الرياض: هدى الصالح
كشفت دراسة حديثة أجريت على تسع مدن سعودية، سبعة منها شرقي البلاد واثنتان في غربها،( أن أعلى معدل لتركيز غاز الرادون المشع المسبب للسرطان موجود في مدينة الخفجي)، فيما سجلت الكاشفات المستخدمة في الدراسة أن نسبة الاشعاع مدينة الاحساء يعد الأقل.
وبينت الدراسة التي نفذها خبراء ومختصين من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وشملت توزيع نحو 1600 كاشف لقياس تركيز الغاز في 822 مسكن ومدرسة، أن نحو 123 شخص معرض للاصابة بسرطان الرئة سنويا نتيجة تعرضهم للغاز.
وأبلغ «الشرق الأوسط» الدكتور محمد الجار الله المتخصص في فيزياء الإشعاع الذري في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، أن تسعة مدن سعودية خضعت لدراسة معدل تركيز غاز الرادون المشع فيها، والذي يعد أحد مصادر الإشعاع الذري الطبيعي المتولد في سلسلة تحلل اليورانيوم، والذي يتفرد بكونه المعدن الوحيد الذي يوجد في حالة غازية. مفيدا، أن المدن المستهدفة بالدراسة هي: الخفجي، حفر الباطن، بقيق، القطيف، الإحساء، الدمام والخبر، وجميعها شرقي السعودية، إضافة إلى المدينة المنورة والطائف غربي البلاد.
وأوضح الجار الله أن فريق العمل استعان في هذه الدراسة بإدارات التعليم (بنين وبنات) وإدارات الشؤون الصحية بالمدن المختلفة، حيث تم في العام 2001 توزيع 1610 كاشفاً لقياس تركيز الرادون في كل من مساكن ومدارس المدن التسعة، وبعد عام كامل تم تجميع 874 كاشفاً، حيث اشتمل القياس 724 مسكنا و98 مدرسة.
مشيرا إلى أن الأرقام المسجلة كشفت أن اقل تركيز كان في مدينة الاحساء 8 بيكريل متر مكعب، وأعلى تركيز سجل في مدينة الخفجي 40 بيكريل متر مكعب، كما بلغ معدل أقل وأكبر تركيز لغاز الرادون في المدارس 1.19 و70 بيكريل متر مكعب، في حين أن الهيئة الدولية للحماية الإشعاعية أوصت باتخاذ حد لمعالجة تركيز الرادون الذي يتراوح بين 200 و600 بيكريل متر مكعب. وأشار الباحث السعودي إلى أنه من خلال الدراسة والكواشف الموزعة تم اكتشاف تركيز غاز الرادون بنسب مرتفعة جدا في أحد مساكن القطيف، إذ بلغت نسبة التركيز 535 بيكريل متر مكعب، وهو ما يزيد بكثير عن أعلى نسبة تركيز وجدت في المدينة ذاتها والبالغة 137 بيكريل متر مكعب، وهو أعلى من الحد الدولي المعتاد لتركيز غاز الرادون والبالغ 200 بيكريل متر مكعب.
واضاف أنه لمعرفة أسباب ارتفاع الرادون في المسكن تم إجراء دراسة مستفيضة لجميع الغرف وجد من خلالها أن نسب تركيز الغاز مرتفعة نسبيا، إذ كان معدله في الطابق الأرضي 208 بيكريل متر مكعب في حين بلغ معدله في الطابق الثاني 158 . مشيرا إلى انه عقب قياس معدل تحرر غاز الرادون من الجدران والأرضيات الإسمنتية داخل المسكن وجد أن التبرير الأوحد لهذا الارتفاع هو تسرب الرادون من باطن الأرض إلى داخل المنزل عبر الفجوات الموجودة في الأرضيات الإسمنتية والجدران التي جعلتها غير محكمة، وأن الحل لهذه المشكلة يكمن في التهوية المستمرة للغرف وسد الفجوات الإسمنتية، وفي حال عدم حدوث ذلك فانه سترتفع نسبة الغاز في المسكن إلى 1000 بيكريل متر مكعب.
وحول نسب غاز الرادون في المنازل المجاورة أوضح الدكتور الجار الله عزم الباحثين على دراستها في الأشهر القادمة، وفي حال تقارب النسب لذات المنزل فان شيئا ما في باطن الأرض هو المتسبب حتما في هذا الارتفاع. مفيدا، ان المصدر الرئيسي للرادون هو تربة الأرض وصخورها القريبة من السطح، والمصدر الثاني الرادون المذاب في المياه الجوفية، والثالث يتمثل في مواد البناء المستخدمة في المساكن.
وأرجع المختص في فيزياء الإشعاع الذري، أن احتمال الإصابة بسرطان الرئة هي أحد الأخطار الرئيسية. موضحا انه من خلال الإحصاءات والدراسات الموثقة وجد أن حالات سرطان الرئة المحتملة سنويا نتيجة غاز الرادون هي 123 حالة، حيث بلغ عدد المصابين في الدمام على سبيل المثال 32، الخبر 10، الطائف 26، المدينة 29، والإحساء 8 حالات. أما فيما يتعلق بمدى ارتباط الارتفاع النسبي لغاز الرادون بحربي الخليج الأولى والثانية أشار الجار الله إلى أنه من غير الممكن إثبات ذلك سوى من خلال بحوث ودراسات أخرى جديدة تقوم بها لجنة على مستوى المنطقة الشرقية من السعودية مؤلفة من وزارة الصحة وعلماء آخرين بتخصصات مختلفة لمقارنة معدلات غاز الرادون واختلافها ما بعد الحربين.
وشدد الباحث السعودي على المدن الأخرى في السعودية لن تكون بمنأى عن الإشعاعات والغازات السامة التي شهدتها المنطقة خلال حربي الخليج وان كانت بنسب مختلفة. مستشهدا بانفجار مفاعل تشرنوبل في أوكرانيا، والذي ثبتت من خلال الدراسات التي أجريت حينها في المنطقة الشرقية وصول غبار السيديوم إليها عقب 11 يوم فقط.
من جهة أخرى أرجع الجار الله الآثار التي ظهرت على الجنود الأمريكيين والبريطانيين إبان حرب الخليج الأولى إلى استخدام أسلحة مليئة بالغازات السامة وغير المعلنة، وتجربتها في كلا الحربين من قبل قوات التحالف، كما صرحت مصادر عراقية باستخدامها في الفلوجة.
يذكر أن تقرير الأمم المتحدة UNSCEAR 1988) ) حول المصادر الإشعاعية الطبيعية أكد على أهمية معرفة مستوي النشاط الإشعاعي الطبيعي بالبيئة وذلك لتقييم ما يتعرض له الإنسان من إشعاع، وأظهرت البيانات المتوفرة حول التعرض الإشعاعي أن غاز الرادون يمثل أكثر من 50 في المائة من إجمالي ما يتعرض له الإنسان من جرعة إشعاعية ناتجة من الإشعاع الطبيعي. ويعد الرادون (Rn-222) هو غاز خامل مشع ذو منشأ طبيعي ينتج من تفكك عنصر الراديوم ـ 226 الذي يعود إلى سلسلة اليورانيوم ـ 238 المتواجدة في القشرة الأرضية، وتكمن خطورة الرادون في نواتج تحلله الإشعاعي، فهو غاز يمكن إن يدخل التنفسي بسهولة، حيث تترسب نواتج تحلله الإشعاعي بالرئة، وقد أثبتت الدراسات وجود علاقة بين التعرض لجسيمات ألفا المنبعثة من غاز الرادون ونواتج تحلله وحالات وقوع الإصابة بسرطان الرئة.