السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتاب ( الفوائد ) لابن القيم الجوزية .. كتاب لا يُملّ منه ..
إن شئتَ قرأته من بدايته لنهايته متصلاً .. وإن شئت جزأته لأجزاء مختلفة الترتيب .. متباينة الكمية ..
وهو على اسمه يحوي صنوفاً من الدرر في الحديث والتفسير والفلسفة واللطائف ..
غنيٌّ عن التعريف كـ مؤلفه .. جذبتني إحدى فوائده الفريدة ,, وآثرت أن أُشارككم بها ..
يقول :
لماذا جعل الله تعالى آدم آخر المخلوقات؟
كان أول المخلوقات القلم؛ ليكتب المقادير قبل كونها. وجعل آدم آخر المخلوقات وفي ذلك حكم:
أحدها: تمهيد الدار قبل الساكن.
الثانية: أنه الغاية التي خلق لأجلها ما سواه من السموات والأرض والشمس والقمر والبر والبحر.
الثالثة: أن أحذق الصناع يختم عمله بأحسنه وغايته كما يبدؤه بأساسه ومبادئه.
الرابعة: أن النفوس متطلعة إلى النهايات والأواخر دائما،
ولهذا قال موسى للسحرة أولا: { ألقوا ما أنتم ملقون }، فلما رأى الناس فعلهم تطلعوا إلى ما يأتي بعده.
الخامسة: أن الله سبحانه أخر أفضل الكتب والأنبياء والأمم إلى آخر الزمان، وجعل الآخرة خير من الأولى،
والنهايات أكمل من البدايات، فكم بين قول الملك للرسول: اقرأ، فيقول : ما أنا بقارئ، وبين قوله تعالى : {اليوم أكملت لكم دينم}!
الساسة: أنه سبحانه جمع ما فرقه في العالم في آدم، فهو العالم الصغير وفيه ما في العالم الكبير.
السابعة: أنه خلاصة الوجود وثمرته؛ فناسب أن يكون خلقه بعد الموجودات.
الثامنة: أن من كرامته على خالقه، أنه هيأ له مصالحه، وحوائجه وآلات معيشته، وأسباب حياته، فما رفع رأسه إلا وكل ذلك حاضر عتيد.
التاسعة:أنه سبحانه أراد أن يظهر شرفه وفضله على سائر المخلوقات فقدمها عليه في الخلق؛
ولهذا قالت الملائكة: ليخلق ربنا ما يشاء فلن يخلق خلقاً أكرم عليه منا.
فلما خلق آدم وأمرهم بالسجود له ظهر فضله وشرفه عليهم بالعلم والمعرفة.
فلما وقع في الذنب ظنت الملائكة أن ذلك الفضل قد نسخ ولم تطلع على عبودية التوبة الكامنة،
فلما تاب إلى ربه وأتى بالعبودية، علمت الملائكة أن لله في خلقه سرا لا يعلمه سواه.
العاشرة: أنه سبحانه لما افتتح خلق هذا العالم بالقلم كان من أحسن المناسبة أن يختمه بخلق الانسان؛ فإن القلم آلة العلم، والإنسان هو العالم.
ولهذا أظهر الله سبحانه وتعالى فضل آدم على الملائكة بالعلم الذي خص به من دونهم.
اختكم في الله /تسواهم