د. عبير مبارك
لو يعلم أولئك الذين يتفننون في إبداء غضبهم من الغير، إما عبر الكيد الخفي الهادئ وإما عبر الصراخ أو الشتم أو «صقع» الأبواب، أن الاستمرار في كثرة الغضب يرفع بشكل حاد من احتمالات إصاباتهم بأمراض القلب، فهل ترى سيتمادون في اعتماد هذا الأسلوب بغية تسيير شؤون حياتهم وفرض تحقيق أهدافهم؟
ولو يعلم أولئك الذين «يفْجرون» في غضبهم عند الخصومة، إما عبر إغلاق وسد أي باب للنقاش والتفاهم، وإما عبر احتداد رفع الصوت في النقاش وعبر إسكات الغير بغير حجة مقنعة لأي إنسان ذي عقل سويّ، أن هذا سينقلب وبالا عليهم في صحة وعافية قلوبهم، وأن غيرهم سينعم بالحياة الهانئة وبالقلب السليم، فهل ترى سيستمرون في اللجوء إلى هذه الطريقة في تعاملهم مع الغير؟
وحينما يراجع أولئك النفر الغاضبون أنفسهم، هل ستصمد لديهم تبريراتهم الواهية بأنهم كانوا مضطرين إلى الغضب بسبب تعاملهم مع أشخاص «أغبياء» لا يعرفون كيف يتصرفون أو كيف يحترمون، أم أن الحقيقة الطبية التي تقول إن «الغضب ضار جدا بالقلب» ستجعلهم يفيقون لأنفسهم ويدركون أنه «من جد، ما في شيء يستاهل»، وأن غيرهم ربما لم يقصدوا إيذائهم أو ربما كانوا على حق؟
* الغضب المدمر
* إن صحة القلب وسلامته من الأمراض، هي أهم عنصر في ضمان الصحة والعافية للجسم بأسره. وإذا كانت النفس تستهوي الغضب، أو ترى أن من الصعب التحكم فيه، فعلى تلك النفس في المقابل أن تسمع جيدا ما يقوله لها أطباء القلب في العالم حول الأضرار المستقبلية للتمادي في هذا السلوك النفسي الشاذ.
يقول الأطباء في كلية الطب بجامعة هارفارد: «الغضب قد يكون السبب في الإصابة بالنوبة القلبية أو السكتة الدماغية، وقد توصلنا إلى هذه النتيجة بعد إجرائنا عدة دراسات طبية حول هذا الأمر». إحدى تلك الدراسات شملت أكثر من 1300 شخص، معدل عمرهم نحو 60 سنة. وأظهرت أن الرجال الأكثر غضبا ترتفع لديهم، بمقدار ثلاثة أضعاف، احتمالات الإصابة بأمراض القلب. وذلك مقارنة بالرجال الأكثر هدوءا وتعقلا. ويضيفون أن قلوب الرجال الأكبر سنا أكثر عرضة للمعاناة جراء نوبات الغضب. ولكن هذا لا يعني أن الرجال الأصغر سنا بمأمن من العواقب القلبية الوخيمة للغضب. وفي دراسة طبية أخرى صدرت عن كلية جونز هوبكنز للطب، تابع الباحثون الأميركيون الحالة الصحية والنفسية لنحو 1100 من طلبة كلية الطب، ولمدة وصلت إلى 36 عاما. وبالمقارنة بين الأشخاص الذين يتمتعون بالهدوء وبرودة الأعصاب، مع الأشخاص «ذوي الرؤوس الحارة» والغضب السريع، تبين للباحثين أن احتمالات الإصابة والمعاناة من أمراض القلب قبل بلوغ عمر 55 سنة، ترتفع بمقدار ستة أضعاف لدى «مجموعة سريعي الغضب»، أي أنهم أكثر عرضة لكي يصبحوا مرضى قلب في «سن مبكّرة» وفق التعريف الطبي الرسمي.
ولذا قال أطباء هارفارد إن النتيجة واضحة جدا، فالغضب أمر سيئ لصحة الإنسان في أي عمر كان. وتحديدا، قال الدكتور هارفي سيمون، طبيب الباطنية بجامعة هارفارد: «بين فئة البالغين الصغار، يعتبر الغضب أحد عوامل الإنذار بارتفاع احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب في مراحل تالية من العمر». وعلى الرغم من أن غالبية دراسات علاقة الغضب بأمراض القلب جرت على رجال، وبالتالي قد يعتقد البعض أن قلوب النساء ربما لا تتأثر بغضبهن، فإن الدكتور سيمون يعلق على هذا الجانب بالقول إن «غالبية الدراسات التي اطلعت عليها كانت منحصرة في الرجال، ومع هذا، ووفقا لدراسة أجريت عام 2006، أتوقع أن النساء لسن أقل عرضة لخطر الإصابة بتداعيات نوبات الغضب مثل الأمراض القلبية والنوبة القلبية والسكتة الدماغية».
ومما يدعم هذا، نتائج إحدى الدراسات الطبية التي أُجريت عام 1995 وشملت نحو 1600 شخص، ثلثهم من النساء. وأظهرت تلك الدراسة أن «انفلات السيطرة على الأعصاب» في خلال الساعتين التاليتين للتعرض لموقف مثير للغضب، يؤدي إلى ارتفاع احتمالات الإصابة بالنوبة القلبية، وذلك بنسبة الضعفين عند المقارنة مع سيطرة الشخص على أعصابه عندئذ.
وكذلك تلك الدراسة الشرق أوسطية التي قيمت 200 حالة من الإصابات بالسكتة الدماغية، ووجدت أن نوبة الغضب الشديد ترفع بمقدار 14 ضعفا من احتمالات الإصابة بالسكتة الدماغية، وذلك في غضون الساعتين الأوليين.
* أشكال الغضب
* يأتي، أو يظهر، الغضب عبر عدة صور وأشكال، منها الانزعاج، وسرعة التهيج، والإحباط، والغيظ، والامتعاض، والاستياء الشديد، والسخط، والحقد، والعدوانية، وغيرها من الصور والمظاهر التي تدل على وجود الشعور بالغضب لدى الشخص. والمهم أن يدرك المرء الذي يعاني هذه المشكلة، أن هذه المشكلة موجودة لديه. ومن ثم عليه أن يتعامل معها، وصولا إلى تخفيف آثارها الصحية. أو على أقل تقدير حماية قلبه من تداعياتها.
وكان الأطباء في جامعة هارفارد قد لاحظوا في نتائج إحدى دراساتهم حول الغضب والقلب، أن تناول قرص أسبرين، بكمية 81 ملغم، يقلل بنسبة 40 في المائة من احتمالات الإصابة بالنوبة القلبية جراء نوبات الغضب.
والسؤال الذي يأتي لا محالة هنا، ما الرابط بين مرض عضوي وانفعال عاطفي؟ أي بعبارة أوضح، لماذا وكيف يحصل هذا التأثر القلبي جراء الغضب النفسي؟