يبلغ ابني من العمر 10 سنوات، وقد لاحظت على سلوكه الأنانية وعدمالاهتمام باحتياجات أشقائه، ومهما حاولت أن أحدثه عن معنى الأخوةومتطلباتها، وأهمية المشاركة، والتفكير في مصلحة الآخرين، فإنه لا يهتم؛مما أفسد علاقته بإخوته.
أما ابنتي التي تبلغ من العمر 13 عامًا، لاتتحمل أية مسؤولية تجاه أخواتها الصغريات سنًا، ولا تهتم إلا بشؤونهاالخاصة، وهوايتها المفضلة، كما أنها تتكاسل عن المذاكرة، أو أي عمل يتطلب جهدًا، فماذا أفعل؟
الإجابة عن السؤالين المذكورين تتلخص في تعلم المسؤولية الاجتماعية، فكل من الولد صاحب الأعوام العشرة، والبنت صاحبةالثلاثة عشر عامًا لم يتعلما تحمل المسؤولية، سواء كانت المسؤولية الذاتيةباعتبار الطفل مسؤولاً عن نفسه، أو المسؤولية الاجتماعية التي تجعل الطفل يشعر بأنه مسؤول عن الآخرين.
ومن هنا، نستطيع تفسير سلوك الطفل الأناني الذي لا يهتم باحتياجات إخوته، ولا يستطيع أن يفهم معنى الأخوة،ولا متطلباتها، ولا يقدر أهمية مشاركة الآخرين فيما يهمهم، ولا يمكنه الاهتمام بمصلحة أحد من الناس إلا نفسه فقط.
ومن الجدير بالذكر أنه ليس معنى أننا نشرح له تلك المعاني الجميلة المجردة أنه سيستوعب الدرس، ثم يقوم من فوره لينفذ ما فهم، فقد كان الأمر يتطلب تربيته منذ الصغر على تلك المعاني، ولكن لا بد أن يتم التدريب بشكل عملي قبل الشرح النظري أو مصاحب له، فإذا حدثناه عن تلك المعاني بعد أن يكبر، ويبلغ عامه العاشر استطاع أن يدرك أن ما كان يمارسه مع إخوته من خدمة لهم واهتمام بهم، وما كان يمارسه معه إخوته هو تلك المعاني الرائعة التي يشرحها الكبار، وتتطلبها الحياةالاجتماعية للبشر.
أما بالنسبة للبنت، فهي تستشعر الأحاسيس نفسها،وتتعرض لنفس المشكلات، فهي لا تهتم إلا بما ترغب، ولا تستطيع أن تتحمل مسؤولية أحد من أخواتها الصغريات.
ولذلك لابد من التأكيد على القواعد التربوية التالية:
تدريب الطفل على الاعتماد على النفس
وهذا النوع من الفكر التربوي غير متواجد بالشكل الذي ينبغي في تربيةأبنائنا في عالمنا العربي، فلا يلقى الاهتمام الكافي بتدريب الأبناء عليه منذ الصغر، ونتيجة لذلك يشب أولادنا غير متحملين مسؤولية أنفسهم التحمل الكافي، وغير معتمدين على أنفسهم الاعتماد الواجب.
والآن، نريد أنيتعلم الطفل الاعتماد على النفس والاستقلال عن الآخرين في قضاء حاجياته،وهذه مبادئ تربوية رئيسة ومهمة في تربية الطفل.
والسؤال الآن: كيف أربي ابني على تحمل المسؤولية والاعتماد على النفس؟ وتأتي القاعدة التربويةالمهمة، فتقول لك: إذا أردت أن يعتمد ابنك على نفسه، فجرب أنت أن تعتمدعليه حتى تعلمه الاعتماد على نفسه، فإذا كنت أنت أصلاً لا تعتمد عليه فيشيء، فكيف إذن سيتسنى له تعلم الاعتماد على نفسه؛ إذا كنت أنت غير واثق فيقدراته وإمكاناته، وبالتالي لا تعتمد عليه في إنجاز بعض الأمور، فكيف سيثق هو في نفسه، ويركن لقدراته؟
- طبعًا بعد التوكل على الله - فيكونالمطلوب منك أن ترفع يدك عنه وعن مساعدته، وتفسح له المجال ليقضي مصلحته بنفسه، وتتركه لينجز بعض أعماله بنفسه، فيقدم أوراقه للمدرسة بنفسه، وتكون أنت معه بمثابة الصاحب، ويعمل واجباته المدرسية بنفسه، وتكون أنت بمثابةالموجه. ويأكل بنفسه، ويشرب بنفسه، ويلبس ملابسه بنفسه، ويكوي ملابسه،ويرتب حاجاته، وتكون أنت بمثابة المشرف، وبصفة عامة؛ فإن أي سلوك يستطيع الطفل أن يؤديه؛ فلا بد أن تساعده، وتفسح له المجال حتى يستطيع أن ينجزه معتمدًا على نفسه.
ولكن أنت تحتاج إلى فطام نفسي عن مساعدة ابنك،وأنتِ تحتاجين إلى ذلك ، فالمشكلة الأساسية التي تعترض طريق تعليم الأبناءالاعتماد على النفس هي أن الآباء أنفسهم - خصوصًا الأمهات - هم الذين لايستطيعون أن يفطموا أنفسهم عن التدخل في شؤون الأطفال، ولا أن ينأوابأنفسهم عن الاشتراك معهم في قضاء مصالحهم، ولا أن يتركوا لهم الفرصةليمارسوا حياتهم بأنفسهم، وقد يكون هذا التدخل بسبب حبهم لأبنائهم، أو بقصدحمايتهم، ولكن الواقع هو أنك تعوقه عن أداء دوره، وتسلبه الفرصة التي تجعله يجرب الاعتماد على نفسه، فيكون حبك له حبًا ضارًا، وتكون حمايتك لهحماية مؤذية.
ودعنا نناقش نقطة أخرى، وهي أنه إذا استطاع الأب أن ينفذ ما نطلب منه، فهل تستطيع الأم ذلك؟
ستردالأم قائلة: أتريد أن أترك الطفل يقوم بعمل الواجب المنزلي وحده؟ فماذا عن الدرجات التي ستضيع منه؟ وكيف أسمح أن يقال: إن ابن فلانة لا يحصل على الدرجات النهائية في المدرسة؟ أم أنك تريده أن يشتري ملابسه وحده؟ آه، فهمت قصدك، أنت تريده أن ينزل إلى الشارع وحده؟ وكأنك لا تسمع عن السيارات؟والأطفال قليلو الأدب والزحام والتيه في الشارع، وقد يخطفه أحد، أو يضربه.
وتظل الأفكار السيئة جميعها تراود الأم، وتلح على ذهنها لا تفارقها، كأن الدنياكلها ليس فيها إلا ابنها، فيا أمهات أطفال المستقبل، ليست الدرجات فيالمدرسة هي المشكلة، والدنيا بها أطفال كثيرون غير أطفالكن، ونحن لا نسكن غابة موحشة، فاتركن أبناءكن يتصرفون منفردين، وسترين منهم ما تقر بهأعينكن، أما اهتمامك المركز على ابنك، فهو ما يسميه علماء النفس بالحمايةالزائدة، وطبعًا الحماية الزائدة مضرة، ولا تأتي إلا بخلل جسيم في تربيةالطفل.
الاهتمام بتعزيز السلوك الصحيح الذي ينفرد الطفل بالقيام به:
ويأتي دور التعزيز لسلوك الاعتماد على النفس، فبعد أن يقوم الطفل بما يريدبنفسه، لا بد أن تثني على الطفل، وتمدح قيامه بالسلوك الصواب منفردًا،وتحكي للضيوف، وتعرفهم - على مسمع منه طبعًا - كيف أنه عمل كذا وكذا، وقام بكذا وكذا، كأنك تتفاخر بابنك الطيب، أو تتباهي بابنتك اللطيفة.
تدريب الطفل على المسؤولية الاجتماعية
فمع تدريبه على الاعتماد على النفس أو المسؤولية الذاتية، نبدأ في التوسع في تحميل المسؤولية في دوائر يتسع اللاحق منها باستمرار بعد إتقان السابق بشأن تحمل مسؤولية الآخرين، فيبدأ الطفل بتحمل مسؤولية خدمة إخوته، ثم تلي ذلك مسؤولية دائرة الجيران، ثم دائرة الأقارب، ثم دائرة الشارع أو الحي،وتظل تلك الدوائر تتصاعد حتى تشمل مشكلات المسلمين في العالم، ثم مشكلات الناس بصفة عامة.
ويأتي سؤال: ولماذا كل هذا الهم؟ فتكون الإجابة: ليستشعر أنه عضو في جماعات مختلفة، بدءًا من إخوته حتى جماعة البشر بصفةعامة، ويعني ذلك أنه مسؤول دومًا أمام نفسه، ثم أمام الله سبحانه عن الآخرين.
مما سبق يستطيع الطفل أن يهتم بمصلحة إخوته، أو تتحمل البنت هموم أهلها، أو يفكر كلاهما في هموم المسلمين، أو مشاكل المظلومين في العالم كله، ويخرج الطفل شيئًا فشيئًا من أنانيته البغيضة إلى عالم المعاملات الإنسانية الراقية التي تجعل الإنسان إنسانًا، ويستطيع أن يتحررمن رغباته الضيقة المحدودة، ويرى العالم الرحب الجميل الذي يتجلى في خدمةالآخرين، ويستطيع أن يستشعر المتعة الموجودة في قضاء مصالح الناس، كما يدرك كيف يتعبد الله سبحانه بإدخال السرور على الآخرين، وتيسير الحياة على الناس، ولا يفوتنا في ذلك كله أن ندعم حواراتنا معه بأحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) التي تحض على فك كرب المكروب، والتيسير على المعسر، و أن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
فإذا كان الطفل أوالبنت صاحبا السؤالين السابقين لم ينل كل منهما فرصة للتربية على المسؤوليةالذاتية والمسؤولية الاجتماعية عنده منذ الصغر، فلا بأس من أن نبدأ الآن بنفس الترتيب، ولا بد أن يتعلم تلك المسؤوليات، ويتدرب على تحملها من جديد