النفاق..مرض القلوب...ووباء العصر..
هذا المرض المستعصي الذي لم نستطع أن نجد له دواء في كل الأزمان ..
والذي ينتشر أكثر في هذا الزمان حيث يكثر الكذب
ويزداد النفاق بسبب ابتعاد الناس عن الله و التمسك من الدين بالقشور والأعمال الظاهرة منه
ونسيان حقيقة الدين وهو التقوى في القلب..
والعمل بالأخلاق التي حثنا عليها الإسلام بدل التمسك بالأشياء الظاهرية منه فقط..
ومن شدة قوة هذا المرض وفتكه بالعقول والقلوب ..
لم يخلو أطهر الأزمان منه وهو زمن ابتعاث الرسول الكريم سيدنا محمد صلوات الله عليه وسلامه..
ولذلك فقد استفاض القرآن الكريم بالحديث عن أنواع شتى منه ..
بُغية إيضاح سُبُل الوقوع في شباكه ..للاحتراس منه ..وعقوبة كل نوع من أنواعه..
ويعلمنا أدباً خاصاً بالتعامل مع الله دون نفاق..
لأنه بكل أنواعه يكون نفاقاً على الله قبل أن يكون على عباده..
ويكون منبعه الكفر بالله..
سأتناول بعض ألوان النفاق ليبحث كل منا عنها في قلبه وتصرفاته قبل أن يبحث عنها في غيره من الناس..
عساه يتخلص منها وينقي روحه من إثمها ويشفيها منه..
طهر الله قلوبنا من النفاق ..وأجارنا من عواقبه..
هناك أوجه كثيرة للنفاق تصب جميعاً في قالب واحد..
فالمنافق هو شخص يُظهر الخير ويُخفي الشر..ويقول مالا يفعل..
"يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون *كبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"
وسنتحدث بداية عمن ينافق على ربه..
فيطلب منه إدرار الرزق وإكثاره ليتصدق أكثر وليتمكن من عمل الخير من زكاة وصدقة ويكون من الصالحين..
فيعطي كل ذي حق حقه..
فما وفى بما وعد ولا صدق فيما ادعى..
فلما أعطاه الله المال انشغل به عن الصلاة والعبادة فما شكر لله
ولا أعطى منه صدقة
وكلما ازداد المال أكثر انشغل بماله أكثر حتى امتنع عن الزكاة الواجبة فكان جزاؤه بالغ السوء..
أن أعقبه الله نفاقاً يسكن قلبه إلى يوم الدين لا يشفى منه أبداً..
وأصبح مرضاً لا شفاء منه
"ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن و لنكونن من الصالحين *فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون*فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون*
ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب"78سورة التوبة
ونوعاً آخر من النفاق يتصف به أناس لا يسلم أحد من عيبهم وهمزهم ولمزهم في جميع الأحوال
فيسخرون ممن يتصدق بالكثير ويقولون عنه مِراء..
ويسخرون ممن يتصدق بالقليل من المال من الفقراء
أو من أصحاب الدخل المحدود فيقولون :الله غني عن قليله..!!
فكان لذنبهم الكبير هذا جزاء كبير وهو عدم المغفرة
حتى ولو استغفر لهم رسول الله عليه الصلاة والسلام فلن يقبل الله أن يغفر لهم
وحرمهم من الهداية لعظيم ذنبهم وبشاعته
ولأن هذا التصرف يدل على كفر مستقر بقلوبهم..
بينما تجد من بيننا أناس يُذنبون ولا يشعرون بعِظَم ذنبهم وعقوبته..
"الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سَخِرَ اللهُ منهم ولهم عذاب ٌ أليم*استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين" 79\80سورةالتوبة
أما هذا النوع المتفشي كثيراً من النفاق
فهو عن الناس الذين يظنون أنهم ظُلِموا في هذه الحياة
ولم يأخذوا فيها ما يستحقون من نِعَم الله
فإن أعطاهم الله و رسوله رضوا وإن لم يُعطيهم يسخطوا عليه ويصفونه بعدم العدل ..أي الظلم ..
حاشى لله أن يَظلِم وإن كان اقدر على الظلم ولكنه لا يرضاه لا لنفسه ولا لعباده..
سبحانه وتعالى عما يصفون..
ولهؤلاء أقول انظروا كيف يعلمنا الله جل علا الأدب معه مع رسوله الكريم
من خلال هذه الآية فبداية علينا القبول بما رزقنا الله والرضى به ثم التوكل عليه وحده
والطلب منه وحده لزيادة الرزق بعد العمل بالأسباب..
هذا هو الموقف الصحيح لمن يكون إيمانه صادقاً وسليم
ولمن يفهم معنى الإيمان والتوكل على الله وعدم اللجوء لغير الله واستجداء العطاء من غيره ..
فيعلمنا عزة النفس ولهذا أستغرب من الناس من يرجو شخصاً غير الله ويتذلل له كي يفعل شيء من اجله
في حين أن القدرة عند الله على تلبية حاجاتنا إن أراد البشر أم لم يقبلوا..
فهذا الأدب مع الله يهذب في نفوسنا ثورة الغضب التي يصنعها الشيطان في قلوبنا
لينتزع منها الرضى بقضاء الله ويزرع مكانه الغضب على الحياة والأقدار والشعور بالظلم..
واتهام الله ضمنياً بالظلم وحاشاه فهو أعدل من حكم
ولكن الحكمة مما أعطاه الله لنا أم لم يُعطيه تبقى مخفية علينا
لا نعلمها لقصور قدراتنا قد علمها الله وقدرها لنا..
ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أُعطُوا منها رضوا وإن لم يُعطَوا إذا هم يسخطون*58 ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون*59 سورة التوبة
ولو نظرنا إلى هذا الحديث النبوي الشريف عن الصدقة حيث قال عليه أفضل الصلاة والسلام
:إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد .....إنما هي أوساخ الناس"رواه مسلم
فالصدقة لا تحل لغني عنها أو لوجود من هو أحوج منه إليها
حتى ولو رضي هو بأخذها ولم يُبالي بأنها أوساخ الناس التي يطهرون بها أموالهم
فلا يأخذها إلا المضطر إليها اضطراراً كبيراً..
ومن هنا أُشير إلى من يكنزون أموالهم فيُعاقبون عليها..
والكنز هو كل مال لا تؤدى زكاته فالله جعل الزكاة طهارة للمال "خذ من اموالهم صدقة تطهرهم بها"
أما عن أفضل ما يكنز الإنسان فهو الزوجة الصالحة التي إذا أمرها اطاعته وإذا غاب عنها حفظته...
وقلباً شاكراً ولساناً ذاكراً..وزوجة تعين احدكم على أمر الآخرة..
وسأترككم الآن لتراجعوا انفسكم وتفكروا كم من المنافقين حولكم..هدانا الله وإياكم.