الأخ/ ساري الليل
هذا مقال الكاتب صالح التويجري بشأن أسعار السلع
((( مجرد الرغبة في الحديث عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية تتشكل صورة ذهنية عن المستهلك وتُظهره بشكل ” كُرة ” تتقاذفها وزارة التجارة و وزارة الشئون البلدية والقروية , كل وزارة ” تركل ” المسؤولية إلى الأخرى على ملعب اللوائح والأنظمة التي من شأنها إحقاق العدل بدفع الضررعن المستهلك دون بخس حق التاجر,لكن تلك الأنظمة لو بٌسِطت على الواقع لوجدتها تعمل العكس تماماً , فعوضا عن دفع ضرر المستهلك تزيد الضرر عليه بتهربها من المسؤولية ” وركلها ” بعيداً عنها , وحتى تتضح الصورة أكثر لابد من استعراض الأنظمة وسرد تفاصيل قصة واقعية أجزم أن أغلب المواطنين صاغوا تفاصيلها بتجربة شخصية منهم .
إن مهمة تحديد أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية من مسؤولية وزارة التجارة والصناعة بحسب قرار مجلس الوزراء رقم (66) عام 1373هـ والقرار رقم ( 559) عام 1395 هـ وليست من مهام وزارة الشئون البلدية والقروية التي من واجبها مراقبة زيادة الأسعار المقررة أو عدم وضع تسعيرة على البضاعة المعروضة ومن ثم تطبيق المادة رقم (3/4) من لائحة الغرامات والجزاءات الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم ( 218) عام 1422هـ والتي تنص على غرامة مالية تتراوح بين ( 1000-5000 ) ريال .
السؤال الآن : كيف نُسقط الأنظمة السابقة على مسألة ” ركل المسؤولية ” ؟ والجواب سيكون عبر تفاصيل قصة بطلها مواطن وهن عظمه من فوضى الأسعار كما هو حال الجميع . حيث دخل المواطن إلى صيدلية لشراء علبة حليب أطفال وتفاجأ بسعرها الذي يزيد عن سعر توأمها في صيدلية مجاورة بـ(11) ريال , وعند الاستفسار من الصيدلي وضرب مثال بفارق السعر مع جاره , أخبره بكل برودة ( أترك العلبة واذهب إلى جاري ! ) ومن الطبيعي أن تأتي الإجابة مستفزة لأن الصيدلي يعلم علم اليقين بأن لاشيء سيحدث ! غضب صاحبنا وتناول جواله من جيبه المخروم بطمع التجار وغفلة المسؤول ليتصل على طوارئ البلدية عله يجد الإنصاف منهم , وبعد أكثر من ساعة ونصف حضر مراقب البلدية إلى الموقع ليقف على المشكلة مع عجزه عن حلها ! لأن مراقب البلدية أخبر المواطن بأن مهمته تقتصر على مراقبة الأسعار الصادرة من وزارة التجارة ! وهنا تكمن المعضلة الكبرى ! فالبلديات تجهل أسعار السلع الأساسية لعدم وجود ترابط وتنسيق بينهم وبين وزارة التجارة , وعليه كيف يتأكد مراقب البلدية من السعر الأصلي لعلبة الحليب وهو واقع بين تأكيد المواطن بأن السعر مبالغ فيه وبين تصريحات الصيدلي الذي يؤكد بأن فارق السعر خاضع لعملية استيراد الحليب المرتبطة بأسعار الدولار واليورو . تاه مراقب البلدية نظراً لجفاف المعلومات المتعلقة بأسعار السلع الأساسية فما كان منه إلا أن قرر أن ينهي ” وجع رأسه ” بالبحث عن مخالفة أخرى تطفئ غضب المواطن وتحد من فلسفة الصيدلي , فتش وبحث ولم يجد ثم طلب رخصة المحل ليجدها منتهية قبل يوم. طار بهذه المخالفة ونسي المشكلة الأساسية !
إذاً .. حلقة الوصل مفقودة بين الجهتين رغم وجود الأنظمة ولكم أن تسقطوا هذه القصة على محلات ذات نشاطات أخرى , ولو توجه المواطن إلى وزارة التجارة لربما قالوا له ( مسؤولية مراقبة الأسعار من مهام البلديات ) ومن الأمور التي تؤكد مسألة ” ركل المسؤولية ” خطاب صادر من وزارة التجارة والصناعة جاء رداً على استفسار الأمانات حول تذمر المواطنين من ارتفاع أسعار اللحوم حيث ذكرت وزارة التجارة بأن ضبط أسعار اللحوم غير ممكن والتدخل الحكومي بفرض أسعار معينة قد تكون له نتائج عكسية معللة ذلك بتعدد أصناف اللحوم ومصادرها وتنوعها بين المحلي والمستورد والطازج والمبرد وتوفر الأعلاف !
من هذا الرد نخرج بعدة نقاط :
1- رسالة مبطنة يقرأها التاجر – وإن لم تكن مقصودة- تفيد بأن دربك خضر فتحكم وارفع السعر .
2- شواء المواطن بنار الأسعار ليست كارثة وليس له نتائج عكسية !
3- رسالة واضحة يقرأها المواطن تفيد بعدم ضرورة تناول اللحوم الطازجة والاعتماد على اللحوم المجمدة والمستوردة ” وعلى قد ريالك .. مد بطنك ” مع استبدال كيلو اللحم بكيلو فول نظراً لاحتوائه على البروتين.
4- الرد يوحي بأن أسعار باقي السلع مضبوطة إلا اللحمة !
5- التخلص من المسؤولية ” وركلها ” كما ذكرنا في ملعب الشئون البلدية التي بدورها ستعيد ” الركلة ” إلى التجارة .
6- إدراج مفردة ” فرض السعر ” لا تتناسب مع تذمر المواطنين فالمواطن هو نفسه تاجر ولا يمكن أن يرضى ” بفرض السعر ” الذي يعني تحديد سعر بعينه للسعلة لكن من الممكن التماس رضاه بضبط أسعار السلعة عبر رسم خط أدنى وأعلى بناء على دراسات اقتصادية وأنظمة واضحة لا تبخس حق تاجر أو تأكل رغيف مواطن ! واعتقد بحسب معلوماتي البسيطة أن فرض السعر يختلف عن ضبطه !
فاصلة: أحد الأصدقاء أخبرني بأن السلع الأساسية في الهند التي لا تحتوي على تسعيرة وزارة التجارة تصبح من حق المواطن . حاولت التقصي عن صحة المعلومة لكن للأسف لم أصل إلى نتيجة رغم أن صحتها من عدمها ليست ذات أهمية لكن الفكرة بحد ذاته رائعة ورادعة !
نقطة ساخرة: لو استمر الوضع على هذا الحال فليس أمام المواطن خيار إلا بشراء ” عنز ” عندما يرزق بمولود ليستفيد من حليبها في الرضاعة , وبعد الفطام يذكيها ليستفيد من لحمها.)))