[align=center]
مقدمة
شرع الإسلام الزواج لمقاصد سامية ولتحقيق غايات عظيمة جليلة، منها على سبيل الذكر لا الحصر أنه وسيلة من وسائل العفاف والإحصان والعفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" ثم أن من أهداف الزواج أنه سبب لبقاء النوع البشري والإنساني، ثم أنه وسيلة إيجابية لتحقيق الأمومة والأبوة وصناعة الأجيال المتلاحقة لإقامة المجتمع المسلم، هذه الأهداف وهذه الغايات السامية إذا تعطل هذا الزواج ولم يتم فإنه يحدث فيها خلل كبير.
وسنناقش في هذه الحلقة خطر يهدد الزواج ويهدد هذه الأهداف السامية، تعطل الزواج أو ما يسمى بظاهرة العنوسة وهو تأخر الفتاة عن سن الزواج وبقاءها في بيت أهلها هذه الظاهرة تكاد تكون ظاهرة عامة في بلاد العالم الإسلامي والعربي وكان لابد لنا من وقفة معها مع الأسباب وكيفية حل هذه المشكلة والحد من هذه الظاهرة.
المقدم
شيخنا الكريم .. يقول الإمام المنظور في لسان العرب في تعريف مادة "عَنَسَ" يقول أنها هي الجارية إذا طال وقتها في بيت أهلها بعد إدراكها ولم تتزوج، هذا المصطلح هل هو وارد من الناحية الشرعية وما هي الأسباب التي تؤدي إلى تأخر الفتاة عن الزواج؟
القرضاوي
لاشك أن العنوسة هي إحدى المشكلات الكبيرة التي تعانيها مجتمعاتنا العربية والإسلامية عامة ومجتمع الخليج بصفة خاصة، وهي مكملة لمشكلة أخرى هي مشكلة العزوبة بالنسبة للرجال، هما مشكلة واحدة تأخر الزواج بالنسبة للفتاة وبالنسبة للفتى، والفتى الذي يتعزب أو يتعذب إذا لم يتزوج وهذا أيضاً موجود، وأيضاً الفتاة وإن كانت ظاهرة العنوسة تأخر الفتاة في بلاد الخليج أكثر منها بالنسبة للبنين الذكور، والواقع أن لها أسباباً كثيرة في الواقع من أسبابها أن الزواج أصبح يكلف كثيراً جداً، ولا يستطيع الشاب في بدء حياته العملية حينما يخطو الخطوات الأولى في السلم الوظيفي عندما يتخرج من الجامعة ثم يتسلم عمله لا يستطيع أن يتحمل أعباء الزواج وحده، والواقع أن الناس هم الذين عسروا ما يسَّر الله عز وجل، وعقَّدوا ما سهله الشرع، الزواج في الشرع أمر سهل ويسير ولكن الناس هم الذين عسَّروه وصعَّبوه بما وضعوا من عقبات وما وضعوا من تكاليف، فأصبح الشاب لا يستطيع ذلك فيتأخر الزواج وربما فكر أن يتزوج من الخارج، قد يكون يدرس في الخارج ويتزوج أجنبية، طبعاً البلاد هنا لا تجِيز الزواج من أجنبية إنما يتزوج ويبقى مدة حتى يسهّل الله أمر إدخالها، فهذا هو أول الأسباب، كثرة الأعباء والتكاليف التي ترهق الشاب، وتحمله ما لا يطيق فيتأخر عن الزواج، هناك أيضاً أشياء وهي بعض الآباء يشدد فيمن يأتي ويتزوج ابنته، يشترط شروطاً معينة فكثيراً ما يأتي الخُطَّاب لابنته ويردهم، هذا لأنه من قبيلة دون قبيلته، القبائل مصنفة رقم 1، ورقم 2، فهذا يقول لك نحن رقم 1 وهؤلاء رقم 4، أو نحن رقم 2 وهذا رقم 4، يعني تصنيفات ما أنزل الله بها من سلطان، وقد يكون الشاب لونه أسمر وهذا عنده غير مقبول وهو مثلاً إنسان ذو دين وذو خلق، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:
"إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" هناك بعض الأمهات تأتيني رسائل كثيرة وهواتف من فتيات، حتى الأم نفسها تقف ضد زواج بناتها وبعض الأمهات عندهن عُقَد معينة فكلما يأتي لابنتها عريس تطفشه لا تفتح له صدرها ولا بابها فهذه من الأسباب هناك أيضا بعض الأعراف مثلا إن البنت لازم تتزوج ابن عمها، ونفرض أن ابن عمها لا يريد أن يتزوج الآن، فتظل محجوزة له فقط وهو لا يريدها وهي لا تريده، وهذا موجود في بلاد كثيرة، حتى في مصر القبائل العربية في الصعيد لا تقبل إن يتزوج البنت إلا واحد من أبناء القبيلة ويسمون كل من هم خارج القبيلة فلاحين فعندهم مثل يقولون "يأكلها تمساح ولا يأخذها فلاح"، وقد يكون هذا الفلاح أستاذ جامعي ومعه دكتوراه وقد يكون وكيل وزارة وله من العلم والعمل مرتبة عظيمة إلا أنه ليس من القبائل فهو فلاح ولازال في بلاد الخليج إن البنت مرهونة ومأسورة لابن عمها، وابن عمها أحياناً لا يفك أسرها وأحياناً لو هو قبل فأسرته لا تقبل بينما هو قد يتزوج من قبيلة أخرى ولكن هي لا تستطيع أن تتزوج إلا من ابن العم وقد يتزوجها عدة أشهر ثم إما أن يتركها معلقة لا هي متزوجة ولا هي مطلقة، وإما أن يطلقها ويتزوج من يشاء وتظل هي مسكينة أصبحت مطلقة، والمطلقات في مجتمعنا كأنها ارتكبت جريمة وربما ليس لها أي ذنب في الطلاق هي ضحية في ذلك.
[/align]