إعجاز العلمي للقرآن الكريم في السمع والبصر والفؤاد
بقلم: أ.د. صادق بن شايف الهلالي
قال الله تعالى:{...إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء:36).
ذكرت كلمة (السمع ومشتقاتها وتصاريفها في القرآن الكريم 185 مرة بينما وردت فيه كلمة (البصر) ومشتقاتها وتصاريفها 148 مرة
وحيثما وردت كلمة السمع في القرآن الكريم عنت دائماً سماع الكلام والأصوات وإدراك ما تنقله من معلومات
بينما لم تعن كلمة البصر رؤية الضوء والأجسام والصور بالعينين إلا في 88 حالة فقط، إذ إنها دلت في باقي المرات على التبصير العقلي والفكري بظواهر الكون والحياة أو بما يتلقاه المرء ويسمعه من آيات وأقوال.
وقد ترافقت كلمتا (السمع) و (البصر) في 38 آية كريمة.
كما قال تعالى { ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُون} (9) السجدة
{ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ } (78) المؤمنون
{ ....وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْء...ٍ} (الأحقاف:26)
(والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) النحل: 78
(قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون) الملك: 23
(أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون). يونس:31
(ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) هود:20
(إنا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً)الإنسان: 2
وقد وردت كلمة (الصمم) مترافقة مع كلمة (العمى) في ثمان آيات سبقت في معظمها كلمة (الصمم) كلمة (العمى) كما في قوله تعالى:
(أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) محمد: 23
(صم بكم عمي فهم لا يعقلون) البقرة: 171
(صم بكم عمي فهم لا يرجعون) البقرة: 18
(والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعمياناً). الفرقان:73
ومن الملاحظ في هذه الآيات الكونية أن كلمة السمع قد سبقت البصر وبلا استثناء، فلا بد وأن نتساءل هل لهذا السبق من دلالة خاصة؟
قد تبدو الإجابة عن هذا السؤال وللوهلة الأولى وعلى ضوء المعلومات الأولية التي نعرفها عن هذين الحسين صعبة وعسيرة الفهم
فمن المعلوم فيزيولوجيا أن العصب البصر الواحد يحتوى على أكثر من مليون ليف عصبى بينما لا يحتوى العصب السمعى إلا على ثلاثين ألف ليف فقط .
كما أن من المعروف فيزيولوجيا أن ثلثاً عدد الأعصاب الحسية في الجسم هي أعصاب بصرية، ولا يرد إلى الجسم من مجموعة المعلومات الحسية عن طريق الجهاز السمعي أكثر من 12% بينما يرد إلى الجسم عن طريق الجهاز البصري حوالي 70% من مجموع المعلومات الحسية.
إذا لماذا هذا التقديم لحس السمع وإيراده قبل حس البصر فى كل الآيات تقريبا ؟
لابد وأن هناك سببا لم نعرفه بعد, ولكننا لو تبصرنا فى الحقائق العلمية التى عرفت حديثا فى علوم الأجنة والتشريح والفيزولوجى والطب لتمكنا من إيجاد الأجوبة ولأتضح لنا الإعجاز العلمى فى هذه الآيات الكريمة
الحقائق العلمية
1- التطور الجنينى للأذن والعين
تتطور آلتا حسى السمع والبصر فى وقت متزامن تقريبا فى الحياة الجنينية الأولى, إذ تظهر الصفيحة السمعية فى أوائل الأسبوع الرابع (otic placode ) ,وهى أول مكونات آلة السمع بينما يظهر الأخدود البصرى (optic sulci )فى أول الإسبوع الرابع من حياة الجنين فى اليوم الثانى والعشرين وتتطور الأذن الداخلية للجنين من هذه الصفيحة السمعية .
فيظهر فى الإسبوع الرابع الكيس الغشائى لحلزون الأذن (Membraneous cochlea )الذى ينمو طوليا ويلتف لفتين ونصف مكونا الحلزون الكامل فى الإسبوع الثامن, ثم تتم إحاطة الحلزون بغلاف غضروف فى الإسبوع الثامن عشر, وينمو هذا حتى يصل حجمه إلى الحجم الطبيعى له عند البالغين فى نهاية الإسبوع الثامن عشر, ويتم تعظم الغلاف الغضروفى فى الإسبوع
الواحد والعشرين عندما ينمو فيه ( عضو كورتى) : وهو عضو حس السمع, وتظهر فيه الخلايا الشعرية
الحسية التى تحاط بنهايات العصب السمعى. وبذا تكون الأذن الداخلية قد نمت ونضجت لتصل إلى حجمها الطبيعى عند البالغين, وأصبحت جاهزة للقيام بوظيفة السمع المخصصة لها فى الشهر الخامس من عمر الجنين .
وكما سنرى أن هذا القسم من الأذن يتكمن منفردا من التحسس للأصوات ونقل إشاراتها إلى الدماغ لإدراكها دون آية ضرورة لمساهمة الأذنين الوسطى والخارجية فى هذه العلمية, وتتطور الأذن الخارجية من الأديم الظاهر والأذن الوسطى من الأديم المتوسط, فتتولد عظيمات وعضلات الأذن الوسطى وبوق أوستاكى وغشاء الطلبة والصماخ السمعى الخارجى خلال الاسابيع (10- 20 ) ثم يتم إتصالهما بالأذن الداخلية فى الإسبوع الحادى والعشرين .
كما يتضح شكل صيوان الاذن فى بداية الشهر الخامس ويتكامل نموه فى الإسبوع الثانى والثلاثين
أما العين فلا يتم تكامل طبقتها الشبكة الحساسة للضوء إلا بعد الإسبوع الخامس والعشرين ولا تتغطى ألياف العصب البصرى بالطبقة النخاعية لتتكمن من نقل الإشارات العصبية البصرية بكفاءة إلابعد عشرة أسابيع من ولادة الجنين, كما يبقى جفنا عينى الجنين مغلقين حتى الإسبوع السادس والعشرين من الحياة الجنينية يتضح مما تقدم أن الأذن الداخلية للجنين تنضج وتصبح قادرة على السمع فى الشهر الخامس, بينما لا تفتح العين ولا تتطور طبقتها الحساسة للضوء إلا فى الشهر السابع وحتى عند ذاك لن يكون العصب البصرى مكتملا لينقل الإشارات العصبية الضوئية بكفاءة, ولن تبصر العين لأنها غارقة فى ظلمات ثلاث .
2 – السمع والبصر
لقد ثبت علميا أن الأذن الداخلية للجنين تتحسس للأصوات فى الشهر الخامس, ويسمع الجنين أصوات حركات أمعاء وقلب أمه, وتتولد نتيجة هذا السمع إشارات عصبية سمعية فى الأذن الداخلية والعصب السمعى والمنطقة السمعية فى المخ, يمكن تسجيلها بآلات التسجيل المختبرية, وهذا برهان
علمى يثبت سماع الجنين للأصوات فى هذه المرحلة المبكرة من عمره .ولم تسجل مثل هذه
الإشارات العصبية فى الجهاز البصرى للجنين إلا بعد ولادته كما أن من المهم أن نعرف الأصوات تصل الأذن الداخلية عادة عن طريقين :
الطريق الأول: هو طريق الأذن الخارجية ثم الوسطى والمملوءتان بالهواء في الإنسان الطبيعي.
اً.
الطريق الثاني:هو طريق عظام الجمجمة. فالاهتزازات الصوتية تنتقل بالطريقة الأولى بواسطة الهواء، وتنتقل بالطريقة الثانية بواسطة عظام الجمجمة وهي ناقلة جيدة للأصوات، ولكن الأذن الخارجية للجنين مملوءة ببعض الألياف وبسائل السلى، ولكن السوائل هي الأخرى ناقلة جيدة للأصوات فعند غمر رؤوسنا بالماء عند السباحة نتمكن من سماع الأصوات جيداً
3ـ اكتمال حاستي السمع والبصر
يمكن للجنين أن يسمع الأصوات بالطريقة الطبيعية بعد بضعة أيام من ولادته بعد أن تمتص كل السوائل وفضلات الأنسجة المتبقية في أذنه الوسطى والمحيطة بعظيماتها ثم يصبح السمع حاداً بعد أيام قلائل من ولادة الطفل.
ومن الملاحظ أن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يبدأ بسماع الأصوات وهو في رحم أمه، فجميع الحيوانات لا تبدأ بسماع الأصوات إلا بعد ولادتها بفترة،
وفيما يلي بعض الأمثلة التي توضح ذلك.
فالإنسان يسمع الأصوات قبل ولادته بأكثر من 16 أسبوعاً.
وخنزير غينيا (قبيعة) بعد ولادته بحوالي 5 ـ 6 أيام.
والأرنب يسمعها بعد ولادته بـ 7 أيام. والكلب يسمعها بعد ولادته بـ 10 أيام.
أما حاسة البصر فهي ضعيفة جداً عند الولاة إذ تكاد أن تكون معدومة، ويصعب على الوليد تمييز الضوء من الظلام، ولا يرى إلا صوراً مشوشة للمرئيات، وتتحرك عيناه دون أن يتمكن من تركيز بصره وتثبيته على الجسم المنظور
ولكنه يبدأ في الشهر الثالث أو الرابع تمييز شكل أمة أو قنينه حليبه وتتبع حركاتهما
وعند الشهر السادس يتمكن من تفريق وجوه الأشخاص، إلا أن الوليد في هذا السن يكون بعيد البصر، ثم يستمر بصره على النمو والتطور حتى السنة العاشرة من عمره