للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 121
" أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 189 :
وهو من حديث # ابن عباس # ولفظه : " أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف بالسمن والعسل , فأرى الناس يتكففون منها , فالمستكثر والمستقل , وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء , فأراك أخذت به فعلوت , ثم أخذ به رجل آخر فعلا به , ثم أخذه رجل آخر فعلا به , ثم أخذه رجل فانقطع , ثم وصل , فقال أبو بكر : يا رسول الله بأبي أنت والله لتدعني فأعبرها , فقال النبي صلى الله عليه وسلم له : أعبرها , قال : أما الظلة فالإسلام , وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن حلاوته تنطف , فالمستكثر من القرآن والمستقل , وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به , فيعليك الله , ثم يأخذ به رجل , فيعلو به , ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به , ثم يأخذ به رجل فينقطع به , ثم يوصل له فيعلو به , فأخبرني يا رسول الله - بأبي أنت - أصبت أم أخطأت , قال النبي صلى الله عليه وسلم : أصبت بعضاً , وأخطأت بعضاً , قال فوالله لتحدثني بالذي أخطأت , قال : لا تقسم " .
وأخرجه مسلم أيضاً ( 7 / 55 - 56 ) وأبو داود ( 3268 , 4632 ) والترمذي ( 2 / 47 ) والدارمي ( 2 / 128 ) وابن ماجه ( 3918 ) وابن أبي شيبة في " المصنف " ( 12 / 190 / 2 ) وأحمد ( 1 / 236 ) كلهم عن ابن عباس , إلا أن بعضهم جعله من روايته عن أبي هريرة , ورجح الإمام البخاري الأول , وهو أنه عن ابن عباس , ليس لأبي هريرة فيه ذكر .
وتبعه على ذلك الحافظ ابن حجر في " الفتح " والله أعلم .
غريب الحديث :
( ظلة ) أي سحابة لها ظل , وكل ما أظل من سقيفة ونحوها يسمى ظلة .
( تنطف ) أي تقطر , والنطف القطر .
( يتكففون ) أي يأخذون بأكفهم .
( سبب ) أي حبل .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 122
" والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الإنس ويكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله ويخبره فخذه بما حدث أهله بعده " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 190 :
رواه الإمام أحمد ( 3 / 83 - 84 ) : حدثنا يزيد أنبأنا القاسم بن الفضل الحدائي عن أبي نضرة عن # أبي سعيد الخدري # قال : " عدا الذئب على شاة , فأخذها , فطلبه الراعي , فانتزعها منه , فأقعى الذئب على ذنبه , قال : ألا تتقي الله تنزع مني رزقاً ساقه الله إلي , فقال : يا عجبي ذئب مقع على ذنبه يكلمني كلام الإنس ! فقال الذئب : ألا أخبرك بأعجب من ذلك ? محمد صلى الله عليه وسلم بيثرب , يخبر الناس بأنباء ما قد سبق ! قال : فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة , فزواها إلى زاوية من زواياها , ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره , فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودي بالصلاة جامعة , ثم خرج , فقال للراعي : أخبرهم , فأخبرهم , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدق , والذي نفسي بيده " . الحديث .
قلت : وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير القاسم هذا وهو ثقة اتفاقاً , وأخرج له مسلم في المقدمة .
والحديث أخرجه ابن حبان ( 2109 ) والحاكم مفرقاً ( 4 / 467 , 467 - 468 ) وقال : " صحيح على شرط مسلم " ! ووافقه الذهبي !
وأخرج الترمذي منه قوله : " والذي نفسي بيده ... " وقال : " حديث حسن , لا نعرفه إلا من حديث القاسم بن الفضل وهو ثقة مأمون " .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 123
" ما أنتم بجزء من مائة ألف جزء ممن يرد علي الحوض من أمتي " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 191 :
أخرجه أبو داود ( 5746 ) والحاكم ( 1 / 76 ) وصححه وأحمد ( 4 / 367 , 369 , 371 , 372 ) من طريق شعبة عن عمرو بن مرة قال : سمعت أبا حمزة أنه سمع # زيد بن أرقم # قال : " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر , فنزلنا منزلاً فسمعته يقول : ( فذكره ) , قال : كم كنتم يومئذ ? قال : سبعمائة أو ثمانمائة " .
قلت : وهذا سند صحيح رجاله رجال الشيخين غير أبي حمزة واسمه طلحة بن يزيد الأنصاري فمن رجال البخاري , ووثقه ابن حبان والنسائي .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 124
" الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 192 :
أخرجه الإمام الطحاوي في " مشكل الآثار " ( 1 / 66 - 67 ) حدثنا محمد بن خزيمة : حدثنا معلى بن أسد العمي حدثنا عبد العزيز بن المختار عن عبد الله الداناج قال : " شهدت أبا سلمة بن عبد الرحمن جلس في مسجد في زمن خالد بن عبد الله بن خالد ابن أسيد , قال : فجاء الحسن فجلس إليه فتحدثنا , فقال أبو سلمة : حدثنا # أبو هريرة # عن النبي صلى الله عليه وسلم قال . ( فذكره ) . فقال الحسن : ما ذنبهما ?! فقال : إنما أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت الحسن .
ورواه البيهقي في كتاب " البعث والنشور " , وكذا البزار والإسماعيلي والخطابي كلهم من طريق يونس بن محمد حدثنا عبد العزيز بن المختار به .
قلت : وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري , وقد أخرجه في صحيحه مختصراً فقال ( 2 / 304 - 305 ) : حدثنا مسدد قال : حدثنا عبد العزيز بن المختار به بلفظ : " الشمس و القمر مكوران يوم القيامة " .
وليس عنده قصة أبي سلمة مع الحسن , وهي صحيحة , وقد وقع للخطيب التبريزي وهم في إسناد هذا الحديث والقصة , حيث جعل الحديث من تحديث الحسن عن أبي هريرة , والمناقشة بينهما , وقد نبهت عليه في تعليقي على كتابه " مشكاة المصابيح " رقم ( 5692 ) .
وللحديث شاهد , فقال الطيالسي في " مسنده " ( 2103 ) : حدثنا درست عن يزيد ابن أبان الرقاشي عن أنس رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ : " إن الشمس والقمر ثوران عقيران في النار " .
وهذا إسناد ضعيف من أجل الرقاشي فإنه ضعيف , ومثله درست ولكنه قد توبع ومن هذه الطريق أخرجه الطحاوي وأبو يعلى ( 3 / 17 / 10 ) وابن عدي ( 129 / 2 ) وأبو الشيخ في " العظمة " كما في " اللآلي المصنوعة " ( 1 / 82 ) وابن مردويه كما في " الجامع الصغير " وزاد : " وإن شاء أخرجهما . وإن شاء تركهما " .
وأما المتابعة المشار إليها , فقال أبو الشيخ : حدثنا أبو معشر الدارمي حدثنا هدبة حدثنا حماد بن سلمة عن يزيد الرقاشي به .
قال السيوطي : وهذه متابعة جليلة . وهو كما قال , والسند رجاله ثقات كما قال ابن عراق في " تنزيه الشريعة " ( 1 / 190 الطبعة الأولى ) , يعني من دون الرقاشي وإلا فهو ضعيف كما عرفت , ولكنه ليس شديد الضعف , فيصلح للاستشهاد به ولذلك فقد أساء ابن الجوزي بإيراده لحديثه في " الموضوعات " ! على أنه قد تناقض , فقد أورده أيضاً في " الواهيات " يعني الأحاديث الواهية غير الموضوعة , وكل ذلك سهو منه عن حديث أبي هريرة هذا الصحيح . والله الموفق .
معنى الحديث :
وليس المراد من الحديث ما تبادر إلى ذهن الحسن البصري أن الشمس والقمر في النار يعذبان فيها عقوبة لهما , كلا فإن الله عز و جل لا يعذب من أطاعه من خلقه ومن ذلك الشمس والقمر كما يشير إليه قول الله تبارك وتعالى ( ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض , والشمس والقمر , والنجوم والجبال والشجر والدواب , وكثير من الناس , وكثير حق عليه العذاب ) .
فأخبر تعالى أن عذابه إنما يحق على غير من كان يسجد له تعالى في الدنيا , كما قال الطحاوي , وعليه فإلقاؤهما في النار يحتمل أمرين :
الأول : أنهما من وقود النار .
قال الإسماعيلي : " لا يلزم من جعلهما في النار تعذيبهما , فإن لله في النار ملائكة وحجارة وغيرها لتكون لأهل النار عذاباً وآلة من آلات العذاب , وما شاء الله من ذلك فلا تكون هي معذبة " .
والثاني : أنهما يلقيان فيها تبكيتاً لعبادهما .
قال الخطابي : " ليس المراد بكونهما في النار تعذيبهما بذلك , ولكنه تبكيت لمن كان يعبدهما في الدنيا ليعلموا أن عبادتهم لهما كانت باطلاً " .
قلت : وهذا هو الأقرب إلى لفظ الحديث ويؤيده أن في حديث أنس عند أبي يعلى - كما في " الفتح " ( 6 / 214 ) : " ليراهما من عبدهما " . ولم أرها في " مسنده " والله تعالى أعلم .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 125
" من سره أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض وقد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 195 :
أخرجه ابن سعد في " الطبقات " ( 3 / 1 / 155 ) أخبرنا سعيد بن منصور قال : أنبأنا صالح بن موسى عن معاوية بن إسحاق عن عائشة بنت طلحة عن # عائشة # قالت : " إني لفي بيتي , ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالفناء , وبيني وبينهم الستر , أقبل طلحة بن عبيد الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكره .
وكذا رواه أبو يعلى في " مسنده " ( ق 232 / 1 ) وأبو نعيم في " الحلية " ( 1 / 88 ) من طريق أخرى عن صالح بن موسى به . ورواه أيضاً الطبراني في " الأوسط " كما في " المجمع " ( 9 / 148 ) وقال : " وفيه صالح بن موسى وهو متروك " .
قلت : ولم ينفرد به , فقد رواه إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمه موسى بن طلحة قال : " بينما عائشة بنت طلحة تقول لأمها أم كلثوم بنت أبي بكر : أبي خير من أبيك , فقالت عائشة أم المؤمنين : ألا أقضي بينكما ? إن أبا بكر دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا أبا بكر أنت عتيق الله من النار , قالت : فمن يومئذ سمي عتيقاً , ودخل طلحة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " أنت يا طلحة ممن قضى نحبه " .
أخرجه الحاكم ( 2 / 415 / 416 ) وقال : " صحيح الإسناد " .
وتعقبه الذهبي بقوله : " قلت : بل إسحاق متروك , قاله أحمد " .
قلت : ومع ضعفه الشديد , فقد اضطرب في إسناده , فرواه مرة هكذا , ومرة قال : عن موسى بن طلحة قال : " دخلت على معاوية , فقال : ألا أبشرك ? قلت : بلى قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " طلحة ممن قضى نحبه " .
أخرجه ابن سعد ( 3 / 1 / 155 - 156 ) والترمذي ( 2 / 219 , 302 ) وقال : " حديث غريب , لا نعرفه إلا من هذا الوجه , وإنما روي عن موسى بن طلحة عن أبيه " .
قلت : ثم ساقه هو وأبو يعلى ( ق 45 / 1 ) والضياء في " المختارة " ( 1 / 278 ) من طريق طلحة بن يحيى عن موسى وعيسى ابني طلحة عن أبيهما طلحة أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابي جاهل : سله عمن قضى نحبه من هو ? وكانوا لا يجترؤون على مسألته , يوقرونه ويهابونه , فسأله الأعرابي , فأعرض عنه , ثم سأله فأعرض عنه , ثم إني اطلعت من باب المسجد وعلي ثياب خضر , فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أين السائل عمن قضى نحبه ? قال : أنا يا رسول الله , قال : هذا ممن قضى نحبه .
وقال : " هذا حديث حسن غريب " .
قلت : وإسناده حسن رجاله ثقات رجال مسلم , غير أن طلحة بن يحيى , تكلم فيه بعضهم من أجل حفظه , وهو مع ذلك لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن . ولم ينفرد بالحديث , فقد أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 1 / 13 / 2 ) عن سليمان بن أيوب حدثني أبي عن جدي عن موسى بن طلحة عن أبيه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآني قال : " من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله " .
قلت : وهذا سند ضعيف سليمان هذا صاحب مناكير , وقال ابن مهدي : " عامة أحاديثه لا يتابع عليها " .
وقال الهيثمي في " المجمع " ( 9 / 149 ) : " رواه الطبراني , وفيه سليمان بن أيوب الطلحي , وقد وثق , وضعفه جماعة , وفيه جماعة لم أعرفهم " .
وللحديث شاهد جيد مرسل بلفظ : " من أراد أن ينظر إلى رجل قد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله " .
أخرجه ابن سعد ( 3 / 1 / 156 ) : أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي قال : حدثنا أبو عوانة عن حصين عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم , فذكره .
قلت : وهذا مرسل صحيح الإسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين .
ثم إن صالح بن موسى الذي في الطريق الأول قد رواه بإسناد آخر ولفظ آخر وهو : " من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله " .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 126
" من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 198 :
أخرجه الترمذي ( 2 / 302 - بولاق ) عن صالح بن موسى الطلحي - من ولد طلحة ابن عبيد الله - عن الصلت بن دينار عن أبي نضرة قال : قال # جابر بن عبد الله # سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره وقال : " حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الصلت , وقد تكلم بعض أهل العلم في الصلت ابن دينار وفي صالح بن موسى من قبل حفظهما " .
قلت : هما بعد التحقيق ضعيفان جداً , غير أن صالح بن موسى لم ينفرد به , وهو ما أشعر به كلام الترمذي نفسه , فقال الطيالسي في " مسنده " ( 1793 ) : حدثنا الصلت بن دينار ( حدثنا ) أبو نضرة به بلفظ : " مر طلحة بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال : شهيد يمشي على وجه الأرض " .
وهكذا رواه ابن ماجه ( 125 ) عن وكيع : حدثنا الصلت الأزدي به .
ورواه الواحدي في " الوسيط " ( 3 / 7 / 121 ) عن الصلت به مثل رواية الترمذي ,
ورواه البغوي في " تفسيره " ( 7 / 528 ) من هذا الوجه بلفظ : " نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طلحة بن عبد الله فقال : من أحب أن ينظر إلى رجل يمشي على وجه الأرض قد قضى نحبه فلينظر إلى هذا " .
وقد عزاه صاحب " مشكاة المصابيح " للترمذي في رواية له , وهو وهم منه رحمه الله .
وبالجملة فالحديث بهذه الطرق والشواهد يرتقي إلى درجة الصحة , وهي وإن اختلفت ألفاظها فالمؤدى واحد كما هو ظاهر وقد ثبته الحافظ في " الفتح " ( 8 / 398 - بولاق ) . والله أعلم .
وفي الحديث إشارة إلى قول الله تبارك وتعالى ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه , فمنهم من قضى نحبه , ومنهم من ينتظر , وما بدلوا تبديلاً ) وفيه منقبة عظيمة لطلحة بن عبيد الله رضي الله عنه , حيث أخبر صلى الله عليه وسلم أنه ممن قضى نحبه مع أنه لا يزال حياً ينتظر الوفاء بما عاهد الله عليه , قال ابن الأثير في " النهاية " : " النحب النذر , كأنه ألزم نفسه أن يصدق أعداء الله في الحرب , فوفى به ,
وقيل : النحب الموت , كأنه يلزم نفسه أن يقاتل حتى يموت " .
وقد قتل رضي الله عنه يوم الجمل . فويل لمن قتله .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 127
" قال الله تعالى : يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي , يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء , ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي , يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً , لأتيتك بقرابها مغفرة " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 200 :
رواه الترمذي ( 2 / 270 ) من طريق كثير بن فائد : حدثنا سعيد ابن عبيد قال : سمعت بكر بن عبد الله المزني يقول : حدثنا # أنس ابن مالك # قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره وقال : " حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه " .
قلت : ورجاله موثقون غير كثير بن فائد , فلم يوثقه غير ابن حبان , وفي " التقريب " أنه مقبول .
قلت : لكن الحديث حسن كما قال الترمذي , فإن له شاهدا من حديث أبي ذر , يرويه شهر بن حوشب عن عمر بن معد يكرب عنه مرفوعاً به مع تقديم وتأخير .
أخرجه الدارمي ( 2 / 322 ) وأحمد ( 5 / 172 ) من طريق غيلان ابن جرير عن شهر به .
وخالفه عبد الحميد - وهو ابن بهرام - فقال : حدثنا شهر حدثني ابن غنم أن أبا ذر حدثه به .
أخرجه أحمد ( 5 / 154 ) وشهر فيه ضعف من قبل حفظه , وإن لم يكن هذا الاختلاف عليه من تردده وسوء حفظه , فالوجه الأول أصح لأن غيلان أوثق من ابن بهرام .
وله شاهد آخر عند الطبراني في " معاجمه " عن ابن عباس , وهو مخرج في " الروض النضير " ( 432 ) .
وله عن أبي ذر طريق أخرى مختصرا بلفظ : " قال الله تبارك و تعالى : الحسنة بعشر أمثالها أو أزيد , والسيئة واحدة أو أغفرها ولو لقيتني بقراب الأرض خطايا ما لم تشرك بي لقيتك بقرابها مغفرة " .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 128
" قال الله تبارك وتعالى : الحسنة بعشر أمثالها أو أزيد والسيئة واحدة أو أغفرها ولو لقيتني بقراب الأرض خطايا ما لم تشرك بي لقيتك بقرابها مغفرة " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 201 :
رواه الحاكم ( 4 / 241 ) وأحمد ( 5 / 108 ) عن عاصم عن المعرور بن سويد أن # أبا ذر # رضي الله عنه قال : " حدثنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال : الحسنة ... " .
وقال : " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي .
قلت : عاصم هو ابن بهدلة وهو حسن الحديث , وبقية الرجال ثقات رجال الشيخين , فالإسناد حسن .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 129
" قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 201 :
رواه مسلم ( 3 / 102 ) والترمذي ( 2 / 56 ) وأحمد ( 2 / 168 ) والبيهقي ( 4 / 196 ) من طريق عبد الله بن يزيد المقرىء حدثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني شرحبيل بن شريك عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن # عبد الله ابن عمرو بن العاصي # مرفوعاً .
وقال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .
ورواه ابن ماجه ( 4138 ) عن ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر , وحميد ابن هانىء الخولاني أنهما سمعا أبا عبد الرحمن الحبلي يخبر عن عبد الله ابن عمرو به نحوه .
وابن لهيعة سيء الحفظ , لكن لا بأس به في المتابعات .
تنبيه :
عزاه السيوطي في " الصغير " و " الكبير " ( 2 / 95 / 1 ) لمسلم ومن ذكرنا معه غير البيهقي فتعقبه المناوي بقوله : " تبع في العزو لما ذكر عبد الحق .
قال في " المنار " : وهذا لم يذكره مسلم وإنما هو عند الترمذي .. " .
قلت : وهذا وهم من صاحب " المنار " ثم المناوي , فالحديث في المكان الذي أشرنا إليه من مسلم : في " كتاب الزكاة " .
وفي الحديث فضل الكفاف والقناعة به , ومثله الحديث الآتي :" اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً " .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 130
" اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 202 :
أخرجه البخاري ( 4 / 222 ) ومسلم ( 3 / 103 , 8 / 217 ) وأحمد ( 2 / 232 ) من طرق عن محمد بن فضيل عن أبيه عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن # أبي هريرة # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
واللفظ لمسلم , وكذا أحمد إلا أنه قال : " بيتي " بدل " محمد " .
ولفظ البخاري : " اللهم ارزق آل محمد قوتاً " .
ويؤيد اللفظ الأول أن الأعمش رواه عن عمارة بن القعقاع به .
أخرجه مسلم والترمذي ( 2 / 57 - بولاق ) وابن ماجه ( 4139 ) والبيهقي ( 7 / 46 ) من طرق عن وكيع : حدثنا الأعمش به .
وقال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .
وأخرجه مسلم من طريق أبي أسامة قال : سمعت الأعمش به إلا أنه قال : " كفافاً " بدل " قوتاً " .
وكذلك رواه القاسم السرقسطي في " غريب الحديث " ( ج 2 / 5 / 2 ) عن حماد ابن أسامة قال : حدثنا الأعمش به إلا أنه قال : " رزقي و رزق آل محمد كفافاً " .
فقد اختلف في متنه على الأعمش , والرواية الأولى التي رواها مسلم أرجح عندي لموافقتها لرواية بعض الرواة عن الأعمش . والله أعلم .
تنبيه :
أورد السيوطي الحديث في " الجامع الصغير " بلفظ مسلم و بزيادة : " في الدنيا " وعزاه لمسلم والترمذي وابن ماجه , وكذلك أورده في " الجامع الكبير " ( 1 / 309 ) من رواية هؤلاء الثلاثة وكذا أحمد وأبي يعلى والبيهقي . ولا أصل لها عند أحد منهم إلا أن تكون عند أبي يعلى , وذلك مما أستبعده , فإن ثبتت عنده فهي زيادة شاذة بلا شك لمخالفتها لرويات الثقات الحفاظ .
والله أعلم .
فائدة الحديث
فيه وفي الذي قبله دليل على فضل الكفاف , وأخذ البلغة من الدنيا والزهد فيما فوق ذلك , رغبة في توفر نعيم الآخرة , وإيثاراً لما يبقى على ما يفنى , فينبغي للأمة أن تقتدي به صلى الله عليه وسلم في ذلك .
وقال القرطبي :
معنى الحديث أنه طلب الكفاف , فإن القوت ما يقوت البدن ويكف عن الحاجة , وفي هذه الحالة سلامة من آفات الغنى والفقر جميعاً . كذا في " فتح الباري " ( 11 / 251 - 252 ) .
قلت : ومما لا ريب فيه أن الكفاف يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والأحوال , فينبغي للعاقل أن يحرص على تحقيق الوضع الوسط المناسب له , بحيث لا ترهقه الفاقة , ولا يسعى وراء الفضول الذي يوصله إلي التبسط والترفه , فإنه في هذه الحال قلما يسلم من عواقب جمع المال , لاسيما في هذا الزمان الذي كثرت فيه مفاتنه , وتيسرت على الأغنياء سبله .
أعاذنا الله تعالى من ذلك , ورزقنا الكفاف من العيش .