لأن إعفاء اللحية من الفطرة التي فطر الله سبحانه وتعالى الرجال عليها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { عشرٌ من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وانتقاص الماء }. قال زكريا: قال مصعب: ونسيتُ العاشرة إلا أن تكون المضمضة [رواه مسلم].
ولأن في إعفاء اللحية مخالفة للمشركين من أهل الكتاب والمجوس وغيرهم ، وعلة المخالفة هذه لا تزال قائمة، فلا يزال المسلم يتميَّز بإعفاء لحيته، وإعفاء بعض المشركين للحاهم لا يعني إنتفاء علّة المخالفة، فقد كان مثل هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { خالفوا المشركين: وفِّروا اللحى، وأحفوا الشوارب } ، قال الشوكاني رحمه الله: ( قد حصل من مجموع الأحايث خمس روايات: { أعفوا، وأرخوا، وأوفوا، وأرجوا، ووفروا }، ومعناها كلها تركها على حالها ).
وأعفيتُ لحيتي لأن في ذلك إمتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى ، فهو تكليف ربّاني يُؤجر المسلم بفعله ويأثم بتركه، فقد جاء في حديث رسولي كسرى الطويل أنهما لمَّا دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد حلقا لحاهما، وأعفايا شواربهما، فكرهَ النظر إليهما، ثم أقبل عليهما، فقال: { ويلكما من أَمركما بهذا؟ } قالا: أمرنا بهذا ربنا – يعنيان كسرى – فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { ولكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقصِّ شاربي } [صحيح السيرة]. فتأمل كيف أنه كره النظر إليهما لما رآهما على هذه الحال، وهذا يعكس بوضوح خروجهم عن الفطرة السليمة كما أسلفنا.
ولأن في حلق اللحية تغييراً لخلق الله سبحانه وتعالى بغير إذن منه عز وجل ، وإنما بوحي وتزيين من الشيطان، يقول تعالى في حق الشيطان: لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا [النساء:118-120، ولا ريب أن في حلق اللحية تغييراً لخلق الله سبحانه وتعالى قد نهى الله عز وجل عنه ، إضافة إلى أنه من التشبه بالنساء من التشبه بالنساء وتقمص خلقتهن، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعله، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: { لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال } [رواه البخاري].
وأعفيتها لأن في إعفائها موافقة لسمت الأنبياء والصالحين وهديهم ، إقرأ إن شئت قوله تعالى مخبراً عما قاله هارون لأخيه موسى عليهما السلام: يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي [طه:94]. فهذا يدلُّ على أن هارون عليه السلام كان عظيم اللحية. والله تعالى أمرنا بالاقتداء بالأنبياء والمرسلين فقال سبحانه : ( أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ) [الأنعام : 90]