وقفة مع الحمد لله رب العالمين
الدكتور عصام بن هاشم الجفري
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين ، أحمده سبحانه وأشكره أتم علينا النعمة وأكمل لنا الدين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً صادق الوعد الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فأوصيكم أحبتي ونفسي بتقوى الله في السر والعلن فهي أس السعادة والنجاح في الدارين
قال الله في محكم التنزيل:{..وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا(2)وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}(الطلاق: 3).
معاشر المؤمنين في الخطبة الثانية عشر من هذه السلسلة نقف اليوم مع أول آية في سورة الفاتحة الحمد لله رب العالمين؛فالحمد أعم من الشكر لأن الشكر يكون في الغالب لمن أسدى إليك معروفاً ولكنك قد تحمد شخصاً لا تعرفه لسيرته العطره،فالحمد يتضمن الشكر،والشكر سمة أهل الفطر القويمة فإذا أسديت لرجل معروفاً ولم يشكرك كيف يكون موقفك منه؟. فكيف بالله بمن يمن عليك بنعمه الليل والنهار؛أخي الحبيب تعال معي لنرجع للوراء قليلاً هل تذكر يوم أن كنت نطفة حقيرة في بطن أمك تسبح في بحر من الدماء لو تسلطت عليك جرثومة صغيرة لكنت سقطاً ونسياً منسياً،فقلي بربك من حفظك؟ إنه الله.ثم كنت بعد النطفة علقة ثم بعد العلقة مضغة ثم عظاماً ولحماً فمن غذاك هناك؟.من سقاك هناك؟.من حفظك هناك؟. إنه الله.فهل سألته ذلك؟.لاشك لا.فقد أبتدرك بالنعم ولا زال قبل أن تطلبه،فقلي بربك هل شكرته؟.ثم خرجت إلى هذه الدنيا فمن ذا الذي أخرجك من العدم إلى الوجود؟.إنه الله . فهل شكرته؟.خرجت للدنيا جاهل لا تعلم ، أعمى لا تبصر ، أصم لا تسمع،كسيح لا تمشي،ضعيف لا تستطيع دفع ذبابة وقعت على أنفك،فقير لا تملك حتى اللفافة التي وضعت فيها،فقلي بربك من ذا الذي وهب لك بعد الجهل علماً،وبعد العمى بصراً وبعد الصمم سمعاً،وبعد الضعف قوة ويداً ورجلاً،وبعد الفقر غنى،إنه الله.
فهل شكرته؟.من رزقك زوجه تعفك عن الحرام وغيرك يتلمظ على فراشه أو يتسكع هائماً على وجهه في الأسواق ويقع في الحرام؟ من ذا الذي وهبك أطفالاً حولك ذكوراً وإناثاً وغيرك حفيت أقدامهم يترددون على الأطباء ابتغاء الولد؟.من ذا الذي وهبك أمناً تعيشه وغيرك لا يأمن على نفسه ولا على ماله ولا على ولده؟
إنه الله فهل شكرته؟
كل خفقة قلب نعمة تحتاج إلى شكر،كل نفس يتردد في صدرك نعمة تحتاج إلى شكر،كل قطرة ماء تصفى في كليتك نعمة تحتاج إلى شكر،كل صورة تنظرها نعمة في حاجة للشكر،كل كلمة تنطقها نعمة في حاجة للشكر،كل كلمة تسمعها نعمة في حاجة للشكر،كل فكرة تستخدم فيها عقلك نعمة تحتاج إلى شكر،كل خطوة تخطوها نعمة تحتاج إلى شكر،كل نومة تحتاج إلى شكر،كل قومة تحتاج إلى شكر فلا إله إلا الله ما أعظمها من سلسلة عظيمة من النعم وصدق المنعم جل في علاه يوم أن قال:{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}(النحل 18).نعم متتالية متتابعة والله لو استخدمنا فيها الشكر اللساني فقط ما استطعنا أن ننطق معها بكلمة أخرى،وما شكرناها حق الشكر،لأن معرفة النعمة نعمة تحتاج إلى شكر، والنطق بالشكر نعمة تحتاج للشكر،وأعظم نعمة من الله بها عليك نعمة الهدى والإيمان فكم من الناس ظلت أقدامهم عن طريق الهدى.
أخي الحبيب هل تود أن تدوم نعم الله عليك وأن تزداد؟. إذن استمع معي لهذا الخطاب الإلهي العظيم وهذه القاعدة الذهبية حيث يقول الله:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}(إبراهيم :7).ومن هنا قال الفضيل بن عياض (رحمه الله):"عليكم بملازمة الشكر على النعم فقل نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم"(د. صالح بن حميد وآخرون ،نضرة النعيم،الشكر(2417))
أتريدون أحبتي دليلاً قرآنياً على ذلك استمعوا معي لواحد منها ومثلها في القرآن كثير:{وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}(النحل :112)
نداء ..نداء ..نداء أوجهه من هذا المكان إلى كل مجاهر ومجاهرة بالذنوب إلى دعاة الرذيلة وإفساد المرأة إلى كل من يسعون في مجتمعنا فساداً .نناشدكم الله ..نناشدكم الله..نناشدكم الله أن كفوا وعودوا لربكم؛أتريدون أن تبدلوا أمننا خوفاً؟. أتريدون أن تبدلوا شبعنا جوعاً؟.
فهذه قاعدة ربانية وسنة إلهية لا تتخلف فمالكم عنها غافلون، متى تستيقظوا هل بعد وقوع المصيبة :{فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ(12)لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ}(الأنبياء :13)
والشكر أيها الأحبة ليس باللسان فقط ولكن باستخدام النعمة في مرضات الله المنعم المتفضل، ومتى ما استخدمت في معصيته فقد عرضها صاحبها للزوال، فقولوا لمن يستخدم عينيه في النظر الحرام هل تأملت في حالك لوفقدت نعمة البصر تظل كفيفاً تحتاج لقائد،
قولوا لمن يستخدم أذنه في السمع الحرام هل تأملت حالك لو فقدت نعمة السمع يتحدث الناس من حولك وقد يسبونك ويشتمونك وأنت لاتدري؟
.قولوا لمن يستخدم لسانه في الكلام الحرام وفي الإيقاع ببنات المسلمين كيف حالك لو فقد نعمة النطق تظل تجيش المشاعر في صدرك لا تستطيع التعبير عنها؟
قولوا لمن يستخدم عقله في التخطيط للحرام كيف حالك لو فقدت عقلك هل تخيلت نفسك وأنت مجنون تهيم على وجهك في الشوارع يتلاعب بك الصبية؟
قولوا لمن طغى بماله واستخدمه في الحرام والسفر بحثاً عن اللذة المحرمة كيف حالك لو غدوت فقيراً مدفوعاً بالأبواب لا تجد ما يشبع جوعك؟ والقائمة تطول، وكل أبصر بنفسه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا(8)فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا(9)أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا}( الطلاق :10).