وطـــــــــــن "
عندما تتخذ من احدهم لك وطنا , فانك تحتسي مرارةالغربة حين يغيب , وتحتسي مرارة الرعب حين يطول غيابه , وتحتسي مرارة الموت حين تشعر بأنه قد لا يعود أبداً ..
لا أعلم متى ستبحر بين هذه الحروف . ولا أعلم متى ستشم رائحة الحزن المنبعثة منها , ولا متى ستصل الى عمق الجرح المحفور بين كلماتها ؟..
بالأمس .. رحلت , غادرت وطناً كان يحتويني ويحتويك , واتجهت الى وطن يحتويك فقط ..
بالأمس.. تسربت من واقعي كقطرات الماء الغاليه التي كنت احتفظ بها من أجل لحظات العطش الواقعيه , وتركتني للرعب , ماذا لو باغتني العطش وأنت لست معي ؟ ..
بالأمس .. غادرتني كما تغادرني اشياء أحتاج اليها بقوة كي أبقى على قيدالحلم والأمل .. والحياة ..
بالأمس .. نزفت حضورك قطرة قطرة , ولمحتك تتقاطر مني بسيولة مُخيفة كَدَمي ..
بالأمس .. خرجت من أعمق أعماقي حياتي , وتركت بي فراغاً شوًهني .. فراغاً لا يتسع لأحد أولشيء فراغاً كلما تفقدت عمقه أدركت كم كان حجمك بي وحولي كبيراً ..
بالأمس .. وجدتني مضطرةٌ الى الانسلاخ من عالمك .. بألم لا يعادلهالا ألم الانسلاخ من جلدي المُلتصق بي ..
بالأمس .. وجدتني مُضطرةالى التبسُم لك وانت تلوح لي بكلتا يديك مُودعاً , فارداً جناحيك للغياب بلا حدود ..
بالأمس .. وجدتني مضطرة الى تصديق وعد العودة , كي أُحنًب نفسي ذهول فكرة الرحيل بلا عودة ..
بالأمس .. قصصت عليً قصةالرحيل والحنين , والموت عند الحنين , وأحداثاً أُخرى تلي الحنين .. فأرعبني الانغماس في تفاصيل لا طاقة لي بها ..
بالأمس .. علمتني كيف ان المُفاجأة قد تعصف بنا اذا ما صادفتنا ذات غفلة , وكأنك تُهيئ قلبي لسكتةمُفاجئه ..
بالأمس .. سردت عليً قصة الفارس العاشق بجنون , وتفاصيل اللحظة الاخيره بينه وبين معشوقته المجنونه به, وكأنك تصف لي طعم الاختضار قبل اللحظة الأخيرة ..
بالأمس .. وصفت لي السواد بدقةمُتناهية , وأسرفت في الوصف وكأنك تصف لي لون الظلام قبل الاغماضة الأخيره ..
بالأمس .. تجولت في كل اعماقي , واتكأت علي كل زاوايا قلبي , وصافحت كل الأحاسيس في داخلي , وكأنك تترك البصمة الأخيرة في الجولة الاخيرة ..
بالأمس .. ألقيت بي في فم الوحدة , وتركتني لوحش الاشتياق , تنهش في قدرتي
على البقاء من دونك .. والبقاء بعدك ..
بالأمس .. أهديتني الحزن مُزيناً بورق ملًون , وأهديتني الرعب ملفوفاً بالحرير , وأهديتني الألم مُزركشاً بخيوط الذهب ..
بالأمس .. خلفتني بين أكوام البقايا كالبقايا , وتركتني بين أوراق الحكاية كالركام المُهمَمل , وكالتفاصيل المنسِيًه ..
بالأمس .. سرقت نفسك من عالمي , من وجودي الذي عشقك كوجودي , وأبقى بلا "أنت" ..
بالأمس .. سرقتني مني .. سرقت أنا من " أنا " .. وأبقيتني بلا " أنا " ..
تُرى .. هل تُدرك مقدار الرُعب في أن أبقى بلا "أنت" وبلا "أنا" ..؟