_خ والسحر يدخل في الشرك من جهتين :
الجهة الأولى : ما فيه من استخدام الجن والشياطين، والتقرب إليهم من دون الله بما يريدونه، ليوصلوا الساحر إلى مبتغاه، والسحر من تعليم الشياطين كما قال تعالى : [البَقـَـرَة: 102]{وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}
الجهة الثانية : ما فيه من ادعاء علم الغيب، ومنازعة الله في خصوصياته، [النَّـمل: 65]{قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ} ودعوى مشاركة الله في ذلك كفر وضلال.
والأصل في السحر أنه كفر وشرك، وقد يكون منه ما هو دون الكفر.
والسحر في هذا الباب على قسمين :
القسم الأول : شرك، وهو الذي يكون بواسطة الشياطين، فيُتقرب إليهم ببذل القرابين والعبادة لهم من دون الله.
القسم الثاني : ظلم وعدوان، وهو ما يكون بواسطة العقاقير والأدوية لأذية الخلق وصدهم عما يريدون.
* وأما السحر الرياضي الذي يرجع إلى سرعة الحركة وقوّة الجسد وخفّة اليد والسحر بالتمويه، وهو ما يكون بقلب الحقائق وإظهارها على غير حقيقتها، فهذان من التدليس والخداع والغش، وإنما أدخل هذه الأنواع المذكورة في السحر للطافة مداركها وخفائها؛ لأن السحر في اللغة عبارة عما لطف وخفى سببه ولهذا جاء في الحديث: «إن من البيان لسحراً».
* وحكم الساحر يظهر مما سبق من تقسيم على الصحيح، وقد اختلف العلماء فيه على قولين :
فمنهم من أطلق الكفر، كما هو ظاهر صنيع المصنِّف الإمام محمد بن عبد الوهاب وهو قول جمهور العلماء لقوله تعالى: [البَقـَـرَة: 102]{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ}
ومنهم من نص على التقسيم الذي ذكرناه وهو الأظهر، ومن أطلق الكفر فظاهره أنه يقصد القسم الأول.
وقتل الساحر اختلف فيه العلماء بناءً على اختلافهم في حكم الساحر، فإن كان سحره كفراً قتل مرتَداً.
وإن كان سحره دون الكفر، قتل دفعاً لأذاه وشرّه وكفاً لفساده، وهذا يرجع للمصلحة المترتبة على بقائه.
قال ابن هبيرة _ح في كتابه «الإشراف على مذاهب الأشراف» :
(وهل يقتل بمجرد فعله واستعماله :
- فقال مالك وأحمد: نعم.
وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا.
فأما إن قتل بسحره إنساناً فإنه يقتل عند مالك والشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة: لا يقتل حتى يتكرر منه ذلك أو يقر بذلك في حق شخص معيَّن.
- وإذا قتل فإنه يقتل حداً عندهم إلا الشافعي فإنه قال يقتل والحالة هذه قصاصاً) انتهى.
_خ مسألة:
ولا يصح في الأمر بقتل الساحر خبر مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما رواه الترمذي في «سننه»: (4/60) والطبراني في «الكبير»: (2/161) والدارقطني: (3/114) وغيرهم من حديث إسماعيل بن مسلم المكي عن الحسن البصري عن جندب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «حد الساحر ضربة بالسيف».
فهو خبر لا يصح رفعه، فإسماعيل اضطرب فيه، فتارة يرسله وتارة يصله، وإسماعيل يُضَعَّف.
وتابعه خالد العبدي عند الطبراني في «معجمه الكبير» وخالد واهٍ.
وصوَّب الترمذي وقفه.
قال الترمذي في «علله»:
(سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: هذا لا شيء) انتهى.
لكن صح هذا عن جماعة من الصحابة: منهم عمر بن الخطاب كما رواه أحمد في «المسند»: (1/190) وأبو داود في «سننه»: (3043) والبيهقي في «الكبرى»: (8/136) عن بجالة بن عبدة قال: كتب عمر بن الخطاب: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال: فقتلنا ثلاث سواحر.
وحفصة كما رواه البيهقي في «سننه»: (8/136) من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن حفصة بنت عمر رضي الله عنهما أن جارية لها سحرتها فأقرت بالسحر، وأخرجته، فقتلتها، فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فغضب، فأتاه ابن عمر رضي الله عنه فقال: جاريتها سحرتها أقرت بالسحر وأخرجته، قال: فكف عثمان رضي الله عنه، قال: وكأنه إنما كان غضبه لقتلها إياها بغير أمره.
وجندب كما رواه البيهقي في «سننه»: (8/136) من طريق خالد الحذاء عن أبي عثمان النهدي عن جندب في قصة.
وخالد الحذاء لم يسمع من أبي عثمان النهدي، قاله أحمد، وحديثه عنه مخرج في «الصحيحين».
وأخرجه من وجه آخر البخاري في «التاريخ»: (2/222) من طريق عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عن جندب بنحوه.
قال الإمام أحمد بن حنبل:
(صح عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قتل الساحر) انتهى.
_خ مسألة:
وإن تاب الساحر قُبلت توبته على الصحيح من أقوال العلماء، وقد اختلفوا في ذلك :
قال ابن هبيرة :
(وهل إذا تاب الساحر تقبل توبته؟ :
- فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنهم لا تقبل.
وقال الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى تقبل.
وأما ساحر أهل الكتاب فعند أبي حنيفة أنه يقتل كما يقتل الساحر المسلم.
وقال مالك وأحمد والشافعي لا يقتل يعني لقصة لبيد بن الأعصم.
- واختلفوا في المسلمة الساحرة فعند أبي حنيفة أنها لا تقتل ولكن تحبس.
- وقال الثلاثة حكمها حكم الرجل والله أعلم) انتهى.
الناقض الثامن
(مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين والدليل قوله تعالى : [المـَـائدة: 51]{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ).
ومن ظاهر المشركين وناصرهم على المسلمين فقد تعرض لتهديد الله ووعيده، وخان الله ورسوله والمؤمنين، واستحق سخط الله وعذابه قال تعالى : [المـَـائدة: 80-81]{تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ *وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ *}.
وجعل الله ذلك من خصال المنافقين فقال تعالى : [النّـِسـَـاء: 138-139]{بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا *الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَولِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا *}
وجعل حكم من يتولى المشركين كحكمهم فقال: [المـَـائدة: 51]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}
وجعل موالاتهم سراً أو علانية ووعدهم بالمناصرة صدقاً أو كذباً في النهي سواء، فقال تعالى: [الحـَـشـر: 11]{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ *}
وقطع سائر الأعذار لتوليهم كحظوظ الدنيا أو الخوف منهم أو مداراتهم أو مداهنتهم أو خشية الدوائر أو عصمة النفس والمال فقال : [المـَـائدة: 52]{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} وقال : [النّحـل: 107]{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآْخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ *}.
وعمَّم النهي في موالاة الكافرين عامة ذوي أرحام أو أجانب، كتابيين أو مشركين أو مرتدين وغيرهم من ملل الكفر فقال: [المـَـائدة: 57]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *}.
وقال: [المجـَـادلة: 22]{لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهُ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}
وتوعد من اتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين إن هو لم يرتدع عن موالاته وينجر عن مخالته أن يلحقه بأهل ولايته من المنافقين فيستحق ما استحقوه بأوضح حجه وأقوى برهان فقال: [النّـِسـَـاء: 144]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينِ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا *}
وتبرأ ممن يتولاهم فقال: [آل عِـمرَان: 28]{لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}
وقطع بردتهم فقال: [محـَـمَّد: 25-26]{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ *ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَْمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ *} إلى غير ذلك من الآيات.
والنصوص في الكتاب والسنة في هذا الباب أكثر من أن تحصر، وقد حرص الشارع على بيان هذا الأصل العظيم من الدين أشد بيان، فتواترت به النصوص من الكتاب والسنة، وتظافرت فيه الأدلة، وذلك لأنه من أعظم أصول الملة، فبموالاة الكافرين ومعاداة المؤمنين تهدم الشريعة ويثلم الدين.
قال الشيخ حمد بن عتيق في «سبيل النجاة»: (ص31) :
(فأما معاداة الكفار والمشركين فاعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب ذلك، وأكد إيجابه، وحرم موالاتهم وشدد فيها، حتى أنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده) انتهى.
وقد وقع الجهل في هذا الباب، والتسامح فيه، فأصبح اتِّباع الأهواء وملذات الدنيا وحب الرئاسة عذراً في موالاة الكافرين ومعاداة المؤمنين، فأصبح هذا الباب فتنة لكثير من الأولين وبلاء للآخرين.
فتحرم موالاة الكافرين على المؤمنين بالمال والنفس والرأي، وإن لم يقع في القلب حبهم، وتفضيل دينهم على دين المؤمنين، وقد حذر الله من ذلك أشد تحذير، كما تقدم في الآيات قال تعالى : [المـَـائدة: 51]{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} وهذا يجري على ظاهره أنه في حكمهم.
قال ابن القيم في «أحكام أهل الذمة»: (1/67) :
(قد حكم ـ الله ـ ولا أحسن من حكمه أن من تولى اليهود والنصارى فهو منهم [المـَـائدة: 51]{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} فإذا كان أولياءهم منهم بنص القرآن كان لهم حكمهم) انتهى.
وقال القرطبي في «تفسيره»: (6/217):
ُ س ش ] ِ أي يعضدهم على المسلمين ُ ء _ ِ بين تعالى أن حكمه كحكمهم، وهو يمنع إثبات الميراث للمسلم من المرتد، وكان الذي تولاهم ابن أبي، ثم هذا الحكم باق إلى يوم القيامة في قطع الموالاة) انتهى.