بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
..( التواصل) مع الناس والحياة ، فن وعلم قائم بذاته، ولا يتحقق إلا بالتفاهم مع الآخر واحترامه والإصغاء إليه. ومن لا يلتزم بتلك القيم، يقع في نهاية المطاف في سوء التفاهم، ما قد يسبّب خلافات ومشاكل. لذا نلاحظ أن الناس الصادقين يتقنون بغالبيتهم فنّ التواصل والحوار، ويدركون جيداً كيف يجب الإصغاء الى غيرهم.
كيف نتخطى هذه الحواجز ؟
وعلى الرغم من التطوّرات التي يشهدها عصرنا على جميع الصعد، مثل ما يخص شيوع الابتكارات والمخترعات الجديدة بما فيها من تقنيات عالية ومعقدة ، ومن بينها تقنيات التواصل الاجتماعي الرقمية المعاصرة مثل الانترنترت وعشرات الشبكات التواصلية التي يلتف حولها الملايين من الناس في هذا الكون.
ما زلنا حتى اليوم نواجه صعوبةً في التواصل والحوار مع الغير، حتى مع المقرّبين منا.
كيف نتخطّى هذه الحواجز التي تحول دون تقدّمنا وانطلاقنا في الحياة؟
يُشكّل الخجل حاجزاً أمام الحوار المثمر والتفاهم. مثلاً، عندما يقابل الخجول شخصيّة اجتماعيّة بارزة، لا يشعر بالارتياح ويعجز عن الكلام وقد يغيب عن ذهنه بعض الكلمات، فتظهر ملامح الارتباك على وجهه ويتغيّر صوته وتتبدّل حركاته. كذلك، يعاني الخجول عجزاً في التطرّق إلى أي موضع شخصي فيتكتّم على مشاعره كافة، ما قد يؤدي به إلى حالة من الاكتئاب. ناهيك بأن الخجل لدى البعض قد يصل الى درجة الخوف، فيواجه صعوبة في البوح بمشاعره وبالتّعبير عن نفسه ويتجنّب بالتّالي أي كلام أو حوار مع الآخر.
تعتمد مهارات التواصل مع الآخرين على قواعد عدة تجمع الحوار الإيجابي المرتكز على إبداء الرأي وحسن الاستماع إلى الآخر، ما يساهم في قيام محادثة مفيدة. إلا أن البعض يفتقر الى هذه المهارات، فنرى مثلاً في جلسة ما الجميع يتحدثون معاً في الوقت نفسه ولا يصغون إلى بعضهم البعض، ما يسفر عن نتائج سلبية كسوء التفاهم والصراخ والعراك...
كذلك، يقوم الحوار بدرجة أساسية على مدى تفاعل المرء مع الطرف الآخر، ولا بد من أن تتوافر لدى المحاور الجيد صفة الإنصات والاهتمام بالغير وإعطائهم الفرصة للتعبير عن آرائهم، فيشعرون أن حديثهم مثير للاهتمام ومشوّق. فضلاً عن ذلك، يستحسن أن يشارك المرء في الحديث، فيهزّ رأسه إيجاباً ويطرح الأسئلة ويبدي اهتمامه في الحوار الجاري، ما يشجّع الآخر على التعبير عن مكنوناته والمضي في الحديث.
كذلك، من الأفضل أن يحاول المرء التركيز على فحوى المحادثة، وإن عجز عن فهم ما يدور حوله، ينبغي عليه أن يطرح الأسئلة أو أن يطلب تفسيراً لتفادي الوقوع في سوء تفاهم.
بالنسبة إلى الزوج والزوجة، لا بد من أن ينظرا إلى التواصل بينهما كضرورة قصوى، إذ إن العائلة تواجه يومياً مشاكل عدة يَصعب أحيانًا التّعبير عنها، كالغيرة التي تشعر بها الزوجة تجاه زوجها أو اهتمامها هي بالأبناء وإهمال الزوج... لذا، عليهما أن يعملا على التقرّب من بعضهما البعض أكثر وأكثر كي يواجها عبر الحوار المثمر أي مشكلة تعترضهما.
أما بين الآباء والأبناء فيرتكز الحوار السليم على الصبر والهدوء، فعلى الزوجين الحرص على عدم انتقاد الأبناء بقسوة، وإذا تمكّنا من تقديم نموذج يُحتذى به أمام أبنائهما، ينجحان في تأمين جو أسري سليم يسود فيه التفاهم والحوار.
لا بد أيضاً من أن يخصّص الوالدان الوقت يومياً لأبنائهما، للاستماع إلى مشاكلهم ومغامراتهم، ما يتيح لهم فرصة التواصل ويعلّمهم أساليب الحوار الصحيح. كذلك، عليهما أخذ المبادرة ومحاولة التقرّب من أبنائهما لتشجيعهم على التواصل معهما.
يتّسم التواصل بأهميّة كبرى في العلاقة العاطفيّة أيضاً، إذ يسمح للشريكين بالتقرّب من بعضهما أكثر، ويزيل الحواجز ويساهم في تعزيز الثقة بينهما. فمن المهم أن يحاولا حل المشاكل والخلافات بينهما عبر الحوار، ويجب على كل منهما أن يسعى إلى الإصغاء إلى الآخر.
فهل نقتنع - اجتماعيا وانسانيا - بما يمكن ان يشكّله فن التواصل من التصاق متجذر و جزءاً لا يتجزّأ من حياتنا اليوميّة، وكلّما تقدّمت في العمر كلّما أتقنت أساليبه، ما يساعدك على تحقيق أهدافك وبناء علاقات جيّدة مع الآخرين.