الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد
فإن العمرة في رمضان من الفرص العظيمة التي ينبغي للصائم أن يحرص عليها ، وحريّ بالواحد منا أن يمّم وجهه إلى تلك البقاع المباركة لينال موعود رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال صلى الله عليه وسلم قال : ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما .... الحديث ) (36) وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحاج المعتمر وفد الله تعالى . (37) . وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال صلى الله عليه وسلم لأم سليم عمرة في رمضان تقضي حجة أو حجة معي .(38) . وحينما يعتمر الصائم خلال أيام هذا الشهر المبارك أنما ينال من فضل الله تعالى وعظيم أجره الشيء الكثير . فاحرص أيها الصائم الكريم على أداء هذه العمرة في مثل هذه الأيام . وإذا نويت السفر لهذه العمرة المباركة فلا تنسى حفظك الله تعالى أن تتزوّد بالمال الحلال ، وإياك أن يصحبك في هذه الرحلة مال مظلوم من أجير أو نحوه أو مال ربا ، أو مال أخذته دون أن يكون لك فيه حق فإن الله تعالى لايقبل إلا ما كان طيباً ، وليكن حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه : إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً ، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال تعالى : (( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً )) الآية ، وقال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات مارزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون )) ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر ، يمد يديه إلى السماء يارب ، يارب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام ، فأنى يستجاب له ؟ (39) . وإذا جد عزمك على الرحيل فتخلّص من هذه الحقوق ، وليكن لك نفس تواقة إلى العفو والصفح فحقيق بمن يقطع أميال كبيرة نحو بيت الله يرجو ثواب الله تعالى أن يتجرد من الخصام والنزاع والفرقة والشتات بينه وبين جيرانه وأهله وإخوانه ، وليكن حديث رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال : ( تعرض الأعمال على الله تعالى كل اثنين وخميس فيغفر الله لكل عبد لايشرك به شيئاً إلا المتخاصمين فيقول الله تعالى : انظروا هذين حتى يصطلحا ) . (40) على بالك حين سفرك المبارك . وخير لك قبل أن تنوي سفرك أن تتجرد من كل حقوق بني آدم . وحينما تبدأ طريقك تذكّر دعاء السفر ، ولازم الدعاء فإن للمسافر دعوة لاترد . فإذا وصلت إلى الميقات فتجرد من ثيابك واغتسل وتطيب ثم ألبس إحرامك إزار ورداء ثم أنوي بقلبك أداء هذه العمرة ولبي بها قائلاً لبيك اللهم عمرة . واشتغل في طريقك بالتلبية ، وذكر الله تعالى ، وقراءة القرآن فإذا وصلت إلى بيت الله تعالى فابدأ بالطواف من الحجر الأسود وحافظ على سنية الاضطباع كما فعل رسولك صلى الله عليه وسلم وطف سبعة أشواط مشيراً بيديك إلى الحجر قائلاً الله أكبر متخشعاً ، ذاكرا ، منيباً ، أوّاباً ، تذكر خطيئتك وذنبك وتقصيرك في جنب مولاك وليكن دعاءك إلى الله تعالى برغبة ورهبة مؤملاً الخير داعياً بالبر ، وتخير من الدعاء جوامعه وليس هناك دعاء معين إلا ما بين الركن اليماني والحجر الأسود فردد دائماً في كل شوط : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . فإذا ما أتممت أشواط الطواف السبعة فصلي ركعتين خلف المقام إن تيسر أو في أي مكان آخر ، ثم إذا انتهيت فتوجه إلى المسعى فإذا وصلت إلى الصفا فارقاه واقرأ قول الله تعالى : (( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما ، ومن تطوع خيراً فهو خير له ...... الآية ) سورة البقرة ، ثم استقبل القبلة وارفع يديك للدعاء واقرأ هذا الدعاء : لا إله إلا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله نصر عبد وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده وكررها ثلاث مرات وادعو الله تعالى ثم انصرف إلى المروة داعياً ، متخشعاً لمولاك جل وعلا واشتغل بالدعاء والذكر وقراءة القرآن وإذا وصلت إلى العلمين الأخضرين فاسعى سعياً شديداً وهذا خاص بالرجل أما المرأة فتقتصر على المشي فقط دون السعي . فإذا وصلت إلى المروة فاستقبل القبلة وارفع يديك واذكر الدعاء الذي ذكرته على الصفا ثلاثاً وزد من الدعاء لربك ما تراه مناسباً من أمر دينك أو دنياك ، وهكذا سبعة أشواط فإذا أنتهيت من هذا السعي فلم يبق عليك إلا أن تحلق رأسك أو تقصره والحلق أفضل وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثاً ، وللمقصرين مرة واحدة ، ومن المهم أن تدرك أنك إذا أحببت أن تقصّر فلا بد من تعميم الرأس ، أما المرأة فتأخذ من رأسها بقدر أنملة .ولتكن آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ، حسن التعامل مع المعتمرين والزائرين لبيت الله تعالى . وبتمام هذا الأمر تكون قد انتهيت من أداء هذه المناسك .فسفراً سعيداً وعمرة متقبلة . وعدت إلى أهلك سليماً والله يتولاك برعايته .
(36) متفق عليه
(37) رواه النسائي وصححه الألباني .
(38) متفق عليه .
(39) رواه مسلم .
(40) رواه مسلم .