الحبيب وسط الأزمات
()
( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )
كان رحمة لكل الناس .. رحمة لأصحاب الأمراض .. رحمة للمخطئيين .. رحمة للعصاة ..
رحمة وكان من رحمته أن يعيش مع الأزمات وأصحابها .. يأخذ بيد هذا .. ويعالج هذا ..
ويصبر على هذه .. ينزع فتيل الأزمة حتى لا تنفجر في الجميع ..
فكان على يده نجاة المجتمع بأكلمه من حرب واقفة على الأبواب ..
يعلم () كيف تكون حالة يعاني الإنسان في أزمته فتعامل بكل كيانه معها
يساعد صاحبها ويحنو عليه حتى يخرج مما هو فيه ..
يقول العلامة د .علي جمعة :
" كان () بفطنته ينهي منازع الخلاف بشكل قاطع, مع حماية
المجتمع الإسلامي من آثار الأزمة, بل يعمل على الاستفادة من الموقف الناتج عن الأزمة
في الإصلاح والتطوير, واتخاذ اجراءات الوقاية لمنع تكرار الأزمة أو حدوث أزمات مشابهة لها.
وإنك لتري آثار هذه الحكمة في تلك المعالجات في السيرة النبوية الشريفة قبل البعثة وبعدها " .
وهنا يقول ابن هشام في سيرته :
" أن أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وكان عائذ أسن قريش كلها ؛
قال : يا معشر قريش ، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب
هذا المسجد يقضي بينكم فيه ، ففعلوا . فكان أول داخل عليهم رسول الله ()
فلما رأوه قالوا : هذا الأمين ، رضينا ، هذا محمد ؛ فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر
قال (): هلم إلي ثوبا ، فأُتي به ، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده .
ثم قال : لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ، ثم ارفعوه جميعا ، ففعلوا :
حتى إذا بلغوا به موضعه ، وضعه هو بيده ، ثم بنى عليه " ..
ويعلق فضيلة العلامة د . علي جمعة على ذلك :-
" وبهذا التفكير السليم والرأي الصائب حسم () الخلاف بين قبائل مكة,
وأرضاهم جميعا, وجنب بلده وقومه حربا ضروسا شحذت كل قبيلة فيها أسنتها "
وكم شعر النبي () بأصحاب الأزمات وعاش معهم معاناتهم
بل وبذل وسعه في اخراجهم من أزماتهم ، وعلى سبيل المثال:
يقول د .راغب السرجاني :
" ومن أهم الأزمات التي لا بد لكل بشر أن يقع فيها أزمة المرض " .. ويقول :
" كان الرسول () إذا سمع بمريض أسرع لعيادته في بيته،
مع كثرة همومه ومشاغله، ولم تكن زيارته هذه مُتكلَفة أو اضطرارية،
إنما كان يشعر بواجبه ناحية هذا المريض.. كيف لا، وهو الذي جعل
زيارة المريض حقًّا من حقوقه ؟!... قال رسول الله () :
"حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ،
وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ"
متفق عليه .
فلما قضى بوله أمَرَ النبي () بذنوب من ماء فأُهْرِيق عليه .
لقد تجاوز النبى () أزمة كادت أن تراق فيه دماء ،
ولكنه () علم الرجل أمر دينه بكل رفق ولين ..
لقد أبعد عليه () الحاجز الضبابي عن عين المخطئ :
المخطئ أحياناً لا يشعر أنه مخطئ ، وإذا كان بهذه الحالة وتلك الصفة فمن الصعب
أن توجه له لوماً مباشراً وعتاباً قاسياً ، وهو يرى أنه مصيب. إذن لابد أن يشعر
أنه مخطئ أولاً حتى يبحث هو عن الصواب؛ لذا لابد أن نزيل الغشاوة عن عينه
ليبصر الخطأ، وعندما نعرف كيف يفكر الآخرون ، ومن أي قاعدة ينطلقون ،
فنحن بذلك قد عثرنا على نصف الحل . حاول أن تضع نفسك موضع المخطئ ،
وفـكــــر من وجهة نظره هو ، وفكر في الخيارات الممكنة التي يمكن أن يتقبلها ،
فاختر له ما يناسبه "