[align=center][table1="width:70%;background-color:black;border:4px outset sandybrown;"][cell="filter:;"][align=center] رحلة إلى حيث تَحْـلُم!
إنها رحلة .. وأي رحلة.؟ رحلة إلى مكان قاب قوسين منه خير من الدنيا وما فيها .. رحلة إلى مكان لم تره العين قط ولم تتخيله .. ولم تسمع بمثله أذن قط ولم تُقدِره .. ولم يخطر على قلب أحد من البشر نعيمه وأمانه .. فلنبدأ بالحديث عن هذه الرحلة ..
فإن هذه الرحلة حثنا وشوقنا إليها رسول الله حين قال: "قال الله عزَّ وجلَّ: أعْدَدْتُ لعبادي الصالحينَ مَا لاَ عَيْنٌ رأتْ ولا أذنٌ سمعتْ ولا خطرَ على قلب بَشَر. وأقْرَؤوا إن شئتُم ** فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ".
ثم تاقت النفوس لها وسلبت الألباب بها .. فإذا بالصحابة يسألون النبي عنها وأبصارهم متعلقة به وأرواحهم في عالم سماوي وقلوبهم ترقص طربا بسماع وصفها ونعيمها ولذلك حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه عندما سأل الصحابة الرسول أن يحدثهم عن بناء الجنة فقال عليه
((لبنة من فضة ولبنة من ذهب، وملاطها المسك الأذخر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وتربتها الزعفران من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، ولا تبلى ثيابهم ولا يفني شبابهم)) رواه الترمذي حديث صحيح
وفجأة .. وعلى غفلة من الناس نفخ في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير .. وأتى الناس مذعورين خائفين كأنما دعاهم أحد واجتمعوا في أرض المحشر .. وبلغت القلوب الحناجر .. واسودت وجوه وابيضت وجوه .. ودنت الشمس من الخلائق .. وخشعت الأبصار .. وجاء الحساب والعقاب واتجه كل إنسان إلى مصيره الأبدي .. في ذلك الزحام وفي تلك الرهبة .. فلندخل مع أهل الجنة .. ولكن ما هذا الزحام الذي لا تجد فيه موطأ قدم كما حدثنا عتبة بن غزوان أن رسول الله أخبرهم:
((إن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة بينهما مسيرة أربعين سنة وليأتين عليها يوم وهي كظيظ من الزحام)) رواه مسلم
ولنواصل المضي مع المتقين والأبرار .. مع الفئة الفائزة .. ولندخل معهم إلى الجنة :
" وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ "
قال عليه الصلاة والسلام: "إنَّ أوَّلَ زُمْرَةٍ تدخلُ الجَنةَ على صُورةِ القمر ليلةَ البدْرِ، ثم الذينَ يلونَهُمُ على أشَدِّ نجمِ في السماءِ إضاءةً، ثم همْ بعَدَ ذلك منازلُ لا يتَغَوَّطُونَ، ولا يبولُونَ، ولا يمتخِطون، ولا يبصُقون، أمشاطُهُم الذهبُ، ومجامِرُهم الأُلوَّة، ورشْحُهمُ المِسْكُ، أخلاقُهم على خَلْقِ رجلٍ واحدٍ على طولِ أبيْهم آدمَ ستُون ذِراعاً" (رواه مسلم)
وبينما هم في هذا النعيم وهذا السلام تذكروا شيئا قد وعدوا به في الدنيا .. إنه نهر الكوثر الذي بشرهم به حبيبهم المصطفى فما كان إلا أن رأوه أكثر روعة وجمالا مما خيل لهم وتعلقت أبصارهم به في غبطة وسرور وقد ذكر لنا بعضا من وصفه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت تربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج))
يقول ابن القيم-رحمه الله- في وصف الجنة:
ويرسل ربنا ريحا تهزُّ ذوائب الأغصان
فتثير أصواتا تلذّ لمسامع الإنسان كالنغمات بالأوزان
يا لذّة الأسماع لا تعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان
واهًا لذياك السماع فكم به للقلب من طربٍ ومن أشجان
نزّه سماعك إن أردت سماع ذيّاك الغنا عن هذه الألحان
حبّ الكتاب وحب ألحان الغنا في قلب عبدٍ ليس يجتمعان
والله إن سماعهم في القلب والإيمان مثل السم في الأبدان
والله ما انفكّ الذي هو دأبه أبدًا من الإشراك بالرحمن
فالقلب بيت الربّ جلّ جلاله حبًّا وإخلاصًا مع الإحسان
فإذا تعلّق بالسماع أصاره عبدًا لكل فلانةٍ وفلان
هذه هي الدار التي وعد بها المتقون وبعد أن أخذ كل فائز مكانه وصاروا ينعمون بما فضل به ربهم عليهم بقي رجل لم يدخل الجنة بعد وهو أدنى أهل الجنة منزلة وإذا استفسرنا عن
تأخره فيجيبنا عن ذلك النبي عليه الصلاة السلام عن أخيه موسى عندما سأل ربه عن أدنى منازل أهل الجنة منزلة فقال عز وجل: رجل يجيء بعد ما دخل أهل الجنة الجنة فيقال له ادخل الجنة فيقول : رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم فيقال له : أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا فيقول : رضيت رب فيقول له : لك ذلك ومثله ومثله ومثله فقال في الخامسة رضيت فيقول : هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك فيقول : رضيت رب.
فإذا كان هذا حال أدناهم فأي نعيم غارق فيه أعلاهم ؟؟ وقد سأل موسى ربه نفس السؤال الذي يتبادر إلى ذهني الآن قال له : "رب فأعلاهم منزلة قال: أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر"
حقا ذلك هو الفوز العظيم جمعنا الله وإياكم في تلك الدار الباقية وأسكننا الفردوس الأعلى منها والحمد لله رب العالمين.
[/align][/cell][/table1][/align]