة وتفاؤلاً واستعداداً للعمل ،
مع أسلوبٍ بارعٍ ودعابة لذيذة وحجةٍ حاضرةٍ يخاطب بها عقول القوم فلا يكادون يخرجون إلا وقد اهتزت قلوبهم وتغيرت مفاهيمهم.
وهو إلى ذلك معظّم للسنن محافظٌ على دقائق السنة القولية والعملية، صادعٌ بالحق موصوفٌ بالعبادة مائلٌ إلى الزهد والتقلُّل من الدنيا قانعٌ باليسير منها،
أحسبه كذلك والله حسيبه.
أما عقيدته فعقيدة أهلِ السنة والجماعة أتباعِ السلف الصالح مع أنه تعلَّم العقيدة على كبَرٍ وقد قارب الخمسين، ولكنها عقيدةُ الفطرة، يصيبها كل من جرَّد عقله وقلبه لله بتوفيق الله.
ولقد كان كثيرٌ من إخواننا في الله يذكرونه بالخير وكنت أتمنى أن أراه فلما رأيته صدق عليَّ قول أبي الطيب :
وأستكبر الأخبارَ قبل لقائه فلما التقينا صغَّر الخبرَ الخُبرُ
ومن خبر هذا الرجل أنه كان داعية من دعاة النصرانية، وكان متعصباً لها متفانياً في خدمتها مبغضاً للإسلام وإهله، ثم هداه الله إلى الإيمان، وصدق عليه إن شاء الله قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين:
(تجدون الناس معادن، فخيارُهم في الجاهلية، خيارُهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون خير الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهية قبل أن يقع فيه).
ورغم تقدم سنه –وقد بلغ السبعين- إلا أنه يتمتع بنشاط عظيم وحيوية لم أرها لرجل في سنه قط.
فهو كثير الترحال في الدعوة إلى الله عز وجل، يركب الطائرة مرة كل أسبوع موجهاً ذات اليمين وذات الشمال في رحلات إلى سائر الولايات، وربما كانت تبعد خمساً أو ست ساعات عن مقر سكنه قرب واشنطن.
وكان يشترط على من يدعوه في أي مكان أن يجعل سكنه قريباً من مسجدٍ تُصلى فيه الفجر ليشهد الصلاة ثم يبدأ دروسه ومحاضراته بُعيد الصلاة حتى يبدأ دوامُ المدارس والجامعات والسجون والدوائر الحكومية، فيبدأُ دوامه معها متنقلاً من مكان إلى مكان ومن جماعة إلى جماعة داعياً إلى دين الله مبلغاً عن الله رسالاته.
وكان مرافقوه من الشباب أبناءِ العشرين والثلاثين يتعبون من جرَّاء ذلك ويكلّون، والشيخ صامدٌ صابرٌ لا يعرف الكلل وربما بقي على تلك الحال إلى منتصف الليل. وقد صحبته مرة فلم يرجع إلى مسكنه إلا قبل الفجر بنصف ساعة دعوة إلى دين الله!
ولكن ذلك الجهد والجهاد قد أثمر أينع الثمار، فقلما يمر الشيخ تجمعاً أو يلقي محاضرة إلا وسلم على يديه من كتب الله له الهدية ، وقد شهدت بعض المشاهد التي أسلم فيها أشخاص من أول جلسة مع الشيخ، وشهد غيري من خاصة الشيخ من ذلك عجباً.
وسأذكر حادثة عجيبة ترددتُ في إيرادها خشية أن أُنسب إلى المبالغة وعدم التثبّت، ولكن شفيعي في إيرادها هو أن تلك الحادثة موجودة على مواد مرئية محفوظة على صفحات الانترنت.
كان ذلك في أكتوبر من عام ألفين واثنين عندما ألقى الشيخ محاضرة في جزيرة على ساحل فنزويلا وكان الحاضرون لا يتجاوزون مائة وخمسين فيما نُمي إلي، فلما فرغ الشيخ من محاضرته قال لهم: من اقتنع منكم بدين الإسلام فليقم، فوقف منهم مائة وخمسة وثلاثون.
ثم قال الشيخ لهؤلاء الواقفين:من منكم يريد الدخول في الإسلام الآن؟ فرفع أولئك كلُهم أيديَهم ونطقوا شهادة التوحيد في مكانهم.
واستمع إلى هذه الحادثة لتعلم كيف يكون البيت كله بيتَ دعوة بالحكمة والموعظة والمجادلة بالتي هي أحسن:
كان الشيخ في إحدى محاضراته، وكان عدد الحضور جيداً، وبينما كان الشيخ في حديثه إذ وقفت شابة حديثة السن قد تبرجت كما تتبرج الكافرات مع أنها من صميم بلاد الإسلام – مع بالغ الأسف - فاعترضت الشيخ وقاطعته بأسلوب شديدٍ بعيدٍ عن الأدب وتحدثت عن الحجاب وتطاولت على مسلَّمات الشريعة وذكرت أن أهلها ألزموها بالحجاب ولم يذكروا لها سبباً مقنعاً، ولذلك فهي لا تريده ولا تعتقد بأهميته، وأثارت لغطاً في قاعة المحاضرة أفسد جوها، وخرج الشيخ حزيناً لم يظفر بهداية أحد في محاضرته تلك.
وبعد المحاضرة تقدمت زوجة الشيخ إلى تلك الفتاة ودعتها إلى منزلها وتحدثت معها طويلاً ومكثت الفتاة في منزل الشيخ وقتاً طويلاً وهي في نقاش وجدال مع زوجة الشيخ فلما جاء الليل وأرادت الفتاة الانصراف، قالت: هل عندكم حجاب؟؟
فأحضروا لها حجاباً فلبسته راضية مطمئنة قانعة بأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
****
والآن.. وقد سمعنا شيئاً من أخبار الشيخ وجهده وجهاده، دعونا لنستمع ونستمتع بقصة هدايته وانتقاله من داعيةٍ نصرانيٍ إلى داعيةٍ مسلمٍ، وانتقال والده الذي كان قسيساً نصرانياً إلى دين الإسلام ليموت بعد ذلك مسلماً موحداً مصلياً.
وهذه القصة قد سمعتها من الشيخ يوسف عدة مرات، وقد كتبتها ونشرتها في موقع لجينيات وها أنا أعيد نشرها مرة أخرى في هذا الموقع الرائد " الرائدية " لعل الله أن ينفع بها.
فإلى قصة إسلام الشيخ الجليل : يوسف إستس..
قصة إسلام الشيخ يوسف الذي منَّ الله عليه بالهداية من عشرين سنة
يقول الشيخ :
ولدتُ في عائلة نصرانية متشددة وكان والدي عالماً نصرانياً، استقرت عائلتي في مدينة هيوستن بولاية تكساس، وكنت في المرحلة الابتدائية، وفي مراهقتي أردت أن أزور الكنائس الأخرى لأتزود من علومهم ومعتقداتهم، ثم أتممت الدراسة حتى أصبحت واعظاً دينياً.
كنت قبل أن أسلم نصرانياً متعصباً، وكنا مع تعصبنا للنصرانية نكره كل شيء عن الإسلام والمسلمين! كانت معلوماتنا عن المسلمين أنهم قوم لا يؤمنون بإله وأنهم يعبدون صنماً أسودَ في الصحراء (يعني الكعبة)، وأنهم كذلك يقبِّلون الأرض خمس مرات كل يوم!! وكنا نردد كثيراً: المسلمون إرهابيون.. مختطفون.. قراصنة.. وثنيون.. عُبَّاد أصنام!!
كنت أحبُّ أن أتعلم كل المعتقدات إلا الإسلام؛ لأن المبشرين الذين كنا نلقاهم ونتلقى عنهم كانوا يكرهون الإسلام ويحذروننا منه ويذكرون لنا أشياء كثيرةً غيرَ صحيحة عن الإسلام مما كان سبباً في نفورنا عن الإسلام.
كان أبي داعماً قوياً لأعمال الكنيسة وكان هو وزوجته يقومان بتسجيل أشرطة الصلوات ثم يوزعونها على الناس مجاناً لاسيما في المستشفيات وبيوت المتقاعدين ودور العجزة، وكان أبي يدعم كبار القساوسة مثل: (جيمي سواقرت، وجيري فال وِل، وبات روبرتسون).
ثم عملتُ أنا ووالدي في التجارة وافتتحنا عدداً من المحلات التجارية وجمعنا من جرّاء ذلك الملايين من الدولارات.
وفي عام ألف وتسعمائة وواحد وتسعين أراد والدي أن يبدأ تجارةً مع رجل عربي من مصر، فأخبرني بذلك وطلب مني أن أتعرف عليه، أعجبتني الفكرة لأن تجارتنا ستصبح تجارة عالمية، ثم إن ذلك سيتيح لنا الفرصة للتعرف على أشياء كنا نسمع عنها كالأهرامات ونهر النيل وغير ذلك، لكن شيئاً عكَّر صفو تلك الفرحة، لقد أخبرني أبي بأن شريكنا مسلم وان اسمه محمَّد! لم أستطع تصديق ما وقع على مسمعي: مسلم!! مستحيل.. لا يمكن.
ثم توارد على خاطري ما كنت أسمع عنه من مثالب المسلمين ومصائبهم، لكن والدي أصر على اللقاء واعتذر بأن هذه تجارة وأنه لا علاقة لها بالدين وأن هذا الرجل المسلم الذي ننوي مشاركته رجلٌ لطيف جداً! وتحت الإلحاح الشديد وافقت على اللقاء به، ولكن بشروطي الخاصة!
كانت شروطي تتلخص في أن أظهر عزة ديني، وأن لا أتواضع لهذا المسلم، ولذا فقد طلبتُ مقابلته يوم الأحد بعد أداء الصلاة الأسبوعية والخروج من الكنيسة!
أتيتُ مكان اللقاء وقد لبست اللباس التقليدي للمتمسكين من النصارى ووضعت على رأسي قبعةً مكتوباً عليها (عيسى هو الرب)، وكنت أحمل إنجيلي في يدي ويتدلى على عنقي صليبٌ كبيرٌ لامعٌ، وكان معي زوجتي وأطفالي وهم قد استعدوا للقاء.
دخلت المكان وسألت عن هذا المسلم، فأشار أبي إليه، فتعجبت وقلت: لا يمكن أن يكون هذا مسلماً، كنت توقعت أنه رجل ضخم عليه ثيابٌ تتدلى وعمامةٌ كبيرة على رأسه، في الواقع كان الرجل أنيقاً مهذباً ودوداً جداً.. رحَّب بي وصافحني بحرارة، فازداد عجبي؛ لأنني كنت أسمع أن المسلمين إرهابيين قتلة!!
تجاهلت كل شيء وأردت أن أعمل على هداية هذا الرجل للنصرانية، فهو بحاجة إلى من ينقذه، وأنا والرب سنعمل على ذلك (تعالى الله عن قوله).
وبعد مقدمةٍ يسيرةٍ سألتُه: هل تؤمن بالرب؟ قال: نعم.
قلت: هل تؤمن بآدم وحواء؟ قال: نعم.
قلت: وماذا عن إبراهيم، هل تؤمن به وبتضحيته بولده من أجل الرب؟ قال: نعم.
وسألته عن الأنبياء: موسى وداود وسليمان ويونس، هل يؤمن بهم؟ قال: نعم.
عندها سألته عن الإنجيل، هل يؤمن به؟ قال: نعم.
وهنا جاء الدور الأهم:هل تؤمن بعيسى على أنه مسيح الله؟ قال: نعم، فقلت في نفسي: هداية هذا الرجل أسهلُ مما تصورت، وسيكون نصراً عظيماً لي أن أُدخل مسلماً في النصرانية.
ذهبنا لتناول الشاي وتحدثنا ساعاتٍ، علمتُ خلالها أنه رجلٌ لطيفٌ هادئٌ وخجولٌ، لم يقاطعني أبداً ولو لمرة واحدة، فأعجبتني طريقته وأحببت الحديث معه.
أتيتُ والدي وأخبرته بموقفي من الرجل وأنه لا مانع عندي من التعامل معه فاتفقنا على ذلك وكان عملنا يقتضي أن نسافر معاً كثيراً.
يوماً بعد يوم كنا نسافر سوياً على السيارة من ولاية إلى ولاية ونتناقش في موضوعاتٍ مختلفة ولكنها كلَّها كانت حول المعتقدات التي يؤمن بها الناس، وكنت إذا ركبت السيارة أحيانا أجعله يستمع إلى برامجي الإذاعية التي سُجِّلت حول العبادة والصلاة.
في يوم من الأيام علمت أنه (أي محمد) سوف ينتقل من بيته الذي يسكنه إلى بيت آخر وأنه في فترة الانتقال سيضطر إلى الإقامة في المسجد لبضعة أيام، عندها سألت والدي أن يأذن لمحمد أن يعيش معنا في بيتنا الكبير ليكون قريباً معنا في العمل وليشاركنا في تحمل بعض نفقات البيت فوافق أبي على ذلك.
سكن محمدٌ معنا وتوطدت العلاقة به وزادت معرفتي بالإسلام أكثر وأكثر.
في ذات يوم كنتُ في زيارة لأحد المستشفيات لأمارس عملي المعتاد: واعظا دينيا وجدتُ رجلاً مريضاً كان على كرسي متحرك، وكان يتضح من حاله أنه يعيش حالةً صحيةً ونفسيةً سيئةً جداً.
اقتربتُ منه وسألته عن اسمه فقال: هذا لا يخصك!
فسألته عن بلده فقال: من كوكب المريخ!
علمت أن الرجلَ وحيدٌ ومحبطٌ ويحتاج إلى من يراعي حالته الصحية والنفسية.
جلست إلى جواره وحدثته عن الرب وقرأت له من كتاب يونس في العهد القديم، وأخبرته بقصة يونس وكيف غرق في البحر حتى التقمه الحوت ثم خرج بعد ثلاثة أيام بمعجزة الرب.
وذكرتُ له أن الإنسان لا يمكن أن يهرب من مشكلاته، وحاولت أن أهدئ من أزمته.
يبدو أن هذا الكلام قد أثر في الرجل فنظر إلي واعتذر، وقال: أنا آسفٌ لسوء ردي عليك، ثم أخبرني بأنه يعيش مشكلات عصيبة، ثم قال لي إنه يريد أن يعترف لي بذنوبه، فقلت: لا.. لا.. أنا لا أستطيع أن أتولى الاعترافات؛ فأنا لست قساً كاثوليكياً.
فقال: أعلم أنك لا تستطيع ذلك. ثم فاجأني عندما أخبرني بأنه هو نفسه قسٌ كاثوليكي!!
خجِلت من تصرفي فقد كنت أريد أن أدعو قساً كاثوليكيا إلى النصرانية!! ثم أخبرني القسُ بشيءٍ من أخباره وأنه عمل سنواتٍ مبشراً في جنوب ووسط أمريكا والمكسيك.
وعند خروجه من المستشفى كان بحاجة لمكان للنقاهة، وبدلاً من تركه يذهب للبقاء مع عائلة كاثوليكية أخبرت والدي أنه يجب علينا دعوته ليأتي للعيش معنا في الريف برفقة عائلتنا ومعنا شريكنا محمد، واتفق الجميع على ذلك، فانتقل مباشرة للعيش معنا.
خلال الرحلة إلى منزلنا تحدثتُ مع القس بخصوص بعض المفاهيم الإيمانية في الإسلام، فاندهشت لموافقته لي حتى انه شاركني الحديث عن أمور أكثر بهذا الخصوص.. ولقد تعجبتُ عندما أخبرني أن هناك قساوسة كاثوليكيون يدرسون الإسلام حتى أن بعضهم يحملون شهادات الدكتوراه في هذا المجال.
شعرتُ أنه حان الوقت لدعوة محمد إلى النصرانية، فقررنا عقد اجتماع في البيت للمحاورة حول الأديان، فوافق أفراد المنزل على ذلك واتفقنا على ليلة من الليالي وجلسنا على طاولة النقاش نحن الخمسة، والدي وأنا وزوجتي والقس ومحمد. وللعلم فوالدي كما ذكرت عالم بالديانة النصرانية..
جلسنا للحوار عدة جلسات وكان كل فرد منا يأتي بالنسخة التي لديه من الإنجيل، القس بالطبع كان يحضر الإنجيل الكاثوليكي بينما أحضرَ محمدٌ كتابَه المقدس وهو القرآن.
كنَّا نقضي أغلب الوقت نتباحث في أمر هذه الأناجيل المختلفة التي بين أيدينا، وكنا نختلف كثيراً فيما بيننا في أصح هذه الأناجيل، وكان محمدٌ يُمضي الوقت معنا بدون مشاركة ولذا فقد كان الوقت يذهب دون أن نتكلم بشيء مؤثر نستطيع به إقناع محمد على اعتناق النصرانية.
وذات مرة – وقد اختلفنا حول النسخة الأصح للإنجيل - سألتُ محمداً عن عدد نسخ القرآن التي عند المسلمين بعد مضي أكثر من ألفٍ وأربعمائة عام على نزول القرآن؟؟
حينها أخبرني وفاجأني جداً بأنه ليس هناك غير نسخة واحدة للقرآن وأنها لم تتغير أبدًا، كما أخبرني بشيء صعقني وهو أنه على مر القرون منذ نزول القرآن قام الملايين من البشر بحفظ القران عن ظهر قلب وتعليمه لغيرهم، وأن هؤلاء كانوا يحفظونه بالكلية من الغلاف حتى الغلاف وبكل دقة ودونما أخطاء!!
لم يبد ذلك ممكناً بالنسبة لي، فاللغاتُ الأصليةُ للإنجيل أصبحتْ كلُّها لغاتٍ مندثرةً منذ قرون، فكيف يمكن لأولئك حفظ القران بلغته الأصلية من الغلاف إلى الغلاف؟
عندها طلبنا من محمد أن يقرأ علينا شيئاً من القرآن، ففتح المصحف وبدأ يرتل آيات القرآن الكريم بصوته الجميل، ثم يقرأ علينا ترجمة ما قرأه من آيات.
ورغم أن قراءته كانت بالعربية ورغم أنني لم أكن أفهم من العربية شيئاً إلا أن قراءته كانت تهز قلبي هزَّاً عنيفاً جداً، وكنت أجد من اللذة والراحة والطمأنينة والمشاعر العجيبة أثناء التلاوة ما كان أولَ أهمِ الأسبابِ التي دعتني إلى اعتناق الإسلام.
ذات يومٍ طلبَ القسُ الكاثوليكيُ من محمدٍ أن يصطحبه معه إلى المسجد ليتعرف على الأوضاع في مساجد المسلمين.
ذهبا سوياً إلى المسجد – محمد والقس الكاثوليكي - ثم عادا وهما يتكلمان عن تجربتهما هناك، ولم يكن بوسعنا الانتظار طويلاً لنسأل القس عن الأمر وعن أنواع الطقوس التي يؤدونها..
قال القس: إن المسلمين في المسجد لم يقوموا بأي شيء سوى الصلاة ثم انصرفوا، فقلت: ينصرفون بدون أي خُطبٍ أو أهازيج؟ فقال: نعم هو كذلك.
مضت بضعة أيام، وها هو القس يطلب من محمد مرافقته مرة أخرى إلى المسجد.
ذهبا بالفعل، لكن الأمر اختلف هذه المرة، فلقد طال غيابهما مدة طويلة، وبدأنا نشعر بالقلق من تأخرهما.
أخيراً وصل الاثنان، استطعت تمييز محمد حال دخوله من الباب، لكن.. من هو الذي بجانبه؟!
شخص يرتدي ثوباً أبيض وقلنسوةً بيضاءَ.. من هذا؟ نظرت بعمق، إنه القس!! قلت له: هل أصبحت مسلما؟ فأخبرني بأنه اعتنق الإسلام.
صعدتُ إلى غرفتي لأفكر ملياً.. وبدأت أتحدثُ مع زوجتي عن الموضوع بأكمله، حينها أخبرتني أنها هي أيضا ستعتنق الإسلام لأنها تعلم أنه الحق.
أصبتُ بصدمة عنيفة.. ذهبتُ للأسفل فوجدت محمداً قد نام.. لم أصبر حتى الصباح فأيقظتُه وطلبتُ منه الذهابَ إلى الخارج للنقاش.. أمضينا الليل كلَّه في المشي والنقاش.. وعندما جاء الفجرُ وانبلج نور الصباح بدأ نور الإيمان يتسرب إلى قلبي وأيقنت أن الحقيقة بدتْ واضحةً وأنه لم يبق إلا اتخاذ القرار.
ذهبتُ إلى حديقة صغير في خلفية منزلنا في أول الصباح ثم قمتُ بوضع رأسي على الأرض متجهاً نحو القبلة التي يصلي نحوها المسلمون خمس مرات في اليوم.
الآن وفي هذه الحال.. بجسمي الممتد الأرض ووجهي الملامس للتراب أطلقت دعوة صادقة نحو السماء: (الهي، إن كنت موجوداً فدلَّني)، وبعد قليل رفعت رأسي ولاحظت شيئاً..
لا... لا.. لم أر طيوراً ولا ملائكةً قادمةً من السماء ولم أسمع أصواتاً ولم أر أنواراً.
ما لاحظتُه كان تغيراً في داخلي، أيقنت الآن أكثر من أي وقت مضى أنه يجب عليَّ التوقف عن الكذب والخداع وأنه حان الوقتُ لأكون شخصاً أميناً ومستقيماً.. عرفتُ الآن ما يجب عليَّ فعله.
صعدتُ للأعلى وقمتُ بالاغتسال وأنا أعلم جلياً أنني أمحو بذلك ذلك الشخص الآثم الذي تمثلتُه في داخلي عبر السنين.. وها أنا الآن أتحول إلى حياة جديدة نقية، حياةٍ عمادها الحق والصدق.
وفي حوالي الساعة الحادية عشرة من صباح ذلك اليوم مَثَلْتُ أمام شاهدين، أحدهما القسُّ سابقاً، والآخر محمد، وهناك نطقتُ بالشهادتين، وبعد بضع دقائق تبعتني زوجتي بالنطق بالشهادة، لكن شهادتها كانت أمام ثلاثة شهود مسلمين، القسُّ ومحمدٌ وأنا!
والدي كان متحفظاً بعض الشيء بخصوص هذا الموضوع، وانتظر عدة أشهر ولكنه أخيراً اعتنق الإسلام، وبدأ بالصلاة معنا مباشرةً في المسجد.
قمنا بإخراج الأطفال من المدرسة المسيحية وأودعناهم مدارسَ إسلامية وهم الآن بعد مضي عشر سنوات، يحفظون كثيراً من القران الكريم ويعرفون التعاليم الإسلامية ويدعون إلى الدين الحق بحمد الله وتوفيقه..
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.