اسأل نفسك هذا السؤال، فكّر فيه بصمت
وأجب عليه بصوت عالٍ.
هو سؤال وليس احتجاجاً.
هو محاولة للفهم، وتقويم ثقافة لدى بعض منا
لماذا نعيش؟
هذا السؤال بصيغة أو بأخرى طالما طرحناه صغاراً
وظللنا نبحث عنه كباراً،
لكننا نعيد إجابته التي تلقيناها على أطفالنا مراراً:
نعيش لكي نكبر،
فارتبط الكبر لدينا ببداية الاضمحلال والنهاية،
ومنها أصبحنا نتسابق مع الزمن،
نستغل ما نتوقعه فرصاً،
لننجز ما نريد قبل أن نشيخ.
نحن لا نخاف من شيخوختنا بقدر
ما نخاف من اندثار أجسادنا،
لذا نحاول دفع الموت أو تأخيره بالأدوية تارةً
وبالأدعية تارةً أخرى،
ونسينا في خضم ذلك كله من منا يعيش؟
ومن منا ميت تحت غطاء جسده؟
حاولت أن أخرج من فهمي ومن نطاق ذاتي
لأرى الآخرين كيف يجيبون على السؤال ذاته،
قال أحدهم: «نحن نعيش لأن هناك من يستحق أن نقف معه، نفرح معه، نضحي من أجله، وأخيراً نموت معه».
هو يرى أن الحياة تضحية،
والعيش من أجل الآخرين هي قمة السعادة وتحقيق الذات،
بينما يرى آخر أن السؤال بحد ذاته هروب من الواقع لقوله: «لماذا نعيش، هاجس نعلّق عليه إخفاقاتنا، نهرب به من أحزاننا، ونرمي عليه مصائبنا، ولم نسأل أنفسنا كيف نعيش».
إجابته كانت منطلق من يرى السؤال بحد ذاته احتجاجاً ومنفذاً للفشل،
ورداً حتمياً لمن لم يستطع في حياته
تحقيق أي مستوى للنجاح بدعوى
أن العيش لا طائل منه إذ كان نتيجته الفناء.
وهو تسويق مجاني للعبث،
وكذبٌ على الذات قبل غيرها.
لذا يرد على هذا التصور شخص آخر:
«نحن نملك حياةً واحدة، لماذا نعيشها معقدة، اشتقت لأحدهم: اتصل به، تريد لقاء أحد: ادعُه، تريد أن تكون مفهوماً:
فسّر نفسك، تريد شيئاً: اتعب من أجله».
هي دعوة للعيش ببساطة دون تعقيد أو رتوش،
لكنها في المقابل تضع الأنا فوق كل اعتبار.
عش كما تريد وفق ما ترتاح إليه،
بعضهم يرى الحياة مقاساً للمثالية، وهي تصوّر الصغار.
فهاهو شابٌ لا يتجاوز السادسة عشرة من عمره يقول
«أن أنجح في دراستي وأن تكون لي وظيفة مشرفة وزوجة صالحة،
وأن أستطيع نيل رضا أمي وأبي ورعايتهما،
وأن أحصل على رضا ربي لكي أدخل الجنة».
هو يحاول أن يكون مثالياً وهو يعتقد أن الحياة كالسُبْحَةِ،
حبّاتها متشابهة وتمر الواحدة تلو الأخرى
بشكل انسيابي ومنظم.
ونتساءل: ماذا تكون إجابته إذا انفرط عقد
السبحة وتطايرت حباتها؟
لكن النساء وهن أكثر تديناً تشير إحداهن:
«إجابة لماذا نعيش موجودة في القرآن الكريم:
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (الذاريات: 56)، والعبادة هي كل مجالات حياتنا».
نعم، أعمالنا عبادة إن كانت خالصةً لله،
ولكن من يسعى لمصلحة ويجعلها أولية في تفكيره ووقته وجهده، ويعتقد أنها عبادة لأنه ليس في معصية،
وقد أخذت مساحة من حياته تزيد عن أهميتها،
لكن من يحدّد هذه الأهمية، وفق الزمن أو وفق الاحتياج،
نحتاج لميزان أعمالنا غير ترجيح أنفسنا لكي لا يطغى أمراً على آخر، ونعيش وفقاً لما أشار إليه الإمام علي (ع):
«اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً»،
لكن من يقدر؟ لماذا نعيش إن لم تكن رؤوسنا
نعم.
مرفوعةٌ بطاعتنا لله،
مرفوعةٌ بكرامتنا وحريتنا، مرفوعةٌ بإنجازاتنا،
مرفوعةٌ بتصالحنا مع ذاتنا والآخرين،
مرفوعةٌ بطيبة قلوبنا ونبل أخلاقنا،
وبعملنا الصالح وتسارعنا للخيرات،
ومرفوعةٌ بتضحياتنا وصبرنا
وبابتسامتنا العالية فوق شفاهنا رغم جراحنا.