العزلة (Isolation)
احدى الظواهر التي يبتعد الافراد بها عن المحيط الخارجي وعدم الرغبة في الاختلاط مع الاخرين وتكوين عالم داخلي لهم بدلاً من عالم اكبر من عالمهم او دائرة اكبر من الدائرة الفردية التي يعيشون فيها.
ان الشعور بالعزلة ينبثق من محاولة الانسان تنمية شخصيته بغض النظر عن حياة النوع الانساني، ولا يدرك الانسان شخصيته وتفرده وتميزه عن كل شخص وعن كل شيء الا عندما يكون وحيداً.
فتؤدي رغبة الشخص المنعزل الى تضييق دائرة اصدقائه فهو يفضل العزلة على الاختلاط والفكر على العمل، وشعوره بالضياع في وسط المجتمعات الكبيرة، ويدفعه حسه المفرط الى الخوف من ان يكون مثارا للضحك والسخرية، وهو شخص لا يرغب باظهار مواهبه لتردده وعلى ذلك فانه يحرز نجاحا اقل من زميله.
ويأخذ مواقف الفرد من العزلة اتجاهين مختلفين مع بعضهما فمن يشعر بالارتياح والسعادة عندما يكون منعزلاً مع نفسه وبعيداً عن الاخرين تحقيقاً لصورة الذات المرغوب فيها، بينما البعض الاخر منهم يشعر باحراج وعدم الارتياح وقلق مستمر فقد يحقق قيمة لذاته في هذا الوقف او العكس عندما يرى ردود فعل اقرانه تجاهه.
ان العلاقة بين العزلة الاجتماعية واحتمال الاصابة بالاضطراب العقلي ليست مجرد علاقة على نحو بسيط فالعملية تنطوي على جوانب اكثر تعقيداً، لانها تنطوي على سلسلة من العمليات المتداخلة، تبدأ بعدم توافق الفرد في علاقاته الاجتماعية، وفقد الرفاق، ثم الاحساس بالاغتراب والانسحاب من التفاعل، واخيراً العزلة والتمهيد للاصابة بالاضطراب العقلي لكن هذا الفهم للعزلة قد ركز على المتغيرات المرتبطة بالعزلة الاجتماعية، وفصلها عن السياق الاكبر الذي يفرزها ابتداء من الاسرة المنعزلة وظروف الطبقة التي ينحدر منها الفرد. وطبيعة النسق الاجتماعي الاكبر للمجتمع الذي ينتمي اليه هذا الفرد.
تكمن خطورة العزلة الاجتماعية في قيام الفرد تعميمها على المواقف الاحباطية كلها التي تواجهه اذ ان الذي لا يشترك في انشطة اجتماعية مع زملائه ويخلو بذاته قد يبتعد عن والديه ويحرم نفسه من عملية الاتصال بالاخرين يحد من قدرته على اكتساب المهارات الاجتماعية. فضلاً عن مواجهته للعديد من المشكلات كفقدان القدرة والجرأة على الاتصال بالاخرين، مثلا تزيد من مشاكله اكثر فاكثر وتزيد موقفه توتراً فالانعزال الزائد بالنسبة له واذا ما صاحبته احلام اليقضة بدرجة مفرطة يعد من اهم الاسباب التي قد تؤدي الى بعض انواع انفصام الشخصية (Schizphrenia) ولا يعد المنعزل مريضاُ نفسياً على الدوام فهناك العديد من الافراد الذين يتجنبون الاتصال الاجتماعي او تصل الى الحد الادنى ومع ذلك يبقون في حالة نفسية لا تخرج عن الحد الاعتيادي.
اسباب العزلة :
للعزلة اسباب منها الخوف من الاخرين ويشكل الخوف اقوى الاساليب للعزلة ذلك لتجنب المشاعر السالبة والاحساس بالاذى الذي قد ياتي من الاخرين، إذ تعزز العزلة التي بدورها تحقق الامن لهم.
ويصبح التفاعل مساوياً للالم النفسي، وهذا النمط قد يبدأ ظهوره في وقت مبكر جداً لدى الافراد الذين يعانون من استجابات سلبية من الاسرة التي يعيشون فيها اذ يمكن ان يشكلوا لدى الشخص رغبة في الانسحاب وعدم الاتصال بالاخرين.
كما ان للخبرات المبكرة تأثيراً في شكل التفاعل الاجتماعي، فالشخص الذي يعامل باستضعاف واحراج يصبح اكثر حساسية ويتوقع استجابات سلبية من الاخرين، في حين يؤدي استمتاع الشخص بالخبرات الاجتماعية الى تطوير اتجاهات ايجابية نحوها ورغبة في تكرارها.
ولاساليب التنشئة الاسرية التي يستخدمها الوالدان في معاملة ابنائهم دور واضح، فالشخص الذي تلقى تربية ديمقراطية يظهر تكيفاُ اجتماعياً افضل خارج البيت كما يحمل اتجاهات اكثر ايجابية نحو الناس.
ومن الاسباب الاخرى للعزلة التغيرات الجسمية التي تحدث للشخص والتي تزيد احساسه بالغموض حول المستقبل.
ويعد القلق احد الاسباب التي تؤدي بالفرد الى عزلته فيؤكد (فروم) ان القلق من عدم وضوح المستقبل يؤدي الى تأثير كبير في توافق الافراد النفسي والاجتماعي، كما يؤدي الى حدوث اضطراب في الطباع الاجتماعية للناس التي كونها الافراد في السابق فتكون غير مناسبة للتعامل مع افراد مجتمع جديد فيزيد ذلك من شعوره بالاغتراب ويدعوه ذلك الى العزلة وبالتالي الانطواء.
ا.د ماهر احمد العيساوي