الشباب هم عدة الأمة وعتادها ، وذخرها وذخيرتها ، والساعد الفتي الذي تستند عليه الأمم والأوطان ، والجدار القوي الذي تستتر خلفه لتتمكن من النهوض ، وإكمال مسيرة الخير والنماء والعطاء .
وهم آمال الأوطان ، وزينة الأزمان ، ومنبع الأمان .
عندما يجد الإنسان نفسه ماراً في الطريق ، أو يتجول في الأسواق بين الناس بمختلف فئاتهم - خاصة وعامة ، رفيع ووضيع - ويجيل النظر في ذلك الخضم والعالم الغامض ، فإنه يتبادر إلى ذهنه التساؤلات الفضولية ، التي يطرحها داخل أعماقه ، ويتمنى أن يجد لها إجابات . هذا عندما يكون في مجتمع لا يعرف حقيقته ويجهل طرقه ، وتزداد أسراره غموضاً .
أما إذا كان لديه علم بمن حوله ، ويعرف ماهم عليه من طبائع ، واتجاهات فالأمر واضح وهذا له انطباع آخر تجاهه ...
عندما يتأمل المرء في واقعنا المعاصر ، ويرى الأحداث المتسارعة ، والتغيرات الهائلة ، والاختلاف الكبير يدرك حجم الأخطار ، ويستشعر الفتن ، ويتبادر إلى ذهنه مباشرة قول الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - في حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - الذي وعظ فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس حتى ذرفت عيونهم والتي قال فيها ... عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجد ... إلى أن قال فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ... أو كما قال عليه الصلاة والسلام .
وكأنه يشير إلى عالمنا اليوم وعصرنا هذا ، - فقد أوتي جوامع الكلم - نعم نحن نرى ذلك الاختلاف الكبير بجميع أشكاله وألوانه ، اختلاف في طريقة الحياة كلها ، وقفزتها الهائلة إلى أن وصلت إلى ما هي عليه من أسباب الراحة والتقدم والرقي .
الاختلاف الكبير حتى في طريقة تفكير الناس ، وأساليب عيشهم . ثم إن هذا الحديث يشير بشكل كبير إلى الاختلاف الأكبر والأهم الذي من أجله نشأت الحرب بين الخير والشر وازداد الصراع بين الأديان والأفكار .
ألا وهو الاختلاف العقائدي : نعم العقائدي ، فمالبثت الأمة بعد أن لحق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى سوى ثلاثين عاماً تقريباً ، حتى دب الخلاف بين الأمة ، وتزعزع حبل الأمن ، وتفرقت الأمة ، بدءً من مقتل عثمان بن عفان - رضي الله عنه - إلى أن أودت الفتنة نفسها بحياة علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - ومن هنا بدأت الفرقة ، وازدادت الغربة ، وادلهم الظلام ، وتناوبت الخطوب . وتفرقت الأمة فرقاً وجماعات ، وطوائف متناحرة ، وكأنما الجاهلية قد عادت من جديد في ثوب جديد . مصداقاً لقوله - صلى الله عليه وسلم - افترقت النصارى على إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت اليهود على ثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ... كلها في النار إلى واحدة ...( معناه ) وأشار إلى أهل السنة والجماعة بالفرقة الناجية . وهاهو الخلاف لا زال قائماً ، وهوته تزداد عمقاً ، وظلامه يزداد إعتاماً ، ووحشته تزداد خوفاً .
وتسنح الفرصة لينقض الذئب على القاصية من الغنم ، ليفترسها جزاء ابتعادها عن القطيع ، وأمناً من بطشت الراعي .
فواحسرة على الشباب عندما يتجمد تفكيرهم ، وتتصلب أفكارهم ، ويتعصبون لآرائهم ، ولا يبحثون عن الحقائق ، ولا يجلسون للعرض ، والنقاش ، واستماع القول واتباع أحسنه . وواأسفاً عندما تتخلل الشياطين كالخذاريف تلك الفرج ، وتزيد من اتساعها بالوسوسة والتدليس ، وطمس الحقائق ، وتبث الفرقة ، والوحشة بين أبناء الجنس الواحد ، وما أكثر تلك الشياطين اليوم ، وما أكبر خطرها ، وما أشد فتكها .
والشباب هم من ينظر إليهم الأعداء شزراً ، وهم أو ل من يوجه إليه الضربات القاتلة التي لاتي تصيب منه مقتلاً له ولدينه وأمته ، بواسائله وحبائله التي لا تحتاج لذكر فقد باتت جلية واضحة لذي عينين وبصيرة .
المرء يتحسر ويتقطع قلبه لوعة وحسرة على أخيه المسلم الذي قد استهوته الشياطين ، وبدت الفكرة مقنعة له ، عندما يعرف أنه قد اختلف عنه معتقداً ، وسلك طريقاً سيؤدي به إلى الهاوية ، وأفلت من يده حبل الله الذي أمرنا الله تعالى بالتمسك به حيث قال تعالى : ( واعتصموا بحبل جميعاً ولا تفرقوا ... الآية ) . وعاد لمابعد الألفة التي ذكرها الله تعالى بقوله : ( واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً ... الآية ) تلك هي نعمة الإسلام ، والألفة ، والأخوة في الله تعالى . فعاد لما بعدها ، وزين له الشيطان عمله - ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً - لأن التعصب للرأي والفكرة قد ران على القلوب ، واتباع ما كان يعمل الأباء والأجداد ، صارت عقيدة ومنهاجاً يستميت دفاعاً عنه .
فلماذا هذه الفرقة ؟ ولماذا لا نجلس جميعاً نتحدث ونتناقش ، ونستمع للأقوال ونسبر غورها ، ونتذوق معانيها ، ثم ننقحها ثم نأخذ أحسنها ، ونترك ما دون ذلك .
لماذا لا نقرأ المصادر والكتب بإنصاف وبهدف البحث عن الحقائق ثم نقارنها مع ما عندنا من معارف ومصادر مقارنة صادقة منصفة ، وننظر - أيهما أزكى طعاماً - ، وأوضح مسلكاً - وأحسن ندياً - ثم نتبع ما وقر منها في قلوبنا ونتشبث به فإنه هو الحق - والبر حسن الخلق ، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس - فإذا رأيت أنني أتخفى من الناس بشيء كراهية أن يطلعوا عليه فهو إثم لا محالة .
* نحن في زمن - اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون - الأخطار تحدق بأمتنا من كل مكان ، وقد تداعت علينا الأمم - كما تتداعى الأكلة على قصعتها - وما ذلك إلا لأن الله قد أذهب الخوف منا من قلوب الكفار والأعداء ، جزاء تفرقنا واختلافنا على بعضنا ، وتشتتنا شيعاً وأحزاباً يفتق بعضنا ببعض ، اختلفت مذاهبنا ، ومعتقداتنا ، وحدنا عن الجادة والمحجة البيضاء التي تركنا عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - فزغنا فهلكنا .
نداء لأبناء الأمة من الشباب والشيوخ ، والرجال ، والنساء ، بكل شرائحها ، بأن نعود للحق ، نستمع إلى صوت الحق وعدالة المنطق ، لنبذ الخلافات ، وتوحيد الصف ، وسلامة المعتقد ، لنقف في وجه التحديات ، ونعيد للأمة مجدها وهيبتها ...
منقول 000000000000000000000000000