عندما تكون صديقاً للشمس ...
كنت في فترة سنواتي الأولى صديقا دائم لكوكبنا اللاهب ..
أسكون في بيت ليس لهو سقف ..!!
فناء واسع مترامي الأطراف ..
إلا من بعض الغرف المتناثرة في زواياه ..
عندما تشرق نكون نائمين في وسط الفناء ..
فلا يوقضنا غير حرارتها التي تجعل من بعضنا يفر إلى زوايا الفناء
ساحبا فراشه ليكمل بعض دقائق النوم قبل أن يغزوه شعاع صديقتنا الدائمة ..
لننهض على صوت الوالدة رحمها الله أو الوالد رحمه الله والذي كان يردد ( النوم حّرام الفتى من مراجل) ..
وقد أعدت رحمها الله حليب العنز ( حويه هذا اسمها ) وخبز البر المدهوك بالسمن البلدي والتمر ..
كل عوامل الطبيعة .. الغبار .. السموم .. الحشرات الزاحفة والطائرة لها نصيب من بيتنا أو دمائنا .. الحيوانات الصديقة أو الوحشية كانت تجد لها مكان ..
فبعض الضبان الهاربة من أيدي معذبيها من الصبية تجد في زوايا الفناء ملاذا آمن لأننا بكل بساطة لم نكن نحفل بوجدها ..
نجلس في الفناء طوال اليوم والليل ..
ونلجأ للغرف في أقوات الظهيرة حتى وان أخذت الشمس نصف مساحة الغرفة ..
فلما تميل للغروب نضع البساط على احد الجدر لنحتسي القهوة مع حبات من التمر والشاي في ظله ..
وعند الليل نخرج التلفاز ونضعه على احد المتاكي لنشاهد مسلسل ما بعد المغرب وغالبًا ما يكون مسلسل أردني ..
كان لون أجسدنا برونزي مائل في بعض الأحيان إلى السواد الفاتح لا نعرف المرض ولا الكسل ..
وكان أصعب الأوقات ... !! رمضان فلم نكن نعرف التكييف وكان الصيام يبدأ من الرابعة صباحا إلى السابعة مساء ..
نبرد أجسادنا بالشراشف المبلولة بالماء والتي تنشف في دقائق ..
الضما هو المعذب الوحيد لنا فلما يحل الإفطار ندع كل الطعام لنشرب التوت البارد الممزوج بالليمون البلدي ..
لم يكن هذا البيت من قلة ذات اليد بل هذا هو حال الجميع فالإخوة اليمنيين كانوا أصحاب المقاولات في ذلك العهد وكانوا يأخذون البيت كما يقال على المفتاح لينثروا هذه الغرف تحت مسمى بيت ليصفي لهم من الأرباح أكثر من النصف لان الجماعة أعراب ..
انظر إلى أبنائي اليوم ..
وقد تحول الواحد فيهم الى كتلة من الشحم والبياض الفاقع ..
ولا يتحملون لا برد ولا شمس نخرج الى البحر ونعود ليمرض احدهم اسبوع كامل ..
فذكرت تلك الايام السالفة ..
ويخطر على بالي المثل القائل ( الدنيا ما تعطي شي الا وتحرمك من شي (..