إن من درر القول وجميل الكلام ما قال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- حتى تعلموا أن القضية
قضية قلبية قبل أن تكون قضية مسلكية قال -رحمه الله- : (إن في القلوب وحشة لا يزيلها إلا الأُنس
بالله ، وفي القلوب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله ، وفي القلوب نيران حسرة لا يطفئها إلا الرضا
بأمر الله وقدره و قضائه ، والتزام الصبر على ذلك إلى يوم لقائه)
هذه القواعد التي ذكرها الإمام ابن القيم -رحمه الله
إنما استنبطها من كتاب الله وسنة نبيه -- ، فالقلوب كما قال فيها من نيران
الحسرة تريد أن ترى تريد أن تروى ظمأها فيها من الشعث تتمنى أن تجتمع فيها من الحسرة على
فوات المطلوب وعلى ذهاب المرغوب ، فيها من الوحشة تريد أن تقر أعينها وتحاول هنا وهناك ،
يجلس الرجل يجلس الشاب تجلس الفتاة الساعات الطوال أمام القنوات تقلبها من قناة إلى قناة
ومن عرض إلى آخر فيرى وترى مرارا وتكرارا لكنه لا يشعر بان روحه قد ملئت وان قلبه قد اطمأن
فيزداد ويزداد والزيادة في الشيء دليل على عدم الوصول إلى النهاية
قال صلى الله عليه وسلم
((وَلاَ يَمْلأُ فَمُ ابنِ آدم إلا التُّرَابُ))
لكن المقبل على الله -جل وعلا- ما إن يضع جبهته على
الأرض ويمكنها من التراب ، ويضع يديه ، وقدماه تنتصب ثم يدخل في التسبيح (سبحان ربي
الأعلى) ، ثم يأخذ في الحمد لله -تبارك وتعالى- ويثني على الله -جل وعلا- بما هو أهله ويتذكر انه
عبد لله وان الله -تبارك وتعالى- ولي نعمته وملاذه عند كربته ، ويأخذ يدعو ويناجي ويستغفر ربه إلا
ويشعر بالسكينة والطمأنينة والرضا ما لو دفع إليه مال الدنيا لم يقبل به ثمناً ، فينبغي على
المؤمن أن يسعى أول الأمر وآخره في إصلاح قلبه ،قال الله -جل وعلا- وانه من درر القول
﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ﴾[الحج : 37]
وهذه القلوب أعظم أسباب أن تفيء إلى ربها -جل وعلا- أن تكون عارفة بالله
فان العبد كلما كان بالله أعرف كان من الله -تبارك وتعالى-
أخوف فاقرأوا القرآن كثيراً ، قفوا عند الآيات التي يعظم الله -جل وعلا- فيها ذاته العلية ويرشد فيها
إلى ما له -تبارك وتعالى- من جلال الصفات وكمال النعوت قفوا عند الآيات التي فيها من توحيد
الربوبية ما فيها
يقول -سبحانه وتعالى
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً﴾[الفرقان: 62]
ويقول –سبحانه-
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ
جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ
سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
طَهُوراً لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا
فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ
جِهَاداً كَبِيراً وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً
مَّحْجُوراً وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً﴾[الفرقان: 45-54] ،
فلما عدد آلاءه ذكر أصول الناس ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ
ظَهِيراً﴾[الفرقان : 55] ، إلى أن قال -سبحانه وجل- ذكره: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً قُلْ مَا
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾[الفرقان: 56-57]
ثم لما علم الناس من ربهم أرشدهم إلى أمرين أن يعبدوه ويتوكلوا عليه ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ
بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً﴾ [الفرقان: 58] ،
فهذا ربكم يُعَرِّفُ بذاته العلية في قرآنه ، إذاوقف المؤمن عند هذه الآيات
وهي كثيرة في القرآن عندما تقوم الليل رددها بعد مرة اعد قراءتها
الفينة بعد الفينة ولو تنظر في المصحف حتى يقع في قلبك أن لا اله إلا الله حقاً ، فتخرج من مكانك
وتقوم من مقامك وليس هناك احد أحب إليك من الله -جل وعلا- فإذا خَرجتَ إلى أهل الدنيا علمتَ
أن ما عند الله -تبارك وتعالى- خير وأبقى من عند أهل الدنيا تسمع كلمة الضر فلا تلقي لها بالا ،
وتسمع كلمات النفع فلا تتعلق بها لأنك تعلم أن لا اله إلا الله حقاً .
وآخيرآآآ
عش ڪل لحظہْ بحياتڪ
وڪأنها آخر لحظہْ تلفظ فيها أنفاسڪ
قآل المصطفىْ صلى الله عليهِ و اله و سلّم
" ڪن في الدنيا ڪأنك غريب ، أو عابر سبيل "
وتذڪر أن مفتاح أي سعادة في الدنيا
برضى الله سبحانه وتعالى
سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
ودمتم بحفظ الله