اخر المواضيع

اضف اهداء

 

العودة   منتديات الرائدية > المنتديات العامة > المنتدى الإسلامي
 

إضافة رد
مشاهدة الموضوع
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-08-2012, 06:46 AM   رقم المشاركة : 21
كنزي
رائدي فـعـّـال
الملف الشخصي






 
الحالة
كنزي غير متواجد حالياً

 


 

الجويني

بين أحضان والدين حريصين على تنشئة أبنائهما تنشئة إسلامية صحيحة، ولد
عبد الملك بن عبد الله بن يوسف سنة 419هـ في جوين (وهي مدينة بين بسطام ونيسابور) ببلاد فارس، فوالده (عبد الله الجويني) كان يعقد في (نيسابور) ببلاد فارس المجالس للمناظرة والفتوى، وتعليم الخاصة والعامة، وكان يحب العلم حبًّا شديدًا حتى إنه كان يدعو ويقول: (اللهم لا تعقنا عن العلم بعائق ولا تمنعنا عنه بمانع) وكان زاهدًا عابدًا يحرص حرصًا شديدًا على ألا يقع في الشبهات، حتى إنه كان يحتاط في أداء الزكاة فيؤديها في السنة مرتين، خوفًا من النسيان وزيادة في القربى.
ولازم الطفل الصغير (عبد الملك) والده الفقيه المحدث المتكلم، فتعلم الفقه واللغة العربية على يديه، كما تعلم من والده الالتزام بأخلاق الإسلام كالأمانة والصدق وحب الخير؛ فقد كان والده خير قدوة له، وتفوق الجويني على زملائه ممن كانوا يتعلمون على يد أبيه، ولم يقتصر إمام الحرمين على قراءة العلوم الإسلامية
وحدها، بل إنه أخذ يطالع في كل العلوم، يصل ليله بنهاره قراءة واطلاعًا.
وقبل أن يبلغ (عبد الملك) سن العشرين أصبح أحد الأئمة الكبار، وما إن توفي
والده، حتى قعد مكانه للتدريس، إلا أنه استمر في تحصيل العلم، فكان يذهب إلى (أبي القاسم الإسفراييني) وهو من العلماء الكبار يتعلم منه الفقه والأصول، ويذهب في الوقت نفسه إلى مجالس (عبد الله محمد بن علي النيسابوري الخبازي) ليتلقى عنه علوم القرآن.
وظل طوال الفترة التي أقامها بنيسابور يدرس علوم الدين، وكان بارعًا في مناظرة الخصوم، يحاورهم في ذكاء شديد، ولا يبغي من وراء ذلك إلا إظهار الحق، إلا أن أعداءه أخذوا يكيدون له، فترك (نيسابور) إلى بغداد واشتهر هناك، ووفد إليه الناس من كل مكان للتعلم على يديه، لكنه لم يقم بها طويلاً، وإنما توجه إلى مكة، وظل بها أربع سنوات تفرغ فيها للعلم والعبادة ينشر العلم، ويلقي الدروس، ويجمع طرق المذهب الشافعي، وكانت هذه الفترة سببًا في تسميته بإمام الحرمين تكريمًا له واعتزازًا بمجهوده وقدره.
وكان يقضي نهاره في تعليم الناس، وهدايتهم إلى طريق الحق والنور، ويقضي ليله بجوار الكعبة الشريفة في عبادة الله، وبعد أن قضى أربع سنوات في مكة رجع إمام الحرمين إلى (نيسابور) وقام بالتدريس بالمدرسة النظامية، التي بناها له الوزير
(نظام الملك) ليتولى الجويني التدريس بها لما علمه عنه من رسوخ في العلم ونبوغ لم يتوافر لغيره، وظل بها نحو ثلاثين سنة، وجاء إليه الكثيرون من شتى البلاد يطلبون العلم على يديه، ومن أشهر تلاميذه: أبو حامد الغزالي، والكيا الهراسي، وعبد الغافر بن إسماعيل الفارسي.
وقد ترك (الجويني) مؤلفات عديدة من أهمها: كتاب (نهاية المطلب في دراية المذهب) وهو كتاب كبير في الفقه الشافعي و(البرهان في أصول الفقه) و(الإرشاد في أصول الدين) و(الرسالة النظامية) ومن كتبه أيضًا: (غياث الأمم في التياث الظلم) في الفقه السياسي الإسلامي و(الورقات) في أصول الفقه وأدلته.. وغيرها من
الكتب المهمة، وقد مرض إمام الحرمين في أيامه الأخيرة، وتوفي وله من
العمر 59 سنة، وكان ذلك سنة 478هـ.






رد مع اقتباس
قديم 27-08-2012, 06:48 AM   رقم المشاركة : 22
كنزي
رائدي فـعـّـال
الملف الشخصي






 
الحالة
كنزي غير متواجد حالياً

 


 

عز الدين بن عبد السلام

قل لي بالله عليك.. مالك لا تخاف سطوةً ولا سلطانًا.. تهابك الملوك
والسلاطين، وأنت الذي لا تحمل في يدك سوطًا ولا سيفًا؟‍! عفوًا يا سلطان
العلماء، لا تجب، فقد تذكرت أنك كنت عبدًا طائعًا لله، تطيع أوامره، وتجتنب نواهيه، يعلو صوتك بالحق في وجه الطغاة، فمنحك الله قوة وعزة!!
تمكن التتار من إسقاط الخلافة الإسلامية في بغداد عام 656هـ، وواصلوا غزوهم إلى الشام ومصر حاملين معهم الخراب والدمار، فهاجر إلى مصر والشام أعداد غفيرة من العلماء، وأصبحت هذه البلاد مركزًا للعلم حيث انتشرت فيها المساجد
والمدارس، ووفد إليها طلاب العلم، من كل مكان ليدرسوا علوم القرآن والتفسير والحديث والفقه والنحو والصرف والتاريخ، إلى جانب الفلسفة والفلك والهندسة والرياضيات.. وغيرها.
وسط هذا الجو الذي يشجع على التعلُّم والدراسة، ولد بدمشق عام 577هـ
(عز الدين عبد العزيز بن محمد بن عبد السلام) ففتح عينيه على الحياة ليجد أسرته تعاني من الفقر وضيق العيش، ونشأ عز الدين على حب العلم، فسمع الحديث الشريف من العالم الجليل (فخر الدين ابن عساكر) الذي اشتهر بعلمه وزهده، وتعلم على يد قاضي قضاة (دمشق) الشيخ (جمال الدين بن الحرستاني) وغيرهما من الأساتذة الكبار، حتى أصبح عالمًا له مكانته المرموقة بين أساتذته.
وكان منصب الخطابة في الجامع الأموي (بدمشق) منصبًا عظيمًا لا يتولاه إلا كبار العلماء، فتولاه (عز الدين بن عبد السلام) فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وصدع بكلمة الحق، ولم يكن يخشى في الله لومة لائم، فحارب كل بدعة، وأمات كل ضلالة، وكان يقول: (طوبى لمن تولى شيئًا من أمور المسلمين، فأعان على إماتة البدع وإحياء السنن).
وفي عام 635هـ ولاه السلطان الكامل الأيوبي قضاء دمشق، لكنه لم يستمر فيه طويلا، بل تركه في العام نفسه عندما تولى الحكم (الصالح إسماعيل) الذي كان على خلاف مع الشيخ عز الدين؛ لأن الملك الصالح تحالف مع الصليبيين، وأعطاهم بيت المقدس وطبرية وعسقلان، وسمح لهم بدخول دمشق، وترك لهم حرية الحركة
فيها، وشراء السلاح منها، وفوق ذلك وعد الصليبيين بجزء من مصر إذا هم نصروه على أخيه نجم الدين أيوب سلطان مصر، فلم يرضَ الشيخ عز الدين بهذا الوضع المهين، فهاجم السلطان في خطبه من فوق منبر المسجد الأموي هجومًا عنيفًا، وقطع الدعاء له في خطب الجمعة، وأفتى بتحريم بيع السلاح للصليبيين أو التعاون
معهم، ودعا المسلمين إلى الجهاد.
غضب السلطان الصالح إسماعيل، وأمر بعزل (عز الدين) من إمامة المسجد
الأموي، ومنعه من الفتوى والاتصال بالناس، ولم يكتف بذلك، بل منعه من الخروج من بيته، فقرر عز الدين الهجرة من (دمشق) إلى (مصر) فلما خرج منها
عام 638هـ ثار المسلمون في (دمشق) لخروجه، فبعث إليه السلطان أحد
وزرائه، فلحق به في نابلس، وطلب منه العودة إلى دمشق، فرفض، فقال له الوزير: بينك وبين أن تعود إلى مناصبك وإلى ما كنت عليه وزيادة أن تنكسر
للسلطان، وتعتذر إليه وتقبل يده لا غير.
فقال عز الدين: والله يا مسكين، ما أرضى أن يقبل السلطان يدي، فضلاً عن أن أقبل يده، يا قوم أنتم في وادٍ وأنا في وادٍ.. الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به، فقال له الوزير: قد أمرني السلطان بذلك، فإما أن تقبله، وإلا اعتقلتك، فقال: افعلوا ما بدا لكم!!
واعتقله جنود السلطان في نابلس، وظل في محبسه، حتى جاءت جنود مصر
وخلصته، وجاء الشيخ عز الدين إلى القاهرة عام 639هـ فرحب به (نجم الدين أيوب) سلطان مصر، وولاه منصب قاضي القضاة، وخطيب مسجد عمرو بن العاص، واشتهر الشيخ بالعدالة في القضاء، والجرأة في الحق، حتى أحبه الناس والتفوا حوله.
وقد حدثت له حادثة أثناء توليه القضاء تدل على شجاعته وعدله: فقد أفتى العز بن عبد السلام أن أمراء المماليك حكام مصر في ذلك الوقت مازالوا عبيدًا رقيقًا، وأنه يجب بيع هؤلاء الأمراء لصالح بيت مال المسلمين وذلك لتحريرهم من عبوديتهم وعتقهم بالطريق الشرعي، حتى يجوز لهم أن يتصرفوا تصرف الأحرار، فكانت هذه الفتوى ضربة قاضية لهم، حطمت كبرياءهم، وعطلت مصالحهم بل إنهم أصبحوا مصدرًا لسخرية الناس بعد أن قوي نفوذهم، وزاد طغيانهم، وكثرت مظالمهم.
غضب الأمراء المماليك غضبًا شديدًا، وقدموا شكوى إلى السلطان، وطالبوه بأن يقنع العز بن عبد السلام، بالعدول عن رأيه، فتحدث معه السلطان في ذلك، وطلب منه أن يتركهم وشأنهم، فغضب عز الدين واستقال من منصب قاضي القضاة، وعزم على مغادرة مصر، فحمل أمتعته على حمار، وحمل أهله على حمار آخر، وسار خلفهم على قدميه خارجًا من القاهرة؛ وعندما علم الناس خرجوا وراءه، فخاف السلطان من الثورة، وقال له أعوانه: متى خرج عز الدين من مصر ضاع ملكك!! فركب السلطان بنفسه ولحق بالشيخ وطيب خاطره، لكنه لم يقبل أن يعود معه إلى القاهرة إلا بعد أن وافق السلطان على بيع الأمراء المماليك في مزاد علني.
رجع الشيخ وأمر بأن ينادي على الأمراء في المزاد، وكان من بين الذين سيباعون في المزاد نائب السلطنة، فغضب واشتد غيظه، ورفض أن يباع كما تباع الماشية، وصاح في كبرياء: كيف ينادي علينا هذا الشيخ ويبيعنا ونحن ملوك الأرض؟! والله لأضربنه بسيفي.
ركب نائب السلطان فرسه وأخذ معه جماعة من الأمراء، وذهبوا إلى بيت الشيخ يريدون قتله، وطرقوا الباب، فخرج ابن الشيخ فلما رآهم فزع ورجع إلى أبيه خائفًا يخبره بما رأى، ابتسم الشيخ في وجهه، وقال له: يا ولدي أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله، ثم خرج إلى أمراء المماليك، فنظر إليهم نظرة عزة وإباء، وأطال النظر إلى نائب السلطان الذي كان شاهرًا سيفه؛ فارتعدت مفاصل نائب السلطان وسقط السيف من يده، ثم بكى وسأل الشيخ أن يعفو عنه ويدعو له، وتمَّ للشيخ ما أراد وباع الأمراء في المزاد واحدًا واحدًا، وغالى في ثمنهم، ثم صرفه في وجوه الخير.
وكانت لسلطان العلماء (العز بن عبد السلام) مواقف إيمانية في ميدان الجهاد ضد التتار أعداء الإسلام والمسلمين، وكان له دور فعال في هذا الأمر، ولم يَرْضَ أن تتحمل جماهير الشعب وحدها نفقات الجهاد، وهو يعلم أن السلطان ورجاله لديهم أموال كثيرة فقال: إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم، بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وأن يؤخذ كل ما لدى السلطان والأمراء من أموال وذهب وجواهر وحلي، ويبقى لكل الجند سلاحه، وما يركبه ليحارب عليه ويتساووا هم والعامة، وأما أخذ أموال الناس مع بقاء ما في أيدي الجند من الأموال، فلا.
وقد اشترك الشيخ (عز الدين) بنفسه في الجهاد المسلح ضد العدو، وكان دائمًا يحرض السلطان (قطز) على حرب التتار حتى كتب الله له النصر في (عين جالوت) عام 658هـ(1260م) وكان (العز بن عبد السلام) شجاعًا مقدامًا، فقد ذهب ذات مرة إلى السلطان في يوم عيد إلى القلعة، فشاهد الأمراء والخدم والحشم يقبلون الأرض أمام السلطان، وشاهد الجند صفوفًا أمامه، ورأى الأبهة والعظمة تحيط به من كل جانب، فتقدم الشيخ إلى السلطان، وناداه باسمه مجردًا، وقال: يا أيوب، ما حجتك عند الله إذا قال لك: ألم أبوئ لك مصر، ثم تبيح الخمور؟
فقال السلطان نجم الدين أيوب: هل جرى هذا؟
قال الشيخ: نعم تباع الخمور في الحانات وغيرها من المنكرات، وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة، وأخذ الشيخ يناديه بأعلى صوته والعساكر واقفون.
فقال السلطان: يا سيدي هذا أنا ما عملته، هذا من زمان أبي.
فقال الشيخ: أنت من الذين يقولون: إنا وجدنا آباءنا على أمة..
فأصدر السلطان أوامره بإغلاق تلك الحانات، ومنع تلك المفاسد، وشاع الخبر بين جمهور المسلمين وأهل القاهرة، فسأل أحد تلاميذ الشيخ عن السبب الذي جعله ينصح السلطان أمام خدمه وعساكره في مثل هذا اليوم الكريم؟ فقال الشيخ:
يا بني، رأيتُ السلطان في تلك العظمة، فأردتُ أن أذكره لئلا تكبر عليه نفسه فتؤذيه.. قال التلميذ: أما خفته؟ قال عز الدين: والله يا بني، استحضرتُ هيبة الله تعالى فلم أخف منه.
وكان (العز بن عبد السلام) رغم فقره كريمًا كثير الصدقات، فيحكى أنه لما كان بدمشق، وحدثت ضائقة، وعانى الناس من قلة المال، وانخفضت أسعار البساتين فأعطته زوجته مصاغها، وقالت: اشترِ لنا بثمنه بستانا نصيِّف فيه، فأخذ المصاغ وباعه وتصدق بثمنه، فسألته زوجته: هل اشتريت لنا بستانًا؟ قال: نعم، بستانًا في الجنة، إني وجدت الناس في شدة، فتصدقتُ بثمنه، فقالت: جزاك الله خيرًا.
وعاش الشيخ (عز الدين) 83 عامًا يدعو إلى الله ويجاهد في سبيله، يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر إلى أن توفي عام 660هـ، فخرج الرجال والنساء والشباب والأطفال يودعون سلطان العلماء، وصلى عليه سلطان مصر والشام -في ذلك الوقت- الظاهر (بيبرس).
وقد أشاد به العلماء والمؤرخون حتى أطلق عليه تلميذه شيخ الإسلام
(تقي الدين بن دقيق العيد) لقب (سلطان العلماء).. رحم الله العز بن عبد السلام رمز العزة والإباء.






رد مع اقتباس
قديم 27-08-2012, 06:49 AM   رقم المشاركة : 23
كنزي
رائدي فـعـّـال
الملف الشخصي






 
الحالة
كنزي غير متواجد حالياً

 


 

ابن تيمية

(حبسي خلوة، وقتلي شهادة، ونفيي سياحة) رحمك الله يا شيخ الإسلام !!
سقطت (بغداد) في يد التتار، فأخذوا يخربون البلاد، ويأسرون العباد، والناس يفرون من أمامهم، وقد ساد الناس ذعر شديد، وفي هذا الوقت العصيب وُلِد
(تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية) في (حران) بالغرب من دمشق في
يوم الاثنين 10 ربيع الأول 661هـ الموافق 12 يناير 1263م، بعد سقوط بغداد في أيدي التتار بثلاث سنوات.
وخوفًا من بطش التتار انتقل به والده إلى (دمشق) وكانت مليئة بالعلماء
والمدارس، فأخذ يتلقى العلم على علمائها وشيوخها حتى وصل عدد شيوخه إلى (200) شيخ، وتفوق (ابن تيمية) في دراسة الحديث والفقه والخط والحساب والتفسير وسنه لا تتجاوز عشر سنوات، فقد كان الطفل الصغير (ابن تيمية) سريع الحفظ، قوي الذاكرة، حتى أدهش أساتذته وشيوخه من شدة ذكائه.
ولم يكن الطفل الصغير (ابن تيمية) كغيره من الأطفال يلعب ويلهو، بل كان يسارع إلى مجالس العلماء يستمع إليهم، ويستفيد منهم، ولما بلغ السابعة عشرة من عمره بدأ في التأليف والإفتاء، فاتسعت شهرته وذاع صيته، ولما توفي والده الذي كان من كبار الفقهاء في الفقه الحنبلي؛ تولى التدريس بدلاً منه.
كان الإمام (ابن تيمية) جريئًا في إظهار رأيه، مدافعًا عن السُّنَّة حتى سمي
بـ(محيي السنة).. عاش ابن تيمية فترة صباه أيام حكم الملك الظاهر بيبرس لمصر والشام الذي عُني بالجهاد في سبيل الله، فوقف (ابن تيمية) معه ثم مع السلطان قلاوون، وجاهد بسيفه ضد التتار الذين هجموا على البلاد، وذهب على رأس وفد من العلماء وقابل (قازان) ملك التتار، وأخذ يخوفه مرة ويقنعه مرة أخرى حتى توقف زحف التتار على دمشق، وأطلق سراح الأسرى.
وكان ابن تيمية قوي الإيمان، فصيح اللسان، شجاع القلب، غزير العلم، وكان وحده قوة عظمى يحسب لها الأعداء ألف حساب، فازداد الناس تعلقًا به، والتفافًا حوله، وظل ابن تيمية يقضي وقته بين التدريس في المساجد، وتبصير الناس بأمور دينهم، وبيان ما أحل الله وحرم، والدفاع عن سنة الرسول صلى الله عليه
وسلم، ولكن أعداءه ومنافسيه كانوا له بالمرصاد، فأوقعوا بينه وبين سلطان
مصر والشام (ركن الدين بيبرس الجاشنكير) فنقل إلى مصر وتمت محاكمته بحضور القضاة وكبار رجال الدولة، فحكموا عليه بالحبس سنة ونصف في القلعة، ثم أخرجوه من السجن، وعقدوا جلسة مناظرة بينه وبين منافسيه وخصومه، فكسب (ابن تيمية) المناظرة، ورغم ذلك لم يتركه الخصوم فنُفِي إلى الشام، ثم عاد مرة أخرى إلى مصر وحبس، ثم نقل إلى الإسكندرية حيث حبس هناك ثمانية أشهر.
واستمرت محنة (ابن تيمية) واضطهاده إلى أن عاد إلى القاهرة حيث قرر السلطان الملك (الناصر محمد بن قلاوون) براءته من التهم الموجهة إليه، وأعطاه الحق في عقاب خصومه الذين كانوا السبب في عذابه واضطهاده، لكن الإمام (ابن تيمية) فضَّل أن يعفو عنهم !! وهكذا تكون شيم الكرام.
وظل (ابن تيمية) في القاهرة ينشر العلم، ويفسر القرآن الكريم، ويدعو المسلمين إلى التمسك بكتاب الله وسنة رسوله، ثم رحل إلى (دمشق) بعد أن غاب عنها سبع سنين، وخلال وجوده هناك أفتى في مسألة، فأمره السلطان بأن يغير رأيه فيها، لكنه لم يهتم بأوامر السلطان وتمسك برأيه وقال: (لا يسعني كتمان العلم) فقبضوا عليه وحبسوه ستة أشهر، ثم خرج من سجنه، ورجع يفتي بما يراه مطابقًا لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
لكن خصومه انتهزوا فرصة إفتائه في مسألة شد الرحال إلى قبور الأنبياء
والصالحين، فقد كان (ابن تيمية) يرى أن تلك الزيارة ليست واجبة على
المسلمين، فشنَّعوا عليه حتى حبس هو وأخوه الذي كان يخدمه، ورغم ذلك لم ينقطع عن التأليف والكتابة، لكنهم منعوه من ذلك، فأرادوا كتمان صوت علمه
أيضًا، فأخرجوا ما عنده من الحبر والورق، فلم تلن عزيمته ولم تضعف همته
وتحداهم، فكان يكتب بالفحم على أوراق مبعثرة هنا وهناك، وكان من أقواله (حبسي خلوة، وقتلي شهادة، ونفيي سياحة).
وقد توفي (ابن تيمية) عام 728هـ وهو على حاله صابرًا مجاهدًا، مشتغلاً
بالعلم، وحضر جنازته أكثر من خمسمائة ألف مسلم، وله مؤلفات كثيرة تجاوزت ثلاثمائة مجلد أغلبها في الفقه وأصوله والتفسير، ومن أهم كتبه (منهاج السنة)
و(درء تعارض العقل والنقل) و(اقتضاء الصراط المستقيم) و(الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان) و(الصارم المسلول على شاتم الرسول) و(الفتاوى الكبرى) و(مجموع الفتاوى) و(السياسة الشرعية في صلاح الراعي والرعية).






رد مع اقتباس
قديم 27-08-2012, 06:50 AM   رقم المشاركة : 24
كنزي
رائدي فـعـّـال
الملف الشخصي






 
الحالة
كنزي غير متواجد حالياً

 


 

سفيان الثوري

في مدينة الكوفة، ولد (سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري) أحد الأئمة الأعلام
سنة 97هـ، وتفتحت عينا سفيان على الحياة، فوجد كتب الحديث والفقه تحيط به من كل جانب، فقد كان والده من العلماء الكبار الذين يحفظون أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نشأ سفيان في أسرة فقيرة صالحة تعبد الله حق عبادته، وكانت أمه تنظر إليه وهو مازال طفلاً وتقول له: (اطلب العلم وأنا أعولك بمغزلي، وإذا كتبت عشرة
أحرف، فانظر هل ترى في نفسك زيادة في الخير، فإن لم تَرَ ذلك فلا تتعبن
نفسك).. فيالها من أم صالحة!! لا تفكر في الجاه ولا الثراء، ولكن كل ما كانت ترجوه لولدها أن يتعلم علمًا نافعًا يبتغي به وجه الله، وبدأ (سفيان) يتعلم ويجعل من والده قدوة صالحة له، ويستجيب لرغبة والدته التي أحبها من قلبه.
ومرت الأيام، وأصبح سفيان شابًّا فتيًّا، وفي إحدى الليالي أخذ يفكر ويسأل نفسه: هل أترك أمي تنفق علي؟ لابد من الكسب والعمل .. لأن أخلف عشرة آلاف درهم أحاسب عليها، أحب إليَّ من أن أحتاج إلى الناس؛ فالمال ضروري للإنسان حتى ولو كان عابدًا زاهدًا، ومن أجل ذلك عمل سفيان بالتجارة، ولم يكن المال هدفه في الحياة، بل وهب سفيان نفسه للعلم وأخذ يتعلم ويحفظ أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصبح في دنياه لا يطلب إلا العلم، فكان يقول: (الرجل إلى العلم أحوج منه إلى الخبز واللحم).
واشتهر سفيان بين الناس بعلمه وزهده وخوفه من الله، وظل طالب علم، متواضعًا يتعلم ويستفيد من الآخرين، يستمع إليهم، ويحفظ ما يقولون، وينشر ما تعلمه على الناس، يأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر، ويملي عليهم أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان سفيان الثوري إذا لقي شيخًا سأله: هل سمعت من العلم شيئًا؟ ولقد منحه الله ذاكرة قوية فحفظ الآلاف من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي كان يحبها أكثر من نفسه.
كان ينصح العلماء ويقول لهم: (الأعمال السيئة داء، والعلماء دواء، فإذا فسد العلماء فمن يشفي الداء؟!) وكان يقول: (إذا فسد العلماء، فمن بقي في الدنيا يصلحهم) ثم ينشد:
يا معشرَ العلماءِ يا مِلْحَ البلدْ
ما يصلح الملحَ إذا الملح فَسَدْ
وبمرور الأيام، كانت شهرة سفيان الثوري تزداد في بلاد الإسلام، ويزداد معها احترام الناس له، لخلقه الطيب، وعلمه الغزير، وحبه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته، حتى إن أحد العلماء قال عنه: ما رأيت أحدًا أعلم من
سفيان، ولا أورع من سفيان، ولا أفقه من سفيان، ولا أزهد من سفيان، وكان الناس يتسابقون إلى مجلسه ويقفون بباب داره في انتظار خروجه.. قال عنه شعبة وغيره: سفيان أمير المؤمنين في الحديث، وقال عبد الرحمن بن مهدي: ما رأيت أحفظ للحديث من الثوري.
ولذلك كان ينصح الناس قائلاً: أكثروا من الأحاديث؛ فإنها سلاح، وكان يتجه إلى الشباب الذي كان ينتظر خروجه من منزله ويقول لهم: (يا معشر الشباب تعجلوا بركة هذا العلم) وكان سفيان لا يخشى أحدًا إلا الله، كثير القراءة للقرآن
الكريم، فإذا تعب من القراءة وضعه على صدره، حريصًا على الصلاة في الثلث الأخير من الليل، وإذا نام قام ينتفض مرعوبًا ينادي: النار النار.. شغلتني النار عن النوم والشهوات، ثم يطلب ماء، فيتوضأ ثم يصلى فيبكي بكاء شديدًا.
عاش سفيان حياته كلها يدعو إلى الله، وكانت سعادته في هداية إنسان عاصٍ أحب إليه من الدنيا وما فيها، وعرض عليه أن يكون قاضيًا فهرب خوفًا من الحساب أمام الله، وأرسلت إليه هدايا الملوك والأمراء فرفضها، فعاش حياته لله، وفي سبيل
الله، وبعد هذه الحياة الكريمة في خدمة الإسلام والمسلمين، مات سفيان الثوري بالبصرة في شعبان سنة 161هـ.






رد مع اقتباس
قديم 27-08-2012, 06:51 AM   رقم المشاركة : 25
كنزي
رائدي فـعـّـال
الملف الشخصي






 
الحالة
كنزي غير متواجد حالياً

 


 

البخاري

فتح عينيه على الحياة فوجد العلم يحيط به من كل جانب، وشاهد منذ طفولته حلقات الحديث والفقه والتفسير تموج بطالبي العلم حول شيخ أو معلم زاده العلم بهاءً ووقارًا، فأحب أن يكون مثل هؤلاء وتطلعت نفسه إلى تحقيق ذلك، فكان له ما أراد؛ فملأ الدنيا علمًا، ورددت الألسنة ذكره إعجابًا وإجلالاً، أليس هو صاحب صحيح البخاري، إنه الإمام (محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة) الإمام الحافظ البخاري.
ولد بمدينة (بخارى) وهي تقع في جمهورية أوزبكستان سنة 194هـ، وكان والده عالم كبير يحفظ آلاف الأحاديث النبوية، ورحل في طلب العلم إلى المدينة
المنورة، وتتلمذ على أيدي كبار العلماء والمحدثين، أمثال: مالك بن أنس، وحماد بن زيد وغيرهما، وكان رجلا غنيًّا، أنعم الله عليه بثروة كبيرة كان ينفقها في الخيرات على الفقراء والمساكين.
توفي والد البخاري وتركه طفلاً مع والدته بعد أن ترك له مالا كثيرًا وعلمًا
نافعًا، وظلت أمه تعطف عليه وتحيطه بحنانها ورعايتها لتعوضه عن فقد أبيه، وما إن بلغ البخاري سن العاشرة حتى ظهرت عليه علامات الذكاء والتفوق؛ فحفظ القرآن الكريم وكثيرًا من الأحاديث النبوية، وتردد على حلقات علماء الحديث في بلده ليتعلم على أيديهم، وعمره إحدى عشرة سنة، وكان مع صغر سنه يصحح لأساتذته وشيوخه ما قد يخطئون فيه.
ومن ذلك ما روي عنه أنه دخل يومًا على أستاذه (الداخلي) فقال الداخلي: عن سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم، فقال له البخاري: إن أبا الزبير لم يروِ عن إبراهيم وقال له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك، فدخل فنظر فيه، ثم رجع فقال: كيف هو يا غلام؟ فقلت: هو الزبير بن عدي عن إبراهيم، فأخذ القلم وأصلح كتابه، وقال لي: صدقت.. وقد ساعد البخاري على ذلك حفظه الجيد للأحاديث، وذاكرته القوية والكتب الكثيرة التي تركها له والده، فحفظها ودرسها دراسة جيدة، وأصبح البخاري -ذلك الغلام الصغير- يحترمه الشيوخ ويقدرونه حق قدره، ولِمَ لا، وهو يحفظ في هذه السن كتب ابن المبارك ووكيع بن الجراح وهما من أئمة الحديث النبوي وكثير من الأحاديث؟!
فقد قرأ على زملائه خمسة عشر ألف حديث عن ظهر قلب، وفي كل يوم كان البخاري يزداد علمًا، وكان مشايخه يأملون له خيرًا ويتوقعون له مستقبلا
كريمًا، وكان من الممكن أن يقنع الفتي الصغير بذلك القدر من العلم، ولكنه رحل مع والدته وأخيه الأكبر أحمد إلى مكة المكرمة لتأدية فريضة الحج وعمره ستة عشر عامًا ولما أدى الفريضة استقر هناك يتعلم الحديث على أيدي علماء مكة وشيوخها، ثم رحل إلى المدينة المنورة فزار قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
وظل في المدينة المنورة سنة، ثم رحل إلى البصرة ليسمع الحديث، ومكث بها خمس سنوات، كان يتردد فيها على مكة المكرمة في مواسم الحج؛ ليلتقي فيها بعلماء المسلمين، وظل البخاري ينتقل في بلاد الإسلام لطلب العلم.
يقول البخاري عن نفسه: لقيت أكثر من ألف رجل، أهل الحجاز والعراق والشام ومصر لقيتهم مرات؟ أهل الشام ومصر والجزيرة مرتين، وأهل البصرة أربع
مرات، ومكثت بالحجاز ستة أعوام، ولا أحصي كم دخلت الكوفة وبغداد مع محدِّثي خراسان.
كتب البخاري الحديث وسمعه عن ألف وثمانين من الشيوخ وحفاظ الحديث، وكان يدوِّن الأحاديث الصحيحة، ويترك الأحاديث التي يشك في أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قالها، وقد أدهش البخاري العلماءَ والشيوخَ لسرعة حفظه للأحاديث حتى ظنوه يشرب دواءً للحفظ، فقد كان البخاري ينظر إلى الكتاب مرةً واحدة فيحفظ ما فيه من أحاديث لا يستطيع غيره أن يحفظها في شهور عديدة.
وفي أحد رحلاته إلى بغداد أراد العلماء أن يختبروه فاجتمعوا واختاروا مائة
حديث، وقلبوا متونها وأسانيدها أي أسندوا الأحاديث إلى غير رواتها، ليمتحنوا حفظه، ودفعوا إلى كل واحد عشرة أحاديث ليلقوها على البخاري في المجلس، فقام أحدهم فسأل البخاري عن حديث من عشرته، فقال: لا أعرفه، وسأله عن آخر فقال: لا أعرفه وهكذا حتى فرغ من أحاديثه العشرة، ثم قام آخر فسأل
البخاري، وكذلك الثالث والرابع إلى آخر العشرة..
فلما فرغوا التفت البخاري إلى الأول منهم فقال له: أما أحاديثك: فالأول قلت كذا وصحته كذا، والثاني قلت كذا وصحته كذا ... إلى آخر العشرة أحاديث؛ وفعل بالآخرين مثل ذلك، عندئذ أقر له الناس بالحفظ.
وكان البخاري عالمًا كبيرًا إذ كان يحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح، مما جعل عشرات الآلاف من طلاب العلم يلتفوا حوله؛ لينهلوا منه ويتتلمذوا عليه، ومن أشهرهم الإمام مسلم صاحب كتاب الجامع الصحيح، وقد أثني العلماء على البخاري، فقال ابن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل البخاري.. وقال قتيبة بن سعيد: جالست الفقهاء والعباد والزهاد فما رأيت منذ عقلت مثل محمد بن إسماعيل (البخاري) وهو في زمانه كعمر في الصحابة .
وكان البخاري كثير العبادة لله -عز وجل- يجتمع مع أصحابه في أول شهر
رمضان، فيصلى بهم ويقرأ في كل ركعة عشرين آية، ويظل هكذا إلى أن يختم القرآن، وكان يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن، وكان يختم بالنهار في كل يوم ختمة ويقول: عند كل ختمة دعوة مستجابة، وكذلك كان ينفق من أمواله الكثيرة التي ورثها عن أبيه على الفقراء من
المسلمين، وتعلم البخاري رمي السهام، ولم يشغله طلب العلم عن ذلك، بل إنه كان يرى ذلك واجبًا على كل مسلم؛ حتى يستطيع الدفاع عن ديار المسلمين.
وعاد البخاري إلى بلدته (بخارى) فاستقبله أهلها أروع استقبال، ومن فرحتهم الشديدة بقدومه نثروا عليه الدراهم والدنانير، فعقد جلسات للعلم في مسجده ومنزله ليورث علمه للمسلمين، ولم يبخل البخاري بعلمه على أحد، غير أن أمير بخارى (خالد بن أحمد) طلب منه أن يأتيه بكتبه؛ حتى يسمعها له ولأولاده في قصره وحدهم، فرفض البخاري أن يستجيب لطلبه، وقال: من أراد أن يتعلم فليأت إلى مجلس العلم، فالعلم يؤتى له ولا يأتي، ولا يمكنني أن أحرم الناس الآخرين من
علمي، وقال لرسول الأمير قل له: إني لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب السلاطين فإن كان له إليَّ شيء منه حاجة فليحضر في مسجدي أو في داري، وإن لم يعجبه هذا فإنه سلطان فليمنعني من الجلوس، ليكون لي عُذر عند الله يوم القيامة لئلا أكتم العلم.
وظل الإمام البخاري عزيزًا كريمًا، لا يخضع لأحد مهما كان مركزه وقدره، فأحبه الناس، وأراه الله في حياته قبل مماته منزلته ومكانته، حيث كان الناس ينصرونه بأنفسهم حفظًا للعلم والعلماء، وكتب إليه أهل بغداد يومًا قائلين:
المسْلِمَونَ بِخَيـْرِ مَا بَقِيـتَ لَهَــمْ
وَلَيْسَ بَعْدَكَ خَيْــرٌ حِـينَ تُفْتَقَــــدُ
وقد كتب الإمام البخاري الكثير من الكتب النافعة؛ من أشهرها: كتابه
(الجامع الصحيح) المعروف بصحيح البخاري الذي كان يغتسل ويصلى ركعتين لله قبل أن يكتب أي حديث فيه، وقد كتبه في ست عشرة سنة، ويعد أصح كتب الحديث على الإطلاق وألف أيضًا (التاريخ الكبير) في تراجم رجال
الحديث، و(الأدب المفرد).
وقد توفي البخاري ليلة عيد الفطر سنة 256هـ بعد أن ملأ الدنيا بعلمه وأضاءها بإخلاصه.. رحم الله البخاري جزاء ما بذل وقدم.






رد مع اقتباس
قديم 27-08-2012, 06:52 AM   رقم المشاركة : 26
كنزي
رائدي فـعـّـال
الملف الشخصي






 
الحالة
كنزي غير متواجد حالياً

 


 

ابن ماجة

يا للعجب!! هاهي ذي أرض الفرس، التي كانت أرضًا للكفر تنجب الكثير من رجال الإسلام وأعمدة دفاعه، ويظهر منها عدد كبير من كبار المحدثين
والفقهاء، يحفظون سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وتحققت بذلك نبوءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كنَّا جلوسًا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فأنزلت عليه سورة الجمعة، وفيها قول الله تعالى: {وآخرين منهم لما يلحقوا بهم} [الجمعة: 3] فقلت: من هم يا رسول الله؟
فلم يجبه الرسول صلى الله عليه وسلم حتى سأله أبو هريرة ثلاث مرات، فوضع الرسول -صلى الله عليه وسلم- يده على سلمان الفارسي -رضي الله عنه- ثم قال: (لو كان الإيمانُ عند الثريا لناله رجال -أو رجل- من هؤلاء) [متفق عليه].
ففي بلدة (قزوين) التي تقع في أذربيجان، ولد (أبو عبدالله محمد بن يزيد القزويني) الشهير بابن ماجه، نسبة إلى لقب والده سنة (209هـ) وكانت ولادته في زمن الخليفة المأمون الذي كان عهده مليئًا بأئمة الفقه والحديث، وكانت (قزوين) قد فتحت في خلافة عثمان ابن عفان -رضي الله عنه- في سنة 24هـ، وأصبحت ذات شهرة كبيرة في رواية الحديث النبوي الشريف، فمن أرضها خرج كبار المحدثين الذين يحفظون أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وينشرونها بين الناس.
وقد حفظ ابن ماجه القرآن الكريم، وتعلم الحديث الشريف على يد المشايخ والمحدثين الكبار أمثال: (إسماعيل بن توبة القزويني) وهو محدث وفقيه مشهور، و(هارون بن موسى بن حيان التميمي) و(على بن محمد أبو الحسن الطنافسي).. وغيرهم.
رحل ابن ماجه في طلب العلم، وأخذ ينتقل من بلد إلى آخر، ليتعلم ويسمع من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب إلى خراسان، والعراق، والحجاز ومصر، والشام.. وغيرها من البلاد، ثم أنهى ابن ماجه رحلاته في طلب الحديث وعاد إلى بلده (قزوين) وأمضى بها بقية عمره في خدمة الحديث إلى أن توفي في عهد
الخليفة العباسي (المعتمد على الله) في يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء الموافق
الثاني والعشرين من رمضان سنة 273هـ عن عمر يقارب الرابعة والستين.
وكانت لابن ماجه مؤلفات في التفسير والتاريخ، إلا أن أشهر كتبه (السنن) الذي استحق به الإمامة في الحديث الشريف، فهو من كتب الحديث المعتمدة عند علماء الحديث، وأحد كتب الحديث الستة المعروفة، وهي صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن الترمذي وسنن أبي داود وسنن النسائي وسنن ابن ماجه، وقد احتوت سنن ابن ماجه على كثير من الأحاديث التي لم تروها كتب الحديث الأخرى، كما تضم سنن ابن ماجه أربعة آلاف من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.






رد مع اقتباس
قديم 27-08-2012, 06:52 AM   رقم المشاركة : 27
كنزي
رائدي فـعـّـال
الملف الشخصي






 
الحالة
كنزي غير متواجد حالياً

 


 

أبو داود

في إقليم صغير مجاور لإقليم السند يدعي (سجستان) ولد (أبو داود سليمان بن الأشعث بن بشر بن شداد بن إسحق السجستاني) سنة 202 هـ، وأحب الحديث منذ صغره، فطاف البلاد يسمع الأحاديث من المشايخ الكبار في الشام ومصر والجزيرة والعراق وخراسان.. وغيرها من أمثال (أحمد بن حنبل) و(يحيي بن معين) و(مسدد بن مسرهد) و(قتيبة بن سعيد).
تألق نجم أبي داود في الحديث واشتهر بعلمه وعمله، حتى أصبح من كبار أئمة الإسلام في عصره، وروي عنه الترمذي والنسائي وغيرهما من الأئمة الأعلام، ذهب أبو داود إلى بغداد ومنها إلى البصرة ويروى في سبب رحيله إليها: أنه ذات يوم طرق باب أبي داود طارق؛ ففتح له الخادم، فإذا بالأمير (أبو أحمد الموفق) ولي عهد الخليفة العباسي يستأذن، فأذن له أبو داود، فدخل الأمير وأقبل عليه، فقال له أبو داود: ما جاء بالأمير في هذا الوقت؟! فقال: خلال ثلاث، يعني أسباب ثلاثة:
أما الأولى: أن تنتقل إلى البصرة فتتخذها وطنًا، ليرحل إليك طلبة العلم من أقطار الأرض، فتعمر بك، بعد أن خربت وانقطع عنها الناس بعد محنة الزنج.
والثانية: أن تروي لأولادي كتاب (السنن).
والثالثة: أن تفرد لهم مجلسًا لأن أبناء الخلفاء لا يجلسون مع العامة!! فقال أبو داود: أما الثالثة فلا سبيل إليها لأن الناس شريفهم ووضيعهم في العلم سواء.
وحاز كتاب السنن الذي جمعه أبو داود وعُرِفَ بـ(سنن أبي داود) إعجاب الناس وتقدير العلماء، فقد روي أنها قُرئت على ابن الأعرابي فأشار إلى النسخة، وهي بين يديه، وقال: لو أن رجلا لم يكن عنده من العلم إلا كتاب الله عز وجل ثم هذا الكتاب يقصد سنن أبي داود، لم يحتج إلى شيء من العلم بعد ذلك، وهذا الكتاب الذي يبلغ عدد أحاديثه نحو أربعة آلاف حديث وثماني مائة حديث اختارها أبو داود من بين خمس مائة ألف حديث كتبها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان أبو داود متمسكًا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، حريصًا كل الحرص على تطبيقها، وبيان أهميتها للناس ليقوموا بأدائها، وكان لأبي داود منهج أشبه بمنهج الصحابة في اتباع السنة النبوية والتسليم بها، وترك الجدل في الأمور التي تشعل نار الفتنة بين المسلمين.
مات أبو داود عن ثلاثة وسبعين عامًا، قضاها في خدمة السنة النبوية المطهرة، بعد أن ترك له ابنًا يشبهه في كثير من صفاته هو: الحافظ (أبو بكر عبد الله بن أبي داود) الذي كان تلميذًا نجيبًا لوالده، وشارك أباه في التتلمذ على شيوخه بمصر
والشام، وسمع الحديث عن كبار العلماء ببغداد وخراسان وأصبهان وسجستان وشيراز، فصار عالمًا فقيهًا، وألف كتاب (المصابيح).
رحم الله أبا داود وجزاه الله عن الإسلام خيرًا، لقد كان للسنة النبوية الشريفة حصنًا منيعًا.






رد مع اقتباس
قديم 27-08-2012, 06:53 AM   رقم المشاركة : 28
كنزي
رائدي فـعـّـال
الملف الشخصي






 
الحالة
كنزي غير متواجد حالياً

 


 

ابن حجر العسقلاني

كان يوم وفاته يومًا مشهودًا، اجتمع في تشييع جنازته من الناس ما لا يحصيهم إلا الله، حتى كادت تتوقف حركة الحياة بمصر، يتقدمهم سلطان مصر والخليفة العباسي والوزراء والأمراء والقضاة والعلماء، وصلَّت عليه البلاد الإسلامية صلاة الغائب، في مكة وبيت المقدس، والخليل.. وغيرها، ورثاه الشعراء بقصائدهم، والكتاب برسائلهم.
إنه شيخ الإسلام (شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد العسقلاني) المصري المولد والنشأة، المعروف بابن حجر، وهو لقب لبعض آبائه، وُلِد بمصر العتيقة (الفسطاط) في 12 شعبان سنة 773هـ، ونشأ يتيمًا، فما كاد يتم الرضاعة حتى فقد أمه، وما إن بلغ الرابعة من عمره حتى توفي أبوه في رجب 777هـ، تاركًا له مبلغًا من المال أعانه على تحمل أعباء الحياة، ومواصلة طلب العلم.
وبعد موت أبيه، كفله (زكي الدين الخروبي) كبير تجار مصر، الذي قام بتربيته والعناية به، فحفظ ابن حجر القرآن الكريم، وجوَّده وعمره لم يبلغ التاسعة، ولما رحل الخروبي إلى الحج سنة 784هـ رافقه ابن حجر وهو في نحو الثانية عشرة من عمره، ليدرس في مكة الحديث النبوي الشريف على يد بعض علمائها.
ولما عاد إلى القاهرة، درس على عدد كبير من علماء عصره أمثال: (سراج الدين بن الملقن) و(البلقيني) و(العز بن جماعة) و(الشهاب البوصيري) ثم قام ابن حجر برحلات دراسية إلى الشام والحجاز واليمن، واتصل بمجد الدين الشيرازي، وتعلم اللغة صاحب (القاموس المحيط) عليه يديه، غير أن ابن حجر وجد في نفسه ميلا وحبًّا إلى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- فأقبل عليه منكبًّا على علومه مطالعة
وقراءة، وأجازه معظم شيوخه بالرواية وإصدار الفتاوى والقيام بالتدريس، فكانت تقام له حلقات الدرس، ويجلس فيها العلماء في كل بلد يرحل إليه، حتى انتهت إليه الرياسة في علم الحديث في الدنيا بأسرها، وبلغت شهرته الآفاق، وارتحل أئمة العلم إليه من كل أنحاء العالم الإسلامي.
وقد أَهَّلَه علمه الغزير أن يشغل عدة مناصب مهمة، فقام بتدريس الحديث والتفسير في المدرسة الحسنية، والمنصورية، والجمالية، والشيخونية والصالحية.. وغيرها من المدارس الشهيرة بمصر، كما تولى مشيخة المدرسة البيبرسية، وولي الإفتاء
بدار العدل، وتولى ابن حجر منصب القضاء، واستمر في منصبه نحو عشرين سنة شهد له فيها الناس بالعدل والإنصاف، وإلى جانب ذلك تولى الخطابة في الجامع الأزهر ثم جامع عمرو بن العاص .
وكان من عادة ابن حجر أن يختم في شهر رمضان قراءة صحيح البخاري على مسامع تلاميذه شرحًا وتفسيرًا، وكانت ليلة الختام بصحيح البخاري كالعيد؛ حيث يجتمع حوله العلماء والمريدون والتلاميذ، ثم توج حبَّه لصحيح البخاري وشغفه به بأن ألَّف كتابًا لشرحه سماه (فتح الباري بشرح صحيح البخاري) استغرق تأليفه
ربع قرن من الزمان!! حيث بدأ التأليف فيه في أوائل سنة 817هـ وانتهى منه في غرة رجب سنة 842هـ.
وهذا الكتاب يصفه تلميذه (السخاوي) بأنه لم يكن له نظير، حتى انتشر في الآفاق وتسابق إلى طلبه سائر ملوك الأطراف، وقد بيع هذا الكتاب آنذاك بثلاثمائة دينار وقد كتب الله لابن حجر القبول في زمانه، فأحبه الناس؛ علماؤهم وعوامهم، كبيرهم وصغيرهم، رجالهم ونساؤهم، وأحبه أيضًا النصارى، وكانت أخلاقه الجميلة وسجاياه الحسنة هي التي تحملهم على ذلك، فكان يؤثر الحلم واللين، ويميل إلى الرفق وكظم الغيظ في معالجة الأمور، يصفه أحد تلاميذه بقوله: كل ذلك مع شدة تواضعه وحلمه وبهائه، وتحريه في مأكله ومشربه وملبسه وصيامه وقيامه، وبذله وحسن عشرته ومحاضراته النافعة، ورضي أخلاقه، وميله لأهل الفضائل، وإنصافه في البحث ورجوعه إلى الحق وخصاله التي لم تجتمع لأحد من أهل عصره.
وقد ترك لنا ابن حجر ثروة ضخمة من الكتب تزيد على المائة والخمسين
كتابًا، أهمها:
(فتح الباري بشرح صحيح البخاري) و(تهذيب التهذيب) في تراجم رجال الحديث و(بلوغ المرام من أدلة الأحكام) في الفقه و(الإصابة في تمييز الصحابة)
و(الدرر الكامنة) في أعيان المائة الثامنة، و(القول المسدد في الذبِّ عن مسند
الإمام أحمد).. وغيرها، وفي ليلة السبت 28 ذي الحجة سنة 852هـ توفي شيخ الإسلام، وحامل لواء السنة (ابن حجر العسقلاني).






رد مع اقتباس
قديم 27-08-2012, 06:54 AM   رقم المشاركة : 29
كنزي
رائدي فـعـّـال
الملف الشخصي






 
الحالة
كنزي غير متواجد حالياً

 


 

الطبري

في بلاد (طبرستان).. بلاد العلم والأدب والفقه، وفي أجمل مدنها..مدينة (آمُل) العريقة عاصمة طبرستان، والتي تقع الآن في دولة أذربيجان، جنوب بحر قزوين، وُلد حجَّة العلوم، وعالم العلماء في عصره، الإمام (محمد بن جرير الطبري)
سنة 224هـ، ولُقب بالطبري لأن أهل طبرستان جميعًا يُنْسَبون إليها؛ فيقال لكل واحد منهم طبري، فكان أهل طبرستان كثيري الحروب، فكان كل منهم يحمل سلاحه في يده، وهو نوع من الأشجار يسمى (الطبر).
لم يكد الطبري يبلغ السن التي تؤهله للتعلم حتى عهد به والده إلى علماء (آمُل) وسرعان ما تفتح عقله، وبدت عليه علامات النبوغ، فكان هذا النبوغ المبكر حافزًا لأبيه على إكمال تعليم ابنه، وبخاصة أنه رأى رؤية تفاءل من تأويلها، قال الطبري: (رأى أبي في النوم أنني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعي مِخلاة مملوءةٌ بالأحجار، وأنا أرمي بين يديه) وقصَّ رؤياه على مفسر للأحلام، فقال له: إن ابنك إن كبر نصح في دينه، ودافع عن شريعته، فحرص أبي على معونتي من أجل طلب العلم وأنا حينئذ صبي صغير.
أخذ ابن جرير الطبري يرحل في طلب العلم، فتعلم الفقه ببغداد، والمغازي والسير في الكوفة، ثم توجه ناحية مصر، وفي طريقه إليـها مرَّ ببيـروت، وقضـى بها عدة أيام حتى قرأ القرآن برواية الشاميين، ثم واصل مسيرته، وفي مصر تلقى الطبري
العلم، فأخذ من علمائها قراءة (حمزة) (وَوَرْش) ثم عاد إلى بغداد مرة أخرى، وانقطع للعلم والدراسة والتأليف في كثير من الأوقات، وكان يتاجر بقية الوقت
ليأتي برزقه.
وكان الطبري عالي الهمة،عظيم الاجتهاد؛ ومما يحكى عنه: أن رجلاً جاءه يسأله في العَرُوض (وهو علم يعرف به الشعر من النثر) ولم يكن الطبري له إلمام كبير بهذا العلم فقال له: علي قولٌ ألا أتكلم اليوم في شيء من العروض، فإذا كان في غد فتعالَ إلي، ثم طلب أبو جعفر كتاب العروض، فتدارسه في ليلته، وقال: أمسيت غير عَرُوضي، وأصبحت عروضيًّا.
وقد تمكن ابن جرير من نواحي العلم، وأدلى بدلوه فيها، حتى أصبح إمام عصره بغير منازع، وقد قيل عنه: كان كالقارئ الذي لا يعرف إلا القرآن، وكالمحدث الذي لا يعرف إلا الحديث، وكالفقيه الذي لا يعرف إلا الفقه، وكالنحوي الذي لا يعرف إلا النحو.. وظل الطبري أربعين عامًا يكتب كل يوم أربعين ورقة، قاصدًا بذلك وجه الله، بما ينفع به الإسلام والمسلمين، وكان رحمه الله من العباد الزهاد، يقوم الليل، نظيفًا في ظاهره وباطنه، ظريفًا، حسن العشرة، مهذبًا في جميع أحواله.
من مؤلفاته العظيمة: (تفسير القرآن) المعروف بتفسير الطبري في 30 جزءًا، وهو من أجلِّ التفاسير وأعظمها، و(تاريخ الرسل والملوك) في 11 مجلدًا، وهو يعد أَوْفَى عمل تاريخي بين مصنفات العرب، و(لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام).. وغير ذلك الكثير.. وفي يوم السبت ليومين بقيا من شوال سنة 310هـ فاضت روحه إلى بارئها، تاركًا للمسلمين تراثًا علميًّا ضخمًا، نفع الإسلام والمسلمين، فجزاه الله خير الجزاء.






رد مع اقتباس
قديم 27-08-2012, 06:54 AM   رقم المشاركة : 30
كنزي
رائدي فـعـّـال
الملف الشخصي






 
الحالة
كنزي غير متواجد حالياً

 


 

الألوسي

في سنة 1217هـ/ 1852م سعدت (بغداد) بميلاد (أبي الثناء شهاب الدين محمود الألوسي) أمير المفسرين في العصر الحديث!!
تطلع منذ صغره إلى العلم، فأخذ العلم عن كبار العلماء في عصره أمثال الشيخ
(خالد النقشبندي) والشيخ (علي السويدي) فضلاً عن والده الذي تعلم على
يديه، ظهرت علامات النبوغ والذكاء على شهاب الدين الألوسي منذ صغره، حتى إنه اشتغل بالتدريس وهو في الثالثة عشرة من عمره، وهبه الله قوة الذاكرة، يقول عن نفسه: ما استودعت ذهني شيئًا فخانني، ولا دعوت فكري لمعضلة إلا وأجابني.
لم يترك الألوسي علمًا من علوم الدين إلا وقرأ فيه، فكان يسهر الليالي، ويضحِّي براحته وصحته طلبًا للمعرفة، ورغم هذا المجهود الكبير الذي كان يبذله فإنه كان يشعر بسعادة كبيرة، وفي داره قام بتدريس علوم الدين، فتتلمذ على يديه
الكثيرون، ولم يكن يفيض عليهم من علمه الواسع فحسب، بل كان يعطف عليهم ويرعاهم، ويعطيهم من ملبسه ومأكله ويسكنهم بيته!!
ولما ترك الألوسي منصب الإفتاء بالعراق، تفرغ لتفسير القرآن الكريم، وتعلقت نفسه رغبة لإتمام هذا العمل، فكان في أحيان كثيرة يقوم من نومه، ويترك فراشه حين يخطر بذهنه معنى جديد لم يذكره المفسرون السابقون عليه، ولا يهدأ له بال حتى يسجل خواطره في كراريسه، وعندئذ يعود إليه الهدوء، ويزول عنه القلق والتوتر، ويذهب إلى فراشه حيث يستسلم للنوم.
وكان يجمع كل ما كتبه غيره في التفسير، وينقيها من كل شائبة (الإسرائيليات) ويظهر الحقيقة جلية واضحة، كل ذلك في أسلوب رائع جذاب، حتى أصبح تفسيره الذي سمي (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني) من أحسن التفاسير جامعًا لآراء السلف، مشتملا على أقوال الخلف بكل أمانة وعناية، فهو جامع لخلاصة كل ما سبقه من كتب التفاسير.. وكانت مؤلفات الإمام الألوسي في أنواع مختلفة من العلوم والمعارف، أهمها تفسيره الشهير بـ(تفسير الألوسي) و(دقائق التفسير) و(غرائب الاغتراب).. وغير ذلك من الكتب.
توفي الإمام الكبير في يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة
سنة 1270هـ/ 1854م بعد أن ملأ الأرض علمًا، ودفن مع أهله في مقبرة الشيخ (معروف الكرخي) في (الكرخ).






رد مع اقتباس
 
إضافة رد

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
موسوعة موسوعة رائعة من رسائل الجوال لجميع المناسبات راحة البال °• ( رسـائــ Mms و Sms ـــل ) °• 13 24-09-2012 11:15 PM
أعمال الرائدية في رمضان لهذا العام 1433 هـ ( أعمال مميزة ومسابقات شيقة ) أبو رائد إرشيف التغطيات والمناسبات بالخفجي
20 07-09-2012 08:56 PM
~ أعمال السرائر ~ عبق الورد المنتدى الإسلامي 9 19-09-2011 05:28 PM
موسوعة أعمال المرأة الصالحة اسد الله المنتدى الإسلامي 2 15-02-2007 11:22 PM



الساعة الآن 02:57 PM.

كل ما يكتب فى  منتديات الرائدية  يعبر عن رأى صاحبه ،،ولا يعبر بالضرورة عن رأى المنتدى .
سفن ستارز لخدمات تصميم وتطوير واستضافة مواقع الأنترنت