يقولُ الإمامُ الشّافعيّ :
علَيَّ ثياب لو يُباعُ جَميعها ... بِفَلْسٍ لكان الفَلْس منهن ( أكثرا)
وفيهنّ نَفْسٌ لو يُقاسُ بمثلها ... نفوسُ الوَرَى كانت أجَلّ وأخطرا
وما ضَرّ نَصْل السّّيفَ إخلاق غِمده ... إذا كان عَضْبا حيث أنفذته بَرى
فإن تكنِ الأيّامُ أزْرَتْ بِبَزّتِي ...فَكَم مِن حُسام في غِلافٍ مُكَسّرا
أمّا حين تَهُون الـنَّفْس على صاحِبها .. فإنّه يَهونُ هو في أعْين النّاسِ.
مَن يَهُن يَسْهُل الهوانُ عليه = ما لِجُرْح بِمَيّتٍ إيـلامُ
. فإنّ النّاس تَضَع الإنسان حيث يَضَع نَفْسَه
. كما قال الجَرجانيّ :
أرى الناّس مَن دَاناهم هَان عندهم ... ومَن أكْرَمَتْه عِزّة الـنَّفْسِ أُكْرِمَا
ومَتى هانَتِ الـنَّفْس عند صاحِبها دَسّاها وحقّرها بِكل خُلُق ( مَرذولٍ) !
وصَغّرها بما يَشِينها!
وتَخَلّق بِكل خُلُق ( دنيء) .
ولا يَرْضى بِالدُّون إلا دنيء !
فَ الـنَّفْس الشَّرِيفة الْعَلِيّة لا تَرْضَى بالظُّلْم ولا بالفَواحِش ولا بالسرقة والخيانة ،
لأنها أكبر من ذلك وأجَلّ ،
. والنّفْس الْمَهِينة الْحَقِيرة والْخَسِيسة بالضِّدّ مِن ذلك ؛
فَكُلّ نَفْسٍ تَمِيل إلى ما يُناسبها ويُشاكلها . اهـ .
وقال في ذِكْر عقوبات الذّنُوب :
ومِن عُقُوبَاتها : أنها تُصَغّر الـنَّفْس وتَقْمَعَها وتُدَسّيها وتُحَقّرها حتى تصير أصْغَر كل شيء وأحْقَره ،
كما أن الطاعة تُنَمِّها وتُزَكّيها وتُكَبّرها .
قال تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) ،
والمَعنى : قد أفْلَح مَن كَبّرها وأعلاها بِطاعة الله وأظْهَرها ،
وقَد خَسِرَ مَن أخْفَاها وحَقّرها وصَغّرَها بِِِ ( مَعْصِيةِ ) الله ،
فَ الطاعة والْبِرّ تُكَبّر الـنَّفْس وتُعِزّها وتُعْلِيها؛
حتى تصير أشرف شيء وأكْبَره وأزْكَاه وأعْلاه ،
ومع ذلك فهي أذلّ شيء و أحْقَره وأصْغَره لله تعالى ،
وبِهَذا الذّل حَصَلَ لها هذا العِزّ والشَّرَف والـنّمُو ؛ فما صَغّر النفس مثل مَعْصِية الله ،
ومَا كَبّرها وشَرّفها ورَفعها مثل طاعة الله . اهـ .
وإنّ ممّا تَهُون بِه الـنَّفْس أن يَعتَاد الإنسانُ خُلُقا مِن أخلاق المُنافِقين .
بل قد يَسْتَسِيغ ما غَصّ به عُـبّاد الأوثان !
أو يَسْتَحْسِنُ ما اسْتَقْبَحهُ أهل الجاهليّة الأولى !
وكَفَى بِذَنْبٍ قُـبْحًا أن يَتَبرّأ مِنه أهل الجاهلية !
فيَخْشَى أحدُهم أن يُعيَّرَ بِه !
وحَسْبُك مِن خُلُق رَذَالَة أن يَعِيبَـه من كان يَعبد الأصنام والأوثان !
ذلكم هو " الْكَذِب " الذي عُيِّر بِه " مُسَيلِمة " فاقْتَرَن اسمه بِوصْفِ الْكَذِب !
فلا يُذكَر إلاّ ويُعَرّف بـ " الكَذّاب " !
والكَذِبُ خُلُق من أخلاق المنافِقين ، ففي خِصال الـنِّفاق : " إذا حَدّث ( كَذَبَ) " ،
قال مُحمّد بن كَعب القُرظيّ: لا يَكْذِبُ الكَاذِبُ إلا مِن مَهَانَة نَفْسِه عليه .
والكّذِب أبْغض خُلُق إلى صاحِب الْخُلُق العظيم صلى الله عليه وسلم .
قالت عائشةُ رضي الله عنها :
ما كان خُلُق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن الكَذب ،
فإن كان الرّجل يَكذب عنده الكذبة؛ فما يَزالُ في نفسه عليه؛
حتّى يَعلم أنّه قد أحدث منها توبة .
( رواهُ عبدالرّزاق ومِن طريقه التّرمذيّ وابن حبّان) .
من حَديثٍ مُطوّلٍ؛
لفَضيلةِ الشّيخ/ عَبدالرّحمن بن عَبدالله السّحيم؛
حَفظهُ اللهُ تَعالى ورَعاهُ، ونَفع به وثبّتهُ.
المَصدرُ/ صيدُ الفوائد
قيل لِلُقْمان الحكيم : ما بَلَغَ بك ما نَرى ؟
قال : صِدْقُ الحديثٍ ، وأداء الأمانةِ ، وتَرْكُ ما لا يَعْنِيني .
وإنّ ممّا تَهُون بِه الـنَّفْس أن يَعتَاد الإنسانُ خُلُقا مِن أخلاق المُنافِقين .
بل قد يَسْتَسِيغ ما غَصّ به عُـبّاد الأوثان !
أو يَسْتَحْسِنُ ما اسْتَقْبَحهُ أهل الجاهليّة الأولى !
لا إله؛ إلاّ الله!
نَفعَ الرّحمنُ بما جاءَ.