الإعجاز العلمي في أحاديث تحنيك المولود
مقدمة:
اهتم الدين الإسلامي الحنيف بالصحة اهتماماً بالغاً, فجاءت لذلك كثير من الأحكام العامة والخاصة والتي من شأنها المحافظة على الصحة العامة للإنسان.
ولقد بدأ هذا الاهتمام بصحة الإنسان من حين ولادته, فلقد اهتم الإسلام اهتماماً عظيماً برعاية الطفولة والأمومة في مراحلها كلها اهتماماً لا يدانيه ما تتحدث عنه منظمات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان ومنظمات الصحة العالمية.
ومن ذلك الاهتمام تشريع أحكام تتعلق بالمولود ومنها ترديد الأذان والإقامة في أذنيه بعد ولادته مباشرة؛ ليكون أول ما يصل إلى سمعه ذكر الله تعالى والأذان والإقامة، ومن تلك الأحكام تحنيكه بالتمر أو ما شابهه, إلى غير ذلك من الأحكام التي تتعلق بالمولود, وقد صنف علماء الشريعة العديد من الكتب في هذا الموضوع, ومن أشهرها كتاب ((تحفة المودود بأحكام المولود)) للإمام ابن القيم رحمة الله عليه.
وقد كشف العلم الحديث عن فوائد تحنيك المولود, وأثبت أن له دوراً وقائياً وعلاجياً للمولود, وسنعرض في هذا البحث لشيء من هذه الفوائد في ضوء الاكتشافات العلمية الحديثة, ولكن بعد بيان شيء من الأحاديث الواردة في ذلك.
الأحاديث الواردة في تحنيك المولود:
يظهر اهتمام الدين الإسلامي بتحنيك المولود من خلال الروايات المتعددة التي تذكر حرص النبي r على تحنيك حديثي الولادة, حتى أصبح ذلك سنة ثابتة عنه r, فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم, فأتي بصبي فبال عليه فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله"(1), وفي رواية البخاري: "أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع صبياً في حجره يحنكه فبال عليه فدعا بماء فأتبعه"(2) .
وعن أسماء رضي الله عنها: أنها حملت بعبد الله بن الزبير, قالت: فخرجت وأنا متم, فأتيت المدينة فنزلت بقباء فولدته بقباء, ثم أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره, ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه, فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حنكه بتمرة ثم دعا له وبرك عليه وكان أول مولود في الإسلام(3).
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم, فحنكه بتمرة ودعا له بالبركة ودفعه إليّ(4).
وعن أنس رضي الله عنه قال: لما ولدت أم سليم قالت لي: يا أنس انظر هذا الغلام فلا يصيبنّ شيئاً حتى تغدو به إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحنكه, فغدوت به فإذا هو في حائط وعليه خميصة حريثية وهو يسم الظهر الذي قدم عليه في الفتح(5).
وفي رواية أخرى عنه أنه قال: ذهبت بعبد الله بن أبي طلحة الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد, ورسول الله صلى الله عليه وسلم في عباءة يهنأ بعيراً له فقال: "هل معك تمر" فقلت: نعم, فناولته تمرات فألقاهن في فيه فلاكهن ثم فغر فا الصبي فمجه في فيه, فجعل الصبي يتلمظه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حب الأنصار التمر", وسماه عبد الله(6).
يقول صاحب اللسان: «الحَنَكُ من الإنسان والدابة باطن أَعلى الفم من داخل, والتَّحْنِيك أَن تمضغ التمر ثم تدلُكه بحَنَك الصبي داخل فمه, يقال منه حَنَكْتُه وحَنَّكْتُه فهو مَحْنوك ومُحَنَّك»(7).
وقال النووي: «اتفق العلماء على استحباب تحنيك المولود عند ولادته بتمر, فإن تعذر فما في معناه وقريب منه من الحلو, فيمضغ المحنك التمر حتى تصير مائعة بحيث تبتلع ثم يفتح فم المولود ويضعها فيه ليدخل شيء منها جوفه»(8), ويقول أيضاً في فوائد هذه الأحاديث: «ومنها كون التحنيك بتمر وهو مستحب, ولو حنك بغيره حصل التحنيك ولكن التمر أفضل»(9).
ويقول ابن حجر: «والتحنيك مضغ الشيء ووضعه في فم الصبي ودلك حنكه به, يصنع ذلك بالصبي ليتمرن على الأكل ويقوى عليه, وينبغي عند التحنيك أن يفتح فاه حتى ينزل جوفه, وأولاه التمر فإن لم يتيسر تمر فرطب و إلا فشيء حلو, وعسل النحل أولى من غيره, ثم ما لم تمسه نار كما في نظيره مما يفطر الصائم عليه»(10).
تحنيك المولود في ضوء الاكتشافات العلمية الحديثة:
إن مستوى سكر الجلوكوز في دم الأطفال اليافعين والبالغين يتراوح ما بين 70-120ملليجرام لكل 100ملليلتر من الدم في حالة الصيام, ويرتفع بعد الأكل أو شرب مواد سكرية إلى أقل من 180ملليجرام خلال ساعة, ثم يعود ليهبط لمستواه خلال ساعتين. أما بالنسبة للمولودين حديثاً فإن مستوى السكر في الدم يكون منخفضاً, وكلما كان وزن المولود أقل كلما كان مستوى السكر منخفضاً, وبالتالي فإن مواليد الخداج -وزنهم أقل من 2.5كجم- يكون مستوى السكر لديهم منخفضاً جداً, بحيث يكون في كثير من الأحيان 20 ملليجرام لكل 100 ملليلتر من الدم.
وأما المواليد أكثر من 2.5كجم فإن مستوى السكر في الدم لديهم يكون عادة فوق 30 ملليجرام, ويعتبر هذا المستوى -30 ملليجرام أو أقل عند من يكون وزنهم أكثر من 2.5كجم, أو 20 ملليجرام أو أقل عند المواليد الخداج- هبوطاً شديداً في مستوى سكر الدم, ويؤدي ذلك إلى الأعراض الآتية:
1. أن يرفض المولود الرضاعة.
2. ارتخاء العضلات.
3. توقف متكرر في عملية التنفس وحصول ازرقاق في الجسم.
4. اختلاجات ونوبات من التشنج.
وقد يؤدي ذلك إلى مضاعفات خطيرة مزمنة وهي:
1. تأخر في النمو.
2. تخلف عقلي.
3. شلل دماغي.
4. إصابة السمع أو البصر أو كليهما.
5. نوبات صرع متكررة (تشنجات).
وإذا لم يتم معالجة الحالة في حينها قد تنتهي بالوفاة، رغم أن علاجها سهل وهو إعطاء سكر الجلوكوز مذاباً في الماء إما بالفم إذا كان المولود قادراً على البلع, أو بواسطة الوريد إذا لم يكن قادراً على البلع, مع معالجة الإنتانات والأمراض الأخرى المصاحبة، مع توفير الأكسجين بالحضانات وخاصة لدى مواليد الخداج(11).
وجه الإعجاز:
إن قيام الرسول صلى الله عليه وسلم بتحنيك الأطفال المواليد بالتمر بعد أن يأخذ التمرة في فيه ثم يحنكه بما ذاب من هذه التمرة بريقه الشريف فيه حكمة بالغة, فالتمر يحتوي على السكر (الجلوكوز) بكميات وافرة وخاصة بعد إذابته بالريق الذي يحتوي على أنزيمات خاصة تحول السكر الثنائي (سكروز) إلى سكر أحادي, كما أن الريق ييسر إذابة هذه السكريات وبالتالي يمكن للطفل المولود أن يستفيد منها.
وبما أن معظم أو كل المواليد يحتاجون للسكر (الجلوكوز) بعد ولادتهم مباشرة فإن إعطاء الطفل التمر المذاب يقي الطفل من مضاعفات نقص السكر الخطيرة والتي أشرنا إليها فيما سبق.
إن استحباب تحنيك الطفل بالتمر هو علاج وقائي ذو أهمية بالغة, وهو إعجاز طبي لم تكن البشرية تعرفه وتعرف مخاطر نقص السكر، وإن المولود -وخاصة إذا كان خداجاً- يحتاج دون ريب بعد ولادته مباشرة إلى أن يعطى محلولاً سكرياً, وقد دأبت مستشفيات الولادة والأطفال على إعطاء المولودين محلول الجلوكوز ليرضعه المولود بعد ولادته مباشرة, ثم بعد ذلك تبدأ أمه بإرضاعه.
إن هذه الأحاديث الشريفة المتعلقة بتحنيك الأطفال تفتح آفاقاً مهمة جداً في وقاية الأطفال وخاصة الخداج من أمراض خطيرة جداً بسبب إصابتهم بنقص سكر الجلوكوز في دمائهم, وأيضاً فإن إعطاء المولود مادة سكرية مهضومة جاهزة يوضح إعجازاً طبياً لم يكن معروفاً في زمنه صلى الله عليه وسلم ولا في الأزمنة التي تلته حتى اتضحت الحكمة من ذلك الإجراء في القرن العشرين(12).
إعداد/ عادل الصعدي
مراجعة: علي عمر بلعجم. 23/6/2007م