هل شكل التصعيد الصهيوني الأخير في مخيم عسكر وفي مدينة جنين، وخانيونس حدثا عارضا في سياسة الحكومة الصهيونية؟ أم أننا في بعض الأحيان نستدخل مصطلحات (كالهدنة) إلى أذهاننا ونحولها إلى نقطة مرجعية، فيما العدو، يؤكد مراراً وتكراراً أنه غير معني بهذا القرار.
وان التصعيد نهج ثابت ونقطة مرجعية لدى حكومة شارون، وهو ليس مجرد وسيلة للتهرب مما سمي تعري الموقف الشاروني جراء الهدنة، ومحاولة للتملص من محاصرة الرأي العام العالمي له. لقد قدم المراقبون خلال شهر من (الهدنة)، تقارير دقيقة حول الخروقات الإسرائيلية لإعلان هدنة لم يجر اتفاق عليها، بل من طرف واحد، وجاءت أحداث مخيم عسكر، ومدينة جنين كنقطة بارزة في دمويتها لا أكثر. والتصعيد الصهيوني هو ليس مجرد توغل، أو مداهمة، إنه مصادرة أرض واستمرار في بناء الجدار الفاصل، وتعويض النقص في عدد الأسرى جراء مسرحية الإفراجات الأخيرة باعتقال عشرات أو مئات آخرين...الخ من أعمال عدوانية لم تتوقف، رغم اشتراط المعلنين للهدنة بأنها قائمة إذا ما توقفت كل أشكال العدوان.
أما المناورة الصهيونية فهي مجرد أعمال علاقات عامة خلال زيارة مسؤول إلى دولة أو خلال حملة ضغط دولية محددة وربما محدودة، لتأتي عملية التهدئة استجابة لمقدار التأثير الذي يقع على صورة الكيان وأدائه. وبالتالي فإن أعمال التهدئة المحدودة ما هي إلا نوع من توابل ترش على جراح نازفة وأعمال التخفيف هي مجرد مسرحيات لنقل الحواجز أو تخفيف لأزمات السكن في بعض المعتقلات.
في الجانب الفلسطيني حتى الآن الرد هو مجرد بيانات واستنكارات ورسائل للعالم، واشتباكات تقع في لحظات المداهمة لا أكثر، وحتى الآن لا زال الجدال دائراً حول نقل بعض المقاتلين الأبطال إلى غوانتانامو أريحا، أو إلى غزة، فيما رئيس الوزراء يتنقل بين عواصم العرب يحاول تحشيد خشب مسندة، أو متواطئين أو أصحاب سيقان مرتعدة. دون جدوى ودون طائل، فيما لا زالت ملفات إصلاح الوضع الفلسطيني الداخلي محشورة في الأدراج، كيما يتسنى للقائمين على الأمور التفرغ للقاءات عبثية مع الصهاينة والأمريكان والعرب المنهزمين. وربما شن حملة اعتقالات جديدة ارضاء لشروطهم.
حتى الآن لا جلسة جدية لتقييم شهر من الهدوء الفلسطيني والعدوان الصهيوني، وحتى الآن لا جدية في عملية إعادة بناء الوضع القيادي للانتفاضة، ولا جدية في معالجة هموم الجماهير.
في عام 1936، استجبنا لنداءات ملوك العرب بوقف الإضراب فكان الكتاب الأبيض الذي أدى إلى مشروع التقسيم عام 1947، وفي العام 1990 ذهبنا إلى مدريد لنحصد ثمار أوسلو المرة، والآن إلى أن نذهب أيها العرب، وأيتها القيادة. فشارون لا يحلم إلى باستسلام فلسطيني وعربي، ومشروعه بات بعد احتلال العراق أكبر من الضفة الغربية وقطاع غزة.