كمالاته المعنوية،فقد بلغ صلى الله عليه وسلم فيها الغاية التي لا يدانيه فيها سواه .فقد ضرب الله عزَّ وجلَّ به المثل الأعظم في الأخلاق الكريمة ، وقال في شأنه
( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (4سورة القلم)
فقد كان صلَّى الله عليه وسلم:أعظم الناس عفواً.وأطول الكائنات يداً وكرماً.وكان صلَّى الله عليه وسلم خلقه الله ، ولم يوجد في دنيا الناس من اتصف بهذه الصفات كسيد الناس صلَّى الله عليه وسلم ، حتى قال فيه سيدنا موسى عليه السلام مبيناً صفاته في التوراة :
{ لا يزيده جهل الجاهل عليه إلا حلماً }
وهذه هي الغاية العظمى في الحلم للحبيب الأعظم صلَّى الله عليه وسلم.وكفاه شرفاً وفخراً أنه لما تمكَّن من قومه بعد فتح مكة، جمعهم حول البيت الحرام وقال لهم:
( يا معشر قريش: ماذا تظنون أني فاعل بكم؟، قالوا: خيراً، أخ كريم!، وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، لا أقول لكم إلا كما قال أخي يوسف لإخوته
( لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) (6سورة يوسف)
وكم حملت لنا كتب السيرة الشريفة من وقائع لأناس كانوا يقولون:ما على وجه الأرض رجل أبغض إلينا من محمد، فلما ووجهوا بكماله، وعاملهم بخلقه العظيم، تغيرَّوا في الحال وقالوا:
ما في قلبنا، ولا وجدنا رجلاً أعظم عندنا ولا أحب إلينا من محمد صلَّى الله عليه وسلم.
أما كمالاته العقلية فيقول فيها وهب بن منبه رَضِيَ الله عنه:
اطلعت على إحدى وسبعين كتاباً فوجدت أن ما أوتى جميع العقلاء بالنسبة لعقله صلَّى الله عليه وسلم كذرة رمل في صحراء واسعة
فقد كان صلَّى الله عليه وسلم كما قال فيه ربه:
( وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ) (6) سورة النمل
فقد كان هو الحكيم الأعظم في الأولين والآخرين صلَّى الله عليه وسلم. وتظهر حكمته في كل تصرفاته ، وفي كل أحواله ، وفي كل أعماله ، وفي كل توجهاته ، وفي نصائحه ، وإرشاداته .
فقد كان فيها هو الحكيم الأعظم ، حتى أنك لو اطلعت على أحاديثـه الشريفة؛ لا تستطيع، ولا يستطيع الأولون والآخرون، أن يغيروا لفظة من مكانها، أو يجدوا لفظة أجمل أو أكمل منها في موضعها. لأنه كما قال صلَّى الله عليه وسلم:
( يا أَيُّها النّاسُ، إِنِّي قَدْ أُوتِيتُ جوامِعَ الكَلِمِ وخَواتِمَـــه، واختُصِرَ لي اختِصَاراً، ولقدْ أَتيْتُكُم بِها بَيْضَاءَ نقيَّةً، فلا تَتَهَوَّكُوا، ولا يُغرَّنَّكُمُ المتَهوِّكُونَ )(1)
أما كمالاته القلبية فيكفي فيها تزكية ربِّ البرية:
( مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ) (17 سورة النجم)
وقوله عزَّ شأنه:( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى )(11) سورة النجم
فكل ما رآه بقلبه إن كان في عالم الملك، أو في عالم الملكوت، أو في غيرها من عوالم الحيِّ الذي
لا يموت، أكد الله عزَّ وجلَّ أنه رآها رؤية صحيحة.
لأن فؤاده صحيح، ولأن قلبه يعي عن الله عزَّ وجلَّ، وأنه صلَّى الله عليه وسلم يتوجَّه بتوجيه الله، ولا يتحرك إلا بإذن وأمر من الله عزَّ وجلَّ.
وأما كمالاته الروحانية:فيكفي في ذلك أنه تجاوز كل عوالم الملكوت ، ووصل إلى عالم سدرة المنتهى ، ووقف الأمين جبريل وقال :
( إلى هاهنا انتهى مقامي، فلو تقدمتَ لاخترقت، وأنا لو تقدمتُ قدر أنملة لاحترقت )
فتجاوز صلَّى الله عليه وسلم بروحانيته روحانية الأمين جبريل عليه السلام .يقول الإمام أبو العزائم رَضِيَ الله عنه في ذلك:
جبريل وهو عظيم في مكانته
لم يستطع يلج الأنوار بالهمم
إن كان جسم حبيبي في لطافته
أصفى وأزهى من الأرواح كلهم
فكيف تدري معانيه وصورته
كنز العلي فلا تبحث ولا تحم
إذا كان جسم حبيبي في نورانيته ، تجاوز جبريل في شفافيته وروحانيته فهذا دليل على أنه بلغ أعظم مقامات الكمال في كل مجال.لأنه صلَّى الله عليه وسلم يكفيه :أنه كان صورة القرآن الحية الناطقة.ولذلك عندما سُئلت السيدة عائشة عن شأنه ، ماذا قالت ؟، استمع إلى الحديث الشريف عنها رضي الله عنه وأرضاها:
( أَنَّها سُئِلَتْ عَنْ خُلُق رَسُولِ اللَّهِ؟ فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ، يَرْضى لِرِضَاهُ، وَيَسْخَطُ لِسَخَطِهِ )(2)
(1) رواه أبو يعلى في مجمع الزوائد والبيهقي عن أبي قلابة ، لا تتهوَّكوا : أى لا تتحيَّروا ( مختار الصحاح ) .
(2)عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهَا، مسند الإمام أحمد .
http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...C2&id=18&cat=4
منقول من كتاب {إشراقات الإسراء الجزء الثاني}
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً
https://www.youtube.com/watch?v=gQUKmpoJcWw