حين يبدأ طفلك الصغير بالحبو بين جنبات البيت فرحا مسرورا ..
تسر به كما تسر به أمه وإخوته ..
ويصاحب هذا السرور عادة شعور آخر سببه انتقال هذا الصغير الذي لا يعرف الخطر ولا يميز النافع من الضار من مكان لآخر في أرجاء البيت ..
هذا الصغير الذي كان يقبع حيث يوضع ولا يبرح مكانه أصبح ينتقل من هنا إلى هناك معتمدا على يديه الصغيرتين ، تبدأ بالخوف عليه من أن يلتقط الأشياء التي على الأرض من حجرة صغيرة يصادفها ، أو حشرة يلاحقها ، أو أي شيء يعود عليه بالضرر والمتاعب ..
فهذه المرحلة تعتبرها الأمهات بداية التربية الحقيقية ، حيث الحاجة إلى المتابعة الدقيقة كي لا يدخل في جوف الطفل أشياء قد تكلفه وتكلف أهله الكثير ..
شيء جميل حقا ، بل ما أروعه من تكاتف من أجل تغذية بطن الطفل وحمايته من المضار ..
ولكن ثمة شيء آخر ..
بحاجة إلى تغذية ، وبحاجة في الوقت ذاته إلى حماية ومراقبة ..
إنه العقل والفكر ..
أخي المربي .. أختي المربية
أبناؤكم زهور عطرة تنبت في بيتكم الطاهر ، تحمل جميع معاني الطهر والنقاء والعفة ، تستقي من نبع فكرك ومعتقداتك ، وتتغذى على خصوبة أرض سلوكك وأخلاقك ..
يولدون وهم صفحة بيضاء صافية نقية ، تتطلع إلى من يخط على جنباتها حروف المعرفة والثقافة الراقية ، بأقلام الحكمة والمنهجية السامية ، لتشع بنورها الوضاء محيط الأسرة التي حافظت على النور الذي تحمله ، والطهر الذي ولدت وولد معها كتوأمين من الظلم أن نفصل بينهما ، وتعطر جو المجتمع والأمة بأسرها والتي لا تقوم إلا على الفكر السليم لأبنائها بروائح العطاء والبذل المتواصل ، والتفاني في سبيل الرقي بها ، وهل بغير الفكر تقوم المجتمعات وترقى الأمم وتسود ؟؟!!
لذلك وقد ولدت للأمة أبناء يتربون بين يديك ،فأنت الآن تقف على ثغرة من ثغور الأمة ، إياك أن تؤتى الأمة من قبلها ..
وقد منحك الله شرفا كبيرا حري بك أن تحمد الله – عز وجل – عليه ، فاعرف – رعاك الله – قدر هذه المسؤولية التي أكرمك الله بها وخصك برعايتها بالدرجة الأولى ، فأنت جدير بها ، وأهل لحملها ، والرجاء فيك كبير ..
ولعل من أشرف مسؤولياتك وأنت على سفينة الحياة تحمل هذه الأمانة ، لتسير بها نحو بر الأمان ، تغذية أرواح هذه الزهور الواعدة بالثقافة السليمة ، القائمة على كتاب الله ، وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم - النورين اللذين بدونهما تنقطع مجاديف سفينتنا فتغرق ونغرق أو نهلك على متنها ..
فمن هذه السطور أبعث لك رسالة من قلب محب ، ونداء أخويا أخاطب به نفسك الشفافة ، وقلبك الحريص على طاعة الله – سبحانه وتعالى – أن تعي قدر ما كلفك الله به ، وأكرمك بحمله ، وامتن به عليك ، وأن لا تدع طفلك والحياة يصارعها بمختلف أفكار أهلها المتناقضة ، فيشرب من هذا الكأس جرعة ومن ذاك جرعتين ، ويرتشف على عجل من كأس ثالثة قد لا تعرف أنت وأمه منبع عينه ومورد سقياه ..
أنت لا تريد حتما أن تجد طفلك بعد سنوات وقد حمل من الأفكار غريبها ، ومن المبادئ سقيمها ، ومن المعتقدات ما يقف منه الشعر ، وينخلع منه الفؤاد ، لتصرخ ولا يجدي الصراخ : من أين كل هذه الأفكار ..
حتما إن تغذية عقله الصغير بالثقافة الدينية السليمة ضرورة من ضروريات حياته ، وجزء لا يتجزأ من تربيته الصحيحة
وإن تسأل لماذا ؟
قلنا :
أولا : مرحلةُ الطفولة مرحلة صفاء وخلو فكر ، فتوجيه الطفل للناحية الدينية يجد فراغاً في قلبه ، ومكانا في فكره ، وقبولا من عقله .
ثانيا : مرحلة الطفولة مرحلة تتوقد فيها ملكات الحفظ والذكاء ، ولعل ذلك بسبب قلة الهموم ، والأشغال التي تشغل القلب في المراحل الأخرى ، فوجب استغلال هذه الملكات وتوجيهها الوجهة الصحيحة .
ثالثا : مرحلة الطفولة مرحلةُ طهر وبراءة ، لم يتلبس الطفل فيها بأفكار هدامة ، ولم تلوث عقلَه الميولُ الفكرية الفاسدة ، التي تصده عن الاهتمام بالناحية الدينية ، بخلاف لو بدأ التوجيه في مراحل متأخرة قليلا ، تكون قد تشكلت لديه أفكار تحول دون تقبله لما تمليه الثقافة الدينية .
رابعا : أصبح العالَم في ظل العولمة الحديثة ، كالقرية الصغيرة ، والفردُ المسلم تتناوشه الأفكار المتضادة والمختلفة من كل ناحية ، والتي قد تصده عن دينية ، أو تشوش عليه عقيدته ، فوجب تسليح المسلمين بالثقافة الدينية ، ليكونون على بصيرة من أمرهم ، ويواجهون هذه الأفكار ، بعقول واعية .
خامسا : غرس الثقافة الدينية في هذه المرحلة يؤثر تأثيرا بالغا في تقويم سلوكه وحسن استقامته في المستقبل ، فينشأ نشأة سليمة ، باراً بوالديه ، وعضواً فعالا في المجتمع .
سادسا : الأبناء رعية استرعاهم الله آباءَهم ، ومربييهم وأسرهم ، ومجتمعهم ، وهؤلاء جميعا ، مسئولون عن هذه الرعية ، ومحاسَبون على التفريط فيها ، كما أنهم مأجورون إن هم أحسنوا وأتقنوا .