ستجيءُ الحمامةُ، أسمعُ وقْعَ خُطاها منَ البعْدِ
سوفُ تركلني ثمّ تُطلقني لكآباتِها عارياً مِنْ
سؤالٍ يلحُّ:
تُراني أنا..
حينَ غيَّرْتُ شكلَ الحمامةِ غيرْتُ وجهي
وخارطةَ الشيءِ والضِدّ
أيقنتُ أن الحمامة
تعرفني حين أهرب مني وحين
أبعثرُ ظلّي
على حفنةِ الحبّ والجمر والزفراتْ
وأعرفُ أنَّ الحمامةَ ترفضني حينَ أنزعُ منْ وجعِ
الرِّيحِ سنبلةَ الرفضِ
أو احتمي بالشباك التي أيقظتني، وكنتُ إذنْ
غائماً حينَ ضيَّعتُ دربَ الحمامَةِ بيني وبيني
.....
وكانَ لها أنْ تعيدَ خُطايَ إليَّ
وكانَ لها أنْ تُزحزحَ عرشَ اليباسِ الذي حوَّلَ
الوطَن
إلى كومةٍ منْ ترابٍ
ثمّ جاءَ يراودني عنّ كلامٍ ضليل وشربة ماءْ
وكنْتُ تركْتُ الغناءَ وأوصدتُ بابي عليَّ
وكنْتُ تركْتُ دمشقَ قديماً، وأخفقْتُ في طلبِ
الشوقِ
حينَ تركْتُ لقلبيَ أنْ يتقَّيأَ أحلامَهُ
وارتجلْتُ البكاءَ على عتباتِ الخريفِ النحيلِ
الذي يرتدي قامتي ويمرُّ على عجلٍ، يستفزُّ
الحمامةَ حتى تؤمَّ دمشقَ:
تفتّشُ عنّي وتمنحني رقّةَ الموجِ أو غضبَ الملحِ، أو
كلماتٍ عن الحبّ والاغترابِ اللجوج الذي
ينزفُ القلبَ شيئاً فشيئاً....
تُرى ظلَّ شيءٌ من الأصدقاءِ فأسكبُهُ نورساً في
بحاري
وأطلقُهُ قمراً في فضاءِ الحمامة...!؟
أم ظلَّ شيءٌ من الشّعرِ يستنهض الذكرياتِ..
الكلام الجليلَ.. الفصام الذي يصطفي بهجة
الروح..
والمدن .. الترّهاتِ.. الشموسَ التي تكتفي بالأفولِ الرفيقِ
إلى لجَّةِ الوقت محفورةً بالجهاتْ
سأعترفُ الآن أنَّ المدى ضيّقٌ والمكان انفلاتْ
سأعترف الآن أنَّ المسافةَ ما بيننا في امتدادْ..
وعمّانُ نرجسةٌ لا تطالُ..
وقلبي على صدإٍ يستفيقُ، وقلبي على وجع ناهدٍ
مستفزّ ينامْ
سأعترف الآن أنّ الحمامة أصغر من غيمةٍ في
محيط الكلام
سأعترفُ الآن أن ليس لي ما يُبرِّرُني لا الغناءُ
ولا القمرُ الصاعدُ، لا الوطنُ الراعدُ المنتمي
للكآبةِ في لحظةِ الاحتضارْ.
سأعترف الآن أنَّ فمي عاجزٌ أنْ يقول أحبُّكِ
أنَّ الكلامَ تكاثفَ في رئتي واستحال رماداً
[align=left]حُروف تساقطت في الخريف[/align]