الصلاة على النبى :الكيفية و الهيئة و الأنوار
لأن الله أمر المسلم أن يستزيد من الصلاة عليه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ}ولم يحدد عدداً لأنه كلما زدت في العدد كلما زاد الله لك من المدد ولذلك لم يحيز الله عدد صلوا عليه كم نصلي؟ما شئت قال سيدنا أبي بن كعب{ يا رسول الله كم أجعل لك من صلاتي ؟ قال :ماشئت , قال : الثلث , قال : وإن زدت فهو خير لك ، قال : الثلثين ، قال : وإن زدت فهو خير لك ، قال : إذاً أجعل لك صلاتي كلها ، قال : إذاً يكفك الله همك ويغفر لك ذنبك}[1]أي أن رسول الله أقرَّ هذا الأمر فلا مانع أن تجعل حياتك كلها صلاة على حبيب الله ومصطفاه وقد يقول قائل : بدلاً من الصلاة على رسول الله ؟ أذكر الله ولكن الصلاة على رسول الله تعتبر ذكر لله من فينا يستطيع أن يصلى على رسول الله ؟ لا يوجد فينا من يستطيع أن يصلي على رسول الله من الذي يطيق أن يصلي على رسول الله ؟ فعندما نزلت هذه الآية ذهب إليه أهل العناية وقالوا : يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه ولكن كيف نصلي عليك؟قالوا: فنظرإلى الأرض وأطال حتى قلنا ليتنا لم نسأله وذلك لأنه يريد أن يأتي بصيغة تلائم الجميع ولن يحدث ذلك فأين الصيغة التي ستلائم الناس العاديين والمشتاقين والمحبين فكل واحد له مزاجه وله قدره من الحب فجاء بالصيغة التشريعية وقال : قولوا "اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد "فرسول الله عندما خرج من فيه الكيفية التي نصلي بها وهي الصلاة الإبراهيمية التي في الصلاة عندما ننظر إليها نجدها توكيلاً من العبد لمولاه ليصلي الله على قدره بذاته على حبيبه ومصطفاه لأن العبد عاجز عن هذه الصلاة فالعبد يقول : "اللهم" - يعني يا الله - وكلتك عني فصلِّ على حبيبك بما شئت وكيف شئت - لأنك على ما تشاء قدير - وأنا على هذا الأمر عاجز وضعيف إذ كيف أصلي على رسول الله ؟من الذي يصلي إذاً؟ الله هو الذي يصلى على حبيبه ومصطفاه وعندما أبدأ بـ "اللهم" فإنه ذكر لله عز وجل بأن يصلي على رسول الله بذلك فإن حقيقةالصلاة التي نصليها على رسول الله أننا نطلب من الله أن يصلي على حبيبه ومصطفاه بالهيئة والكيفية والحال التي يعلمها الله لأنها أحوال غيبية لا نستطيع بضعفنا وعجزنا أن نؤديها ولكن الله عز وجل وهو ذو الفضل العظيم يتكرم ويتحلم ويقوم بالنيابة عنا بالصلاة على حضرة حبيبه ومصطفاه وإذا كان البعض يقول أن الصلاة من الله صلة ومن الملائكة رحمة ومن الناس استغفار أو غير ذلك فإن كل هذا لم تطالبنا به الآية؟بل قال الله عز وجل عن هذه الصلاة{وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}فلا ينبغي لنا أن نسأل عن الكيفية الإلهية التي يصلي بها الله والملائكة على خير البرية لأنها أمور غيبية لم تصل إليها حتى أرواحنا إذا وصلنا بها إلى الرياض القدسية{وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ }فعلينا أن نصلي على حضرته ونكل أمر هذه الصلاة وهيئتها وكيفيتها إلى حضرة الله جلَّ في علاه ونقول في شأنها{آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا}وهذه الصلاة لها شقان صلاة للأجر وللثواب وصلاة للمواهب من رسول الملك الوهاب فأما الصلاة التي هي للأجر والثواب فهي التي يقولها اللسان ويرجوا من وراءها حسنات وأجرعظيم عند الله عزوجل ويقولون في ذلك
أعمالنا بين القبول وردها إلا الصلاة على النبي محمد
أدم الصلاة على النبي محمد. فقبولها حتم بغير تردد
لكن صلاة العطاء وصلاة النور والجمال والكمال والبهاء والتي ببركتها وبسببها يمتع الله قلوب الصالحين والعارفين والمتقين والأولياء بنظرة أو لمحة من خير الرسل والأنبياء لا بد وأن تكون عن محبة واستحضار لصاحب هذه الأنوار فلما يبدأ الإنسان في الصلاة عليه :عليه أن يستحضر أنه واقف بين يديه وأن الحبيب مرأي على الأقل في لوح الخيال أو خاطر في كل لحظة وهو منه على بال أويرى هيئته الشريفة وذاته المنيفة عامرة في القلب بلا ظلال فلما يستحضر هذه الحضرة ويصلي على رسول الله فإنه بدوام هذه الصلاة ترق الحجب التي تحجب القلب عن حبيب الله ومصطفاه وتنكشف الأغيار وهذه الصلاة لا بد وأن تكون على استحضار - كما قلنا - وهي صلاة الصالحين وصلاة المتقين فلا يصلون وهم في غفلة عن حضرته بل يصلون وهم يستحضرون هيئته وعظمته - على حسب أقدارهم - فمن استحضر هيئته الجسمانية وأوصافه الحسية رأى على قدره ما يستطيع تحمله من ذاته الحسية التي شرفت بها هذه الدنيا الدنية والأوصاف الحسية هي التي وصَّفها لنا الوصافون فى كتاب الشمائل وقد وصفها سيدنا الإمام على بن أبي طالب وسيدنا هند بن أبي هالة ووصفتها أم معبد عندما رأته في الهجرة وغيرهم من الأصحاب ويقول فيها سيدنا عمرو بن العاص عند وفاته لابنه عبد الله : يابني لقد عشت وما استطعت أن أملأ عيني من رسول الله من شدة هيبته لأنهم قالوا : من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه كان من يراه يهاب أن ينظر إليه فهؤلاء الأفراد المعدودون هم الذين استطاعوا أن ينعتوا وصفه الحسي ووصفه الحسي كان فيه سر معنوي لا يستطيع أن يطلع عليه إلا كل صفي وولي فقد كان كما يقولون في هيئته بين الطول والقصر لكنهم كانوا يقولون عن حالته في هيئته "ما رؤى بين قوم إلا وكان أعلاهم مهما كان طولهم " وكانوا يقولون عن هيئته أنه كان شديد العرق إذا نام ولكن عرقه ليس كعرق بقية الأنام فعن أنس فيما رواه مسلم أنه كان يقيل يوما من أيام الصيف الحارة عند السيدة أم سليم رضي الله عنها إذا به يستيقظ يوماً وهي تمسك بمناديل تجفف بها عرقه وفى رواية تمسك بقارورة – يعنى زجاجة -وجعلت تسلت العرق فيها فقال : ما هذا يا أم سليم ؟ قالت : هذه نساء الأنصار جئن وطلبن مني أن أجفف عرقك بهذه المناديل فقال : يا أم سليم سليهن ماذا يصنعن بها ؟ فذهبت ثم عادت وقالت : يا رسول الله إنهن يقلن أنهن يطيبن به طيبهن وهو أطيب الطيب - أي أن الطيب الذي ليست له رائحة نفاذة يضعن فيه قطرات من عرق سيد السادات فيصير طيباً نفاذاً يملأ كافة الأرجاء والجهات وجاء مرة رجل من الأنصار وقال : يا رسول الله أريد أن أجهز ابنتي وليس عندي شيء فقال : يا بلال هل عندكم شيء ؟ وكان خازن بيت المال فقال: يا رسول الله ليس عندنا شيء الآن فقال :يا هذا ائتني بقارورة فجاءه بها وتقول الرواية : فأخذ يسلت من عرقه ويضع فيها حتى ملأها وقال له جهز ابنتك بهذه فأخذها الرجل وأعطاها لابنته فما كان من زوجها إلاأنه فتح حانوتاً واشتغل عطاراً وسمى حانوته " بيت المطيبين "وأخذ يصنع العطور من هذه الزجاجة إلى ما شاء الله عز وجل من عرق رسول الله وهذه هي الحالة التي سنبلغ جزءاً منها في الجنة لأنهم عندما قال :إن أهل الجنة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتنخمون ولا يهرمون ولكن شباب دائم فقالوا: يا رسول الله كيف تخرج فضلاتهم ؟فقال : رشحات عرق رائحتها كرائحة المسك وذلك هناك في الجنة لكنها كانت هنا مع رسول الله في الدنيا أي كان وهو هنا في الجنة العالية هذا بالجسم فأجسامنا تكونت من عناصر الأرض لها ظل ولها وزن ولها ثقل ولا يوجد من عناصر الأرض ما ليس له ظل إلا البلورات التي دخلت الفرن الحراري فصارت نوراً ليس له ظل وكان لا يقف الذباب عليه - حتى يهشه - ولا يستطيع البعوض أن يقترب منه ليلدغه أو يلسعه أو يأخذ من دمه لأن الله عز وجل حفظه بحفظه وصانه بصيانته له عين : لكن ليست كبقية الأعين فإن عينه كان يرى بها من خلفه كما يرى بها من أمامه وكان يقول لأصحابه في صلاته بعد أن ينتهي منها : يا فلان أنت كذا ويا فلان أنت عملت كذا فيقولون يا رسول الله كيف رأيتنا وأنت في الصلاة ؟ فيقول إني أرى من خلفي كما أرى من في الأمام وبعض قصار النظر ظنُّوا أنه يرى من خلفه في الصف فقط لكنه يرى من خلفه إلى قبل آدم لأنه حدث عن هذا كله عن أنبياء الله وأممهم وأحوالهم لأنه رأى كل من خلفه إلى قبل القبل ويرى من أمامه إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النارالنار ولذلك حدَّث بما يدور وسيدور في الكون إلى يوم القرار ثم حدث عن يوم العرض وحدث عما يدور في الجنة وعما يحدث في النار حدث عن ذلك كله وكان يقول : إني أرى عرض الجنة في هذا الحائط هذا البصر كان يحد به النظر فيرى أهل السموات وأهل العوالم العلويات ويطالع به سقف الغيوب ولذلك يقول على سبيل المثال لا الحصر : أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك ساجد لله عزوجل قرأ ذلك بعينه فهذه العين ليست كأعيننا وإنما هي عين يقول فيها خالقها وباريها : "كنت بصره الذي يبصر به" ويقول له الله : "أبصر به وأسمع" فهو يبصر بالله ويسمع بالله ولذلك كان سمعه يسمع تسبيحات الكائنات ويسمع أصوات سكان الجنات ويسمع تسبيح كل ما على الأرض حتى الجمادات وكان يمسك في يديه الحصى فيسبح ويسمعه لمن حوله فيضعه في يد الصديق فيسبح ويسمعه من حوله فيضعه في يد الفاروق فيسبح ويسمعه من حوله فيضعه في يد عثمان فيسبح ويسمعه من حوله فيضعه في يد الإمام علي فيسبح ويسمعه من حوله فإذا أخذه غيرهم لايسمعون له صوتاً ولا حسيساً وقد ورد عنه أنه عندما كان يجلس للطعام كانوا يرون بأعينهم التمرات وهي تتسابق لتكون في يده لتفوز بأن تكون في جسد المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام هذا الجسد كان صاحبه إذا وضع يده على شعرات يبيض شعر الرأس كله إلا موضع أصابع سيد السادات فإذا حدث ومرض رجل أو امرأة أو مرض لهم حتى حيوان يذهبون إلى رأس الرجل الذي فيه موضع يد النبي ويضعون أصابعهم موضع أصابع النبي ثم يضعونها على المريض فيشفى بإذن الله هذا الجسد الذي يفعل بالله وهذا النور الرباني كان إذا أراد أن يقضي حاجته أبتعد ويستتر وراء الأشجار أو يأمر الأشجار فتمشى وتنضم وتستره أو الأحجار فيذهبون بعد رجوعه يبحثون فلا يجدون شيئاً فيدرك ما بهم فيقول "إنما الأرض ابتلعته" لكن بعد ذلك كله نقول:
دع ما ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم
لانقول إلا أنه عبد لله لكن أكرمه الله عبد لله أكرمه مولاه عبد لله أفاض عليه من جميل فيوضاته مولاه عبد لله تولاه برعايته وعنايته مولاه فهو عبد لله لكن الله تولاه وقال في شأنه في كتاب الله قل لهم{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}وإن قال بعض قصار النظر إن الله قال له{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ}نقول له : أكمل الآية{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ}أي أنا وأنا بمفردي كجميعكم من بدء البدء إلى نهاية النهايات ويؤيد ذلك ما أثبتته السيرة بالأحاديث الجليات حيث فقال عندما كان في طفولته عند مرضعته حليمة السعدية وجاءه رهط من الملائكة وأضجعوه وشقوا بطنه وأخرجوا حظ الشيطان من قلبه ثم قالوا : زنوه بعشرة من أمته قال : فوزنوني فرجحتهم قالوا : زنوه بمائة من أمته قال: فوزنوني فرجحتهم قالوا: زنوه بألف من أمته قال :فوزنوني فرجحتهم قالوا : زنوه بعشرة آلاف من أمته قال: فوزنوني فرجحتهم قالوا: دعوه فلو وزنتموه بأمته كلها لرجحها(وهو حديث صحيح مشهور بروايات عدة)وإذا كان رجل من أمته يقول فيه(رواه البيهقى عن عمربن الخطاب) {لَوْ وُزِنَ إيمانُ الأمَّةِ وإيمانُ أبي بكْر ٍلَرَجَحَتْ كفَّةُ أبي بكر}فما بالكم بمن هو سر إيمان أبي بكر والسبب في منزلة أبي بكر فالمثلية هنا أي انه مثلنا أجمعين ويزيد عن ذلك بما تفضل عليه رب العالمين لأن الله أعطاه ما لم يعطِ أحداً من الخلق أجمعين وقال في شأنه في كتابه المبين{وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} ففضل الله العظيم على سيد الأولين والآخرين لا يستطيع أحد نعته ولا عدَّه فإن فضل رسول الله ليس له حد فيعرب عنه ناطق بفم من الذي يستطيع أن يبيِّن أو يعدَّ ولذلك ورد أن أحد الأئمة سأله أحد تلاميذه فقال:ياسيدي أراك أكثرت في قصائدك من الثناء على حضرة الله فلم لم تثنِ على الحبيب المصطفى ؟ فأجابه وقال :
أرى كل مدح في النبي مقصراً وإن بالغ المثني عليه وأكثرا
إذا كان الله أثنى عليه بما هو أهله فما مقدار ما يمدح الورى
من الذي يستطيع أن يمدح رسول الله ويثني عليه بعد أن أثنى عليه مولاه وعمَّم ثناءه في كتاب الله وجعله هو المدار الذي يدور عليه حديث الله في كتابه جلَّ في علاه ونذكر آية واحدة من مديح الله له فى كتابه مدحه فيها بكلِّ المديح أو نسب خلقه لذاته فخاطبه وقال له{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}أما الأنبياء كلهم فقد مدح كل نبيى بخلق واحد فقال :لإبراهيم {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} خُلق الوفاء واسماعيل {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} خلق الصدق ونوح { إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً } خلق الشكر
[1] رواه الألبانى فى صحيح الترغيب و مشكاة المصابيح .