ثمار الحسنات:
وتأمل معي قول ابن عباس الذي يبين فيه ما يحصده الطائعون من ثمار حسناتهم
يقول ابن عباس رضي الله عنهما : « إنَّ للحسنة ضياءً في الوجه ، ونوراً في القلب ، وسَعةً في الرزق ، وقوةً في البدن ، ومحبةً في قلوب الخلق . وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمةً في القلب ، ووهناً في البدن ، ونقصاً في الرزق ، وبغضةً في قلوب الخلق» .
ضياء في الوجه:
وإليك حديث النبي صلي الله عليه وسلم ليطمئن قبلك أن للطاعة ضياءً وبهاءً في الوجه : عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئاً فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ » . الترمذي وقال حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وفي رواية « نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثاً فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ » . . رواه الترمذي وحسنه وصححه الألباني وأخرجه أحمد و الدارمي و ابن حبان وابن عبد البر و أبو داود الطيالسي عن شعبة بنحوه .
ويقول ربنا عزوجل {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}(فصلت:33)
فمن أفضل ممكن هو مبلغ عن الله وعن رسوله ممن يعمل عند الله من أحسن حظا وأشد ضياء وأعظم بهاء في وجهه ممن دعا له النبي صلي الله عليه وسلم المستجاب الدعوة الكريم علي ربه ليس من هو أفضل من المنشغل بدعوة الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم .
ونوراً في القلب:
إن السائر في طريق مظلمة يصطحب معه مصباحا أو شعلة تضيء له طريقه وإلا تخبط في الظلمات فأصابه الضر من شوك أو أذي أو وقع في حفرة فكسرت عظامه أو شج رأسه . وكذلك السائر في الحياة الدنيا التي هي ممر للحياة الآخر يحتاج إلي مصباح يضيء له طريقه لأن الطريق حالكة الظلام فتن كقطع الليل المظلم ونور هذه الرحلة يستمد من تقوي الله والعمل الصالحمن القرآن العظيم
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} (النساء :174) قد جاءكم دليل الفلاح والسعادة
فالنور والهداية والبصيرة والتوفيق في الحياة يستمد من بيوت الله في الصلاة في السجود لله عز وجل في الخلوة مع الله بالليل في طاعته سبحانه وتعالى .
سئل الحسن البصري ما بال من يقومون الليل وجوههم مضيئة قال : قوم خلوا بالرحمن فكساهم نورا من نوره .
قال أبي بن كعب: {نُّورٌ عَلَى نُورٍ} فهو يتقلب في خمسة من النور، فكلامه نور، وعمله نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، ومصيره إلى النور يوم القيامة إلى الجنة. إنها هي السعادة إذا والطمأنينة .
ألا إن بيوتي في الأرض المساجد، وإنه من توضأ فأحسن وضوءه، ثم زارني في بيتي أكرمته، وحَقّ على المَزُور كرامةُ الزائر ابن كثير
وعن سلمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {من توضأ في بيته فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد فهو زائر الله وحق على المزور أن يكرم الزائر} قال الألباني رواه الطبراني في الكبير بإسنادين أحدهما جيد . صحيح الترغيب والترهيب
قال صاحب الظلالفي قوله تعالي:{يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء} ممن يفتحون قلوبهم للنور فتراه . فهو شائع في السماوات والأرض ، فائض في السماوات والأرض . دائم في السماوات والأرض . لا ينقطع ، ولا يحتبس ، ولا يخبو . فحيثما توجه إليه القلب رآه . وحيثما تطلع إليه الحائر هداه . وحيثما اتصل به وجد الله . إنما المثل الذي ضربه الله لنوره وسيلة لتقريبه إلى المدارك ، وهو العليم بطاقة البشر : {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ذلك النور الطليق ، الشائع في السماوات والأرض ، الفائض في السماوات والأرض ، يتجلى ويتبلور في بيوت الله التي تتصل فيها القلوب بالله ، تتطلع إليه وتذكره وتخشاه ، وتتجرد له وتؤثره على كل مغريات الحياة ، وهناك صلة تصويرية بين مشهد المشكاة هناك ومشهد البيوت هنا ، على طريقة التناسق القرآنية في عرض المشاهد ذات الشكل المتشابه أو المتقارب . وهناك صلة مثلها بين المصباح المشرق بالنور في المشكاة ، والقلوب المشرقة بالنور في بيوت الله .
{.... وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} (النــور :40) ونور الله هدى في القلب ؛ وتفتح في البصيرة ؛ واتصال في الفطرة بنواميس الله في السماوات والأرض؛ والتقاء بها على الله نور السماوات والأرض . فمن لم يتصل بهذا النور فهو في ظلمة لا انكشاف لها ، وفي مخالفة لا أمن فيها ، وفي ضلال لا رجعة منه . ونهاية العمل سراب ضائع يقود إلى الهلاك والعذاب ؛ لأنه لا عمل بغير عقيدة ، ولا صلاح بغير إيمان . إن هدى الله هو الهدى . وإن نور الله هو النور . في ظلال القرآن
والسعادة في الهدي والنور والشقاء والضيق في الغي والظلام . {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (الأنعام :122)
فيا من تبحثون عن السعادة مع أزواجكم وأولادكم وفي أعمالكم والتوفيق في حياتكم الدنيا والسداد في آرائكم واختياراتكم , الطريق من هنا , ما تبحثون عنه في التقوى في الطاعة في فعل الحسنات في عمل الخيرات . في التقرب إلي الله والبعد عمَّا يغضبه
روى البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِى وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَىْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِى يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِى يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِى لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِى لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَىْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِى عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ » .
فكيف يكون حالك إذا كنت تري بنور الله وتسمع بسمعه وتسير ببركته وما تتمنى فطوع إرادتك وإذا كنت مسددا مجبورا مستورا ؟
ويوم القيامة يكون النور علي قدر الإيمان وعلي مقدار العمل الصالح يقول ربنا تقدست أسماؤه عن المؤمنين يوم الوعيد .
إن الله يدعونا نحن المسلمين بأن نقرضه ونعطيه فماذا نعطي الله ؟! فنحن الفقراء ولا نملك شيئا بل الملك كله لله ومع هذا يطلب منا أن نقرضه إنها الرحمة الإلهية أن يستقرضنا وهو الغني عنا وفي الحقيقة ما نقرض وما نعطي إلا أنفسنا نعطيها أضعافا مضاعفة من النور والسعادة والعيشة الهنية والأجر الكريم والأجر العظيم حقا يوم القيامة يوم الظلمات لأهل المعاصي والنور لأهلة الطاعات فها هم المؤمنون يشع منهم النور فيكسوهم ويكسو المكان حولهم بين أيدهم وبأيمانهم فهذه البشرية تضيء وتنير إنه نور للمؤمنين نتاج لأعمالهم حصدوه يوم ينفع النور فبشرى لهم هذا الفوز العظيم وجنات النعيم فلقد دعيتم إلي جمع النور في الدنيا فسارعتم إلي كنزه لينفعكم اليوم
وها هم المنافقون والعصاة في حالك الظلمات يرون المؤمنين في نور وضياء وبهاء فيطلبوا هذا النور ليسيروا في ركب المؤمنين وينادون عليهم دعونا نتلمس نوركم ونمشي في ضيائكم فينادي عليهم ارجعوا إلي حيث يلتمس النور إنه يلتمس في الطاعات والقربات في الصلاة والذكر إنه في القرآن إنه في المساجد في بيوت الله ولكن أني لهم ليرجعوا ليتمسوا هذه الأعمال وينادون عليهم لقد كنا سويا في الدنيا ويجيب المؤمنين نعم كنتم معنا في الدنيا كنتم معنا أجساما وقلوبكم مظلمة أظلمتها عليكم المعاصي وخربتها الشهوات ولكنكم لم تلتمسوا نور الله ولم تسعوا لهداه وكان النور في الدنيا وكذا الهدي ولكنكم أعرضتم واستكبرتم وتربستم وارتبتم وغرتكم المعاصي والشهوات فأفقدتكم الراحة والسعادة في الدنيا والآخرة فلم تربحوا الدنيا ولم تكونوا من الفائزين في الآخرة فاليوم لا ينفع الندم ولا ينفع أن تقدموا فداء لتفدوا به أنفسكم أو حتى ثمنا لتشتروا به قبسا من النور فلتتخبطوا في حالك الظلمات ولتسقطوا من علي الصراط في قعر النار ولتخطفكم الكلاليب .
قال الضحاك: ليس لأحد إلا يعطى نورًا يوم القيامة، فإذا انتهوا إلى الصراط طفئ نور المنافقين، فلما رأي ذلك المؤمنون أشفقوا أن يطفأ نورهم كما طُفئ نور المنافقين، فقالوا: ربنا، أتمم لنا نورنا . تفسير ابن كثير.
لكأني أسمع صرخاتهم وهم ينادون ندما علي تفريطهم في حق أنفسهم {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} (فاطر:37)
وقال الحسن في قوله{ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } يعني: على الصراط.. تفسير ابن كثير
عن مسروق عن عبد الله قال : " يجمع الله الناس يوم القيامة " إلى أن يقول : " فيعطون نورهم على قدر أعمالهم ومنهم من يعطى نوره فوق ذلك ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه ومنهم من يعطى دون ذلك بيمينه حتى يكون آخر من يعطى نوره على إبهام قدمه يضيء مرة ويطفأ مرة إذا أضاء قدم قدمه وإذا طفئ قام قال : فيمر ويمرون على الصراط والصراط كحد السيف دحض مزلة فيقال لهم : امضوا على قدر نوركم فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كالطرف ومنهم من يمر كشد الرجل يرمل رملا فيمرون على قدر أعمالهم حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه تخر يد وتعلق يد فيخلصون فإذا خلصوا قالوا : الحمد لله الذي نجانا منك بعد ما أراناك لقد أعطانا الله ما لم يعط أحد " أخرجه الحاكم وقال صحيح علي شرط الشيخين صححه الألباني
فعلي قدر عملك في الدنيا يكون الخير والبشر والسعادة وراحة البال والطمأنينة والفوز في الدنيا والآخرة {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (الحديد :19)
ومن أعظم هذه الأعمال التي تجلب السعادة والراحة وصفاء النفس وهدوء الأعصاب التوبة الصادقة النصوح توبة الندم والدموع
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (التحريم :8) هذا هو طريق الخير والسعادة ، التوبة النصوح ،توبة تنصح القلب وتخلِّصه وتصفِّيه من كل شائبة ، ثم لا تدع فيه غشا ولا خديعة .
توبة عن كل ما يغضب الله وإذا ما رضي الله فثم الرضا والسعادة ، توبة أولها ندم على ما سلف وكان ، وثانيها الإقلاع عن المعاصي والآثام ،وثالثها دوام الاستغفار ، ورابعها العمل الصالح والطاعة والتزام منهج القرآن . فهي بهذه الصورة تنصح القلب فتخلِّصه من رواسب المعاصي وعكارها؛ وتحضه على العمل الصالح بعدها . فهذه هي التوبة النصوح .
فإذا ما حققنا هذه الصورة والتزمنا بهذه التوبة فنرجوا الله أن يكفر بها السيئات . وأن يدخلنا الجنات . في يوم يخزي الله فيه أهل معصيته وينعم علي أهل طاعته . ولا يخزي الله نبيه والذين آمنوا معه .
وتأمل معي مدي التكريم والتعظيم أن يضم الله المؤمنين إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيجعلهم معه زمرة واحدة يكرمون بتكريمه ويعظمون بتعظيمه . ثم يجعل لهم نوراً { يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ } . نوراً يتميزون به في ذلك اليوم العصيب عن المنافقين وأهل المعاصي والشهوات. ونوراً يهتدون به في الزحام نورا ييسر عليهم مرور الصراط كالبرق الخاطف . ونوراً يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يبصرون به طريق الجنة في نهاية المطاف!
وهم في هذه الأهوال يلهجون بالدعاء الصالح بين يدي الله: { يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ومن رحمة الله بهم أن يلهمهم هذا الدعاء في هذا الموقف الذي تخرص الألسنة وترجف القلوب ، هو علامة الاستجابة . فما ألهمهم الله هذا الدعاء إلا لأنه قدر لهم الإجابة فأي سعادة هذه ؟!