بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من المقهى إلى المسجد
لا تراه إذا أردته إلا على المقهى جالساً مع صديق يلاعبه النرد او يغتاب زملاءه في العمل ..
و كم من مرة سمع الأذان فلم
يستجيب له و لم يرعو لكلمة ( الله أكبر ) التي تخرق كل يوم طبلة أذنه ثلاث أو أربع مرات كل يوم
حتى يوم الجمعة و ساعتها لا يبرح منزله إلى المسجد كما يفعل الناس و ما كان يجلسه في منزله
هذه الساعة إلا إذا أغلق المقهى أبوابه ..
كنت أعرفه أيام دراستنا الابتدائية .. كنا في فصل واحد . .
رأيته ( قدراً ) ينازع جليسه على قطعة النرد أنها في صالحه
و لسيت في صالحه صديقه الذي علا صوته هو الآخر
حتى حدث لغط و هرج و مرج جذب إليهما أنظار المارة و الجلوس ..
أقتربت منه و حملقت النظر فيه جيداً و أخذت بيده بعدياً عن مقعده
و أضطررت إلى مجالسته في المقهى بعد أن هدّأت من روعه و كفكفت
من حزنه و ثورته ..
و انتهزتها فرصة لآخذ بيده إلى شاطيء النجاة و سبيل السلام ..
و دار الحديث دورته عن أحواله و أحوالي فعلمت أنه رسب في الدراسة كثيراً
و تعثر في سنواتها حتى زهد فيها
و رغب عنها و استبدل المقهى و جلساءه بالدراسة و بالعلم و علمت أنه لا يعمل
و دخل في عدة مشكلات عائلية مع والديه
و إخوانه و أنه مدين بمبالغ كبيرة اقترضها أيام زواجه ..
و بدأت أزرع في نفسه الأمل و أبينَّ له الخلاص من كل ما يعاني
و طريق سداد دينه و حل مشكلاته .
أنصت إليّ في ذهول و هو غير مصدق أن الحلول كلها عندي محبوسة تحت لساني .
ما هي إلا لحظات حتى جاءت كلمات الأذان مسترسلة عبر مكبر الصوت البيعيد ..
فصمت ُّ قائلاً له اسمع و رد مع المؤذن ما يقول و بدأت شفاهنا تردد الجملة تلو الجملة
و كل كلمة تعمل في نفسه عملها حتى أحسست كأنه يولد الحظة من جديد ..
و انتهى الأذان فطلبت منه أن يصلي على رسول الله صلى اله عليه و سلم و أن يدعو بالدعاء المـأثور دبر الأذان .. ثم اصطحبته معي إلى المسجد فأمرته بالطهارة و الوضوء و جلسنا سويًّا نتظر الصلاة حتى أقيمت ..
و صلينا و ختمنا الصلاة و قام الإِمام ليقي درساً كان موضوعه
( الصلاة عماد الدين ) بينَّ فيه أن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر و أنها عصمة للمرء من الزلات و راحة للبال و تنقية لنفس .. و كيف أنها الفصيل بين الإسلام و الكفر .. و استرسل الشيخ في شرح الآية الكريمة {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة و اتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيًّا} ..
و دعا الحاضرين إلى المحافظة عليها و الخشوع فيها و إكمال أركانها و شروطها و دعوة الأقارب و الأصدقاء إلى الصلاة و حثهم عليها ...
و هنا نظر صديقي الشاب إلي مبتسماً
و قد علت وجهة بارقة الإِن و كست نفسه قشعريرة الخشوع لله سبحانه و تعالى ..
ودّع صاحبي المقهى و جلساءه و بدأ يبحث في جنبات بلدته عن عمل يناسبه .. و قد كان .. فالتحق بإحدى الشركات القريبة من مسكنه و عاد إلى والديه يبرهما .. و إلى زوجته يحنو عليها و يعوضها أيام العنت و العسرة و قد قسط ديونه على أقساط بدأ في سداد القسط الأول راتب قبضت يداه من عمله ها هو ذا يطرق بابي لصلاة الفجر يوقظني لنسير سويًّا إلى المسجد نودي فرض الله عز و جل ..
الصلاة صاحبة الفضل عليه و التي أعادته شخصاً آخر...
المصدر : العائدون إلى الله
مجموعة من قصص التائبين , من مشاهير و علماء و دعاة غيرهم يروونها بأنفسهم
محمًّد بن عبد العزيز المِسند