للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 31
" أقيموا صفوفكم وتراصوا , فإني أراكم من وراء ظهري " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 39 :
رواه البخاري ( 2 / 176 بشرح " الفتح " طبع بولاق ) وأحمد ( 3 / 182 , 263 ) والمخلص في " الفوائد " ( ج 1 / 10 / 2 ) من طرق عن حميد الطويل , حدثنا " أنس بن مالك " قال : " أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال : " . فذكره . زاد البخاري في رواية : " قبل أن يكبر " وزاد أيضا فى آخره : " وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه . وقدمه بقدمه " . وهي عند المخلص بلفظ : قال أنس : " فلقد رأيت أحدنا يلصق منكبه بمنكب صاحبه , وقدمه بقدمه " . فلو ذهبت تفعل هذا اليوم لنفر أحدكم كأنه بغل شموس . وسنده صحيح أيضا على شرط الشيخين وعزاها الحافظ لسعيد بن منصور والإسماعيلي وترجم البخاري لهذا الحديث بقوله : " باب إلزاق المنكب بالمنكب , والقدم بالقدم في الصف " . وأما حديث النعمان فهو : " أقيموا صفوفكم ثلاثا , والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن بين قلوبكم " .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 32
" أقيموا صفوفكم ثلاثا , والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن بين قلوبكم " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 39 :
أخرجه أبو داود ( رقم 662 ) , وابن حبان ( 396 ) , وأحمد ( 4 / 276 ) , والدولابي في " الكنى " ( 2 / 86 ) عن أبي القاسم الجدلي حسين بن الحارث , قال : سمعت " النعمان بن بشير " يقول : " أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال : ..." فذكره , قال : " فرأيت الرجل يلصق منكبه بمنكب صاحبه , وركبته بركبة صاحبه , وكعبه بكعبه " . قلت : وسنده صحيح , وعلقه البخاري مجزوما به , ووصله ابن خزيمة أيضا في " صحيحه " كما في " الترغيب " ( 1 / 176 ) و" الفتح " ( 2 / 176 ) . ثم رواه الدولابي من طريق بقية بن الوليد , حدثنا حريز قال : سمعت غيلان المقرىء يحدث عن أبي قتيلة مرثد بن وداعة ( قال : سمعت ) النعمان بن بشير يقول : فذكره . وهذا سند لا بأس به في المتابعات , ورجاله ثقات غير غيلان المقرىء , ولعله غيلان بن أنس الكلبي مولاهم الدمشقي , فإن يكن هو , فهو مجهول الحال , روى عنه جماعة , وقال الحافظ : إنه مقبول .
فقه الحديث :
وفي هذين الحديثين فوائد هامة :
الأولى : وجوب إقامة الصفوف وتسويتها والتراص فيها , للأمر بذلك , والأصل فيه الوجوب إلا لقرينة , كما هو مقرر في الأصول , والقرينة هنا تؤكد الوجوب وهو قوله صلى الله عليه وسلم : " أو ليخالفن الله بين قلوبكم " . فإن مثل هذا التهديد لا يقال فيما ليس بواجب , كما لا يخفى .
الثانية : أن التسوية المذكورة إنما تكون بلصق المنكب بالمنكب , وحافة القدم بالقدم , لأن هذا هو الذي فعله الصحابة رضي الله عنهم حين أمروا بإقامة الصفوف ولهذا قال الحافظ في " الفتح " بعد أن ساق الزيادة التي أوردتها في الحديث الأول من قول أنس : " وأفاد هذا التصريح أن الفعل المذكور كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم , وبهذا يتم الاحتجاج به على بيان المراد بإقامة الصف وتسويته " . ومن المؤسف أن هذه السنة من التسوية قد تهاون بها المسلمون , بل أضاعوها إلا القليل منهم , فإني لم أرها عند طائفة منهم إلا أهل الحديث , فإني رأيتهم في مكة سنة ( 1368 ) حريصين على التمسك بها كغيرها من سنن المصطفى عليه الصلاة والسلام بخلاف غيرهم من أتباع المذاهب الأربعة - لا أستثني منهم حتى الحنابلة - فقد صارت هذه السنة عندهم نسياً منسياً , بل إنهم تتابعوا على هجرها والإعراض عنها , ذلك لأن أكثر مذاهبهم نصت على أن السنة في القيام التفريج بين القدمين بقدر أربع أصابع , فإن زاد كره , كما جاء مفصلا في " الفقه على المذاهب الأربعة " ( 1 / 207 ) , والتقدير المذكور لا أصل له في السنة , وإنما هو مجرد رأي , ولو صح لوجب تقييده بالإمام والمنفرد حتى لا يعارض به هذه السنة الصحيحة , كما تقتضيه القواعد الأصولية . وخلاصة القول : إنني أهيب بالمسلمين - و خاصة أئمة المساجد - الحريصين على اتباعه صلى الله عليه وسلم واكتساب فضيلة إحياء سنته صلى الله عليه وسلم أن يعملوا بهذه السنة ويحرصوا عليها , ويدعوا الناس , إليها حتى يجتمعوا عليها جميعا . وبذلك ينجون من تهديد " أو ليخالفن الله بين قلوبكم " .
الثالثة : في الحديث الأول معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم , وهي رؤيته صلى الله عليه وسلم من ورائه , ولكن ينبغي أن يعلم أنها خاصة في حالة كونه صلى الله عليه وسلم في الصلاة , إذ لم يرد في شيء من السنة , أنه كان يرى كذلك خارج الصلاة أيضا . والله أعلم .
الرابعة : في الحديثين دليل واضح على أمر لا يعلمه كثير من الناس , وإن كان صار معروفا في علم النفس , وهو أن فساد الظاهر يؤثر في فساد الباطن , والعكس بالعكس , وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة , لعلنا نتعرض لجمعها وتخريجها في مناسبة أخرى إن شاء الله تعالي .
الخامسة : أن شروع الإمام في تكبيرة الإحرام عند قول المؤذن " قد قامت الصلاة " بدعة , لمخالفتها للسنة الصحيحة كما يدل على ذلك هذان الحديثان , لاسيما الأول منهما , فإنهما يفيدان أن على الإمام بعد إقامة الصلاة واجبا ينبغي عليه القيام به , وهو أمر الناس بالتسوية مذكرا لهم بها , فإنه مسؤول عنهم : " كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته ... " .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 33
" يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه , وينسى الجذع أو الجدل في عينه معترضا " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 42 :
رواه ابن صاعد في " زوائد " الزهد " لابن المبارك " ( ق 165 / 1 من " الكواكب " 575 ) وابن حبان في " صحيحه ( 1848 ) وأبو نعيم في " الحلية " ( 4 / 99 ) والقضاعي في " مسند الشهاب " ( ق 51 / 1 ) من طرق عن محمد ابن حمير قال : حدثنا جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن " أبي هريرة " مرفوعا . وقال أبو نعيم : " غريب من حديث يزيد تفرد به محمد بن حمير عن جعفر " . قلت : ورجاله كلهم ثقات رجال الصحيح , ولا علة فيه , فهو حديث صحيح , ولا ينافيه قوله " غريب " لأن الغرابة قد تجامع الصحة كما هو مقرر في " مصطلح الحديث " . والحديث عزاه السيوطي في " الجامع الصغير " لأبي نعيم فقط ! وقال المناوي : " قال العامري : حسن " . ورواه البخاري في " الأدب المفرد " ( 592 ) من طريق مسكين بن بكير الحذاء الحراني عن جعفر بن برقان به موقوفا على أبي هريرة . ومسكين هذا صدوق يخطىء , فرواية ابن حمير المرفوعة أرجح , لأنه لم يوصف بالخطأ وكلاهما من رجال البخاري .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 34
" إذا ذكر أصحابي فأمسكوا , وإذا ذكر النجوم فأمسكوا , وإذا ذكر القدر فأمسكوا " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 42 :
روي من حديث " ابن مسعود , و ثوبان , وابن عمر , وطاووس " مرسلا , وكلها ضعيفة الأسانيد , ولكن بعضها يشد بعضا . أما حديث ابن مسعود , فأخرجه الطبراني في " الكبير " ( 2 / 78 / 2 ) وأبو نعيم في " الحلية " ( 4 / 108 ) من طريق الحسن بن علي الفسوي أنبأنا سعيد ابن سليمان أنبأنا مسهر بن عبد الملك بن سلع الهمداني عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله مرفوعا . وقال أبو نعيم : " غريب من حديث الأعمش , تفرد به عنه مسهر " . قلت : وهو ضعيف , قال البخاري : " فيه بعض النظر " كذا رواه عنه ابن عدي ( 343 / 1 ) وكذلك هو في " التهذيب " وفي " الميزان " : " قال البخاري : فيه نظر " بإسقاط لفظة " بعض " ولعله سهو من الذهبي أو الناسخ . وقال النسائي " ليس بالقوي " . وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " ! وقال الحافظ في " التقريب " " لين الحديث " . وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين غير الفسوي هذا , ترجمه الخطيب ( 7 / 372 ) وروى عن الدارقطني أنه قال : " لا بأس به " . وسعيد بن سليمان هو الضبي الواسطي , ثقة حافظ من رجال الشيخين . ومن هذا البيان تعلم خطأ قول الهيثمي ( 7 / 202 ) . " رواه الطبراني و فيه مسهر بن عبد الملك وثقه ابن حبان وغيره , وفيه خلاف , وبقية رجاله رجال الصحيح " . فإن الفسوي هذا ليس من رجال الصحيح بل ولا من رجال سائر الستة ! وقال الحافظ العراقي في " تخريج الأحياء " ( 1 / 50 طبع الثقافة الإسلامية ) : " رواه الطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد حسن " . وله عن ابن مسعود طريق آخر , رواه اللالكائي في " شرح أصول السنة " ( 239 / 1 من " الكواكب " 576 ) وابن عساكر ( 14 / 155 / 2 ) عن النضر أبي قحذم عن أبي قلابة عن ابن مسعود مرفوعا . وهذا سند ضعيف و فيه علتان :
الأولى : الانقطاع بين أبي قلابة - واسمه عبد الله بن زيد الجرمي - وابن مسعود , فإن بين وفاتيهما نحو ( 75 ) سنة , وقد ذكروا أنه لم يسمع من جماعة من الصحابة منهم علي بن أبي طالب , وقد مات بعد ابن مسعود بثمان سنين .
الثانية : النضر أبو قحذم وهو ابن معبد , ضعيف جدا , قال ابن معين : " ليس بشيء " , وقال أبو حاتم : " يكتب حديثه " , وقال النسائي : " ليس بثقة " . وأما حديث ثوبان فأخرجه أبو طاهر الزيادي في " ثلاثة مجالس من الأمالي " ( 191 / 2 ) الطبراني في " الكبير " ( 1 / 71 / 2 ) عن يزيد بن ربيعة قال : سمعت أبا الأشعث الصنعاني يحدث عن ثوبان به مرفوعا . قلت . وهذا سند ضعيف جداً , يزيد بن ربيعة هو الرحبي الدمشقي وهو متروك , كما قال النسائي والعقيلي والدارقطني , وقال أبو حاتم . " كان في بدء أمره مستويا , ثم اختلط قبل موته , قيل له فما تقول فيه ? فقال : ليس بشيء , وأنكر أحاديثه عن أبي الأشعث " . وقال الجوزجاني : " أخاف أن تكون أحاديثه موضوعة " .وأما ابن عدي فقال : " أرجو أنه لا بأس به " ! وأما حديث ابن عمر , فأخرجه ابن عدي ( 295 / 1 ) وعنه السهمي في " تاريخ جرجان " ( 315 ) من طريق محمد بن فضل عن كرز بن وبرة عن عطاء عنه مرفوعا به دون ذكر النجوم . وقال ابن عدي : " محمد بن فضل عامة حديثه مما لا يتابعه الثقات عليه " . قلت : وهو ابن عطية , قال الفلاس : كذاب . وضعفه البخاري جدا فقال : " سكتوا عنه " . وكرز بن وبرة , ترجم له السهمي ترجمة طويلة ( 295 - 316 ) وساق له أحاديث كثيرة من روايته عن عبد الله بن عمر , والربيع بن خيثم , وطاووس , ونعيم ابن أبي هند , وعطاء بن أبي رباح , ومجاهد , وأبي أيوب , وقال : " إنه كان معروفا بالزهد والعبادة " . ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا . طريق ثان عن ابن عمر : أخرجه السهمي ( 254 - 255 ) من طريق محمد بن عمر الرومي حدثنا الفرات بن السائب حدثنا ميمون بن مهران عنه مرفوعا بتمامه . وهذا سند ضعيف جداً , الفرات هذا قال الدارقطني وغيره : " متروك " . وقال البخاري : " منكر الحديث " . وقال أحمد : " قريب من محمد بن زياد الطحان في ميمون , يتهم بما يتهم به ذاك " . وقال ابن عدي ( 314 / 2 ) : " وعامة أحاديثه خاصة عن ميمون بن مهران مناكير " . ومحمد بن عمر الرومي لين الحديث .كما في " التقريب " . والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية الطبراني عن ابن مسعود , وابن عدي عنه وعن ثوبان , وابن عدي عن عمر . وقال المناوي في شرحه : " قال الحافظ العراقي : سنده ضعيف , وقال الهيثمي : فيه يزيد بن ربيعة ضعيف . وقال ابن رجب , روي من وجوه في أسانيدها كلها مقال . وبه يعرف ما في رمز المؤلف لحسنه تبعا لابن ***** , ولعله اعتضد " . قلت : قد عرفت أن طرقه كلها ما عدا الأول ضعيفة جدا , فلا يتقوى الحديث بها كما تقرر في علم أصول الحديث . والله أعلم . ثم إن السيوطي عزاه لابن عدي عن عمر , ولم أره عنده عن عمر , بل عن ابنه عبد الله بن عمر , فلعله سقط من قلم السيوطي أو بعض النساخ كلمة ( ابن ) والله أعلم .
ثم وجدت للحديث شاهدا مرسلا , أخرجه عبد الرزاق في " الأمالي " ( 2 / 39 / 1 ) حدثنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه مرفوعا به . قلت : و هذا سند صحيح لولا إرساله , ولكنه مع ذلك شاهد قوي لما قبله من الشواهد والطرق , وخاصة الطريق الأول , فيقوى الحديث به . والله أعلم .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 35
" إن الله استقبل بي الشام , وولى ظهري اليمن , ثم قال لي : يا محمد إني قد جعلت لك ما تجاهك غنيمة ورزقا , وما خلف ظهرك مددا , ولا يزال الله يزيد أو قال يعز الإسلام وأهله , وينقص الشرك وأهله , حتى يسير الراكب بين كذا - يعني البحرين - لا يخشى إلا جورا , وليبلغن هذا الأمر مبلغ الليل " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 46 :
رواه أبو نعيم ( 6 / 107 - 108 ) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 1 / 377 - 378 ط ) عن ضمرة عن السيباني عن عمرو بن عبد الله الحضرمي عن " أبي أمامة " مرفوعا . وقال : " غريب من حديث السيباني تفرد به ضمرة بن ربيعة " . قلت : وهو ثقة وكذا السيباني وهو بفتح المهملة ووقع في " الحلية " و " التاريخ " في مواطن عدة ( الشيباني ) بالمعجمة وهو تصحيف , واسمه يحيى ابن أبي عمرو . وأما الحضرمي هذا فوثقه العجلي وابن حبان , لكن قال الذهبي : " ما علمت روى عنه سوى يحيى " . قلت : ولشطره الثاني شواهد تقدم أحدها في المقال الأول ( رقم 3 ) . وقد تابعه عبد الله بن هانىء عند ابن عساكر , ولم أعرفه . والحديث عزاه السيوطي في " الجامع الكبير " ( 1 / 141 / 1 ) للطبراني في " الكبير " أيضا و ابن عساكر
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 36
" الأذنان من الرأس " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 47 :
حديث صحيح له طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة منهم " أبو أمامة , وأبو هريرة , وابن عمرو , وابن عباس , وعائشة , وأبو موسى , وأنس , وسمرة بن جندب , وعبد الله بن زيد " .
1 - أما حديث أبي أمامة , فله عنه ثلاثة طرق :
الأول : عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة مرفوعاً . رواه أبو داود , والترمذي , وابن ماجه , والدارقطني , والبيهقي , وكذا أحمد ( 5 / 285 / 268 ) والطحاوي كلهم عن حماد بن زيد عن سنان به . وهذا سند حسن لا بأس به في الشواهد , وفي سنان وشهر ضعف معروف لكنهما غير متهمان , والحديث عندهم عن جماعة عن حماد به . وخالفهم سليمان ابن حرب , فرواه عنه به موقوفاً . ورواية الجماعة أولى كما بينته في " صحيح سنن أبي داود " ( رقم 123 ) . وذكرت هناك من قواه من الأئمة والعلماء كالترمذي , فإنه حسنه في بعض نسخ كتابه , وكالمنذري وابن دقيق العيد وابن التركماني والزيلعي , وأشار إلى تقويته الإمام أحمد , فقال الأثرم في " سننه " ( ق 213 / 1 ) بعد أن ساق الحديث : " سمعت أبا عبد الله يسأل : الأذنان من الرأس ? قال : نعم " .
الثاني : عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة به . أخرجه الدارقطني ( ص 38 - 39 ) وقال : " جعفر بن الزبير متروك " . قلت : قد تابعه أبو معاذ الألهاني . أخرجه تمام الرازي في " الفوائد " ( 246 / 1 ) من طريق عثمان بن فائد حدثنا أبو معاذ به . والألهاني هذا لم أجد من ذكره , وعثمان بن فائد ضعيف .
الثالث : عن أبي بكر بن أبي مريم قال : سمعت راشد بن سعد عن أبي أمامة به . أخرجه الدارقطني وقال " أبو بكر بن أبي مريم ضعيف " .
2 - وأما حديث أبي هريرة , فله أربعة طرق :
الأول : أخرجه الدارقطني ( 37 ) وأبو يعلى في " مسنده " ( 298 / 1 ) عن إسماعيل بن مسلم عن عطاء عنه مرفوعاً . وقال : " لا يصح " . قلت : وعلته إسماعيل هذا وهو المكي ضعيف , وقد اختلف عليه في إسناده كما سيأتي في حديث ابن عباس .
الثاني : عن عمرو بن الحصين حدثنا محمد بن عبد الله بن علاثة عن عبد الكريم
الجزري عن سعيد بن المسيب عنه . رواه ابن ماجه ( رقم 445 ) والدارقطني ( ص 38 ) وقال : " عمرو بن الحصين وابن علاثة ضعيفان " . قلت : والأول أشد ضعفاً .
الثالث : عن البختري بن عبيد عن أبيه عنه . رواه الدارقطني وقال " البختري بن عبيد ضعيف وأبوه مجهول " .
الرابع : عن علي بن عاصم عن ابن جريج , عن سليمان بن موسى , عن أبي هريرة . أخرجه الدارقطني ( 37 ) وعنه ابن الجوزي في " التحقيق " ( 1 / 29 / 1 ) وقال الدارقطني : " وهم علي بن عاصم في قوله : عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم . والذي قبله أصح عن ابن جريج " قلت : يعني عن سليمان بن موسى مرسلاً وسيأتي ص 51 . وأجاب ابن الجوزي بما خلاصته : أن زيادة الثقة مقبولة . يعني أن علي بن عاصم زاد في السند أبا هريرة فهي زيادة مقبولة . لكن هذا لا يتمشى هنا , فإن ابن عاصم هذا صدوق يخطىء ويصر .
3 - وأما ابن عمر , فله عنه طرق أيضاً :
الأول : قال المخلص في " الفوائد المنتقاة " في " الثاني من السادس منها " ( ق 190 / 1 ) : حدثنا يحيى ( يعني ابن صاعد ) قال : حدثنا الجراح بن مخلد قال : حدثنا يحيى بن العريان الهروي قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد عن نافع عنه . وبهذا السند رواه الدارقطني ( 36 ) وعنه ابن الجوزي , ورواه الخطيب في " الموضح " ( 1 / 111 ) عن ابن صاعد , وفي " التاريخ " ( 14 / 161 ) من طريقين آخرين عن الجراح بن مخلد به . وهذا سند حسن عندي , فإن رجاله كلهم ثقات معروفون غير الهروي هذا فقد ترجمه الخطيب ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً , غير أنه وصفه بأنه كان محدثاً . وأما الدارقطني فقد أعله بقوله : " كذا قال , وهو وهم , والصواب عن أسامة بن زيد , عن هلال بن أسامة الفهري , عن ابن عمر موقوفاً " . ورده ابن الجوزي بقوله : " قلنا : الذي يرفعه يذكر زيادة , والزيادة من الثقة مقبولة , والصحابي قد يروى الشيء مرفوعاً , وقد يقوله على سبيل الفتوى " . قلت : هذا كلام صحيح لو كان رجال السند كلهم ثقات , وقد علمت ما فيه , على أن أسامة بن زيد فيه ضعف يسير , وقد اختلف عليه فيه , فرواه حاتم ابن إسماعيل عنه مرفوعاً , كما رأيت . وخالفه وكيع فقال عنه به موقوفا على ابن عمر . أخرجه الخطيب في " الموضح " و قال : " وهو الصواب " . وتابعه في رفعه عبيد الله عن نافع . أخرجه الدارقطني وتمام في " الفوائد " ( 104 / 1 ) من طريق محمد بن أبي السري حدثنا عبد الرزاق عن عبيد الله به . وقال الدارقطني : " رفعه وهم " . قلت : وعلته ابن أبي السري و هو متهم . وتابعه يحيى بن سعيد عن نافع به . أخرجه الدارقطني وابن عدي " في الكامل " ( 11 / 1 ) عن إسماعيل بن عياش عن يحيى به . وقال ابن عدي : " لا يحدث به عن يحيى غير ابن عياش " . قلت : وابن عياش ضعيف في الحجازيين وهذا منها .
الثاني : عن محمد بن الفضل , عن زيد , عن مجاهد , عن ابن عمر مرفوعاً . رواه الدارقطني وقال : " محمد بن الفضل هو ابن عطية , متروك الحديث " . ثم رواه هو والدولابي في " الكنى " ( 2 / 137 ) , من طرق عن ابن عمر موقوفاً .
4 - وأما حديث ابن عباس , فله عنه طرق أيضاً :
الأول : عن أبي كامل الجحدري , أنبأنا غندر محمد بن جعفر , عن ابن جريج عن عطاء عنه مرفوعاً . أخرجه ابن عدي ( 218 / 1 - 2 ) وأبو عبد الله الفلاكي في " الفوائد " ( 91 / 1 ) , والدارقطني ( 36 ) وقال : " تفرد به أبو كامل عن غندر , وهو وهم , تابعه الربيع بن بدر , وهو متروك , عن ابن جريج , والصواب : عن ابن جريج , عن سليمان بن موسى , عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً " . وتعقبه ابن الجوزي في " التحقيق " ( 1 / 29 / 1 ) بقوله : " قلنا : أبو كامل لا نعلم أحداً طعن فيه , والرفع زيادة , والزيادة من الثقة مقبولة , كيف ووافقه غيره , فإن لم يعتد برواية الموافق اعتبر بها . ومن عادة المحدثين أنهم إذا رأوا من أوقف الحديث , ومن رفعه , وقفوا مع الواقف احتياطاً وليس هذا مذهب الفقهاء , ومن الممكن أن يكون ابن جريج سمعه من عطاء مرفوعاً رواه له سليمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مسند " . قلت : والحق أن هذا الإسناد صحيح , لأن أبا كامل ثقة , حافظ , احتج به مسلم , فزيادته مقبولة , إلا أن ابن جريج مدلس وقد عنعنه . فإن كان سمعه من سليمان فلا محيد من القول بصحته , وقد صرح بالتحديث في رواية له من الوجه المرسل عند الدارقطني , لكن في الطريق إليه العباس بن يزيد وهو البحراني , وهو ثقة , ولكن ضعفه بعضهم , ووصف بأنه يخطىء , فلا تطمئن النفس لزيادته لاسيما والطريق كلها عن ابن جريج معنعنة , ثم رأيت الزيلعي نقل في " نصب الراية " ( 1 / 19 ) , عن ابن القطان أنه قال : " إسناده صحيح لاتصاله وثقة رواته " . ثم رد على الدارقطني بنحو ما فعل ابن الجوزي , وتبعه عبد الحق على ذلك كما في " تنقيح التحقيق " لابن عبد الهادي ( 241 / 1 ) . ثم رأيت في ترجمة ابن جريج من " التهذيب " أنه قال : " إذا قلت : قال عطاء : فأنا سمعته منه , وإن لم أقل : سمعت " , فهذه فائدة هامة , ولكن ابن جريج لم يقل هنا : " قال عطاء " , وإنما قال : " عن عطاء " . فهل حكمهما واحد , أم يختلف ? الظاهر عندي الأول . والله أعلم . وله طريق آخر عن عطاء رواه القاسم بن غصن عن إسماعيل بن مسلم عنه . رواه الخطيب في " التاريخ " ( 6 / 384 ) , والدارقطني وقال : " إسماعيل بن مسلم ضعيف , والقاسم بن غصن مثله , خالفه علي بن هاشم فرواه عن إسماعيل بن مسلم المكي , عن عطاء , عن أبي هريرة , ولا يصح أيضاً " . وتابعه جابر الجعفي عن عطاء عن ابن عباس . أخرجه المخلص في " الثاني من السادس من الفوائد المنتقاة " ( 190 / 1 ) , والدارقطني , وقال : " جابر ضعيف و قد اختلف عنه , فأرسله الحكم بن عبد الله أبو مطيع عن إبراهيم بن طهمان , عن جابر عن عطاء , وهو أشبه بالصواب " .
الثاني : عن محمد بن زياد اليشكري حدثنا ميمون بن مهران عنه . رواه العقيلي في " الضعفاء " ( ص 379 ) , والدارقطني , وقال : " محمد بن زياد متروك الحديث " , ورواه يوسف بن مهران عن ابن عباس موقوفاً . ثم ساقه من طريق علي بن زيد عنه . وابن زيد فيه ضعف .
الثالث : عن قارظ بن شيبة , عن أبي غطفان عنه . رواه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 3 / 98 / 1 ) : حدثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل , حدثني أبي أنبأنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن قارظ بن شيبة به . قلت : وهذا سند صحيح ورجاله كلهم ثقات , ولا أعلم له علة , ومن الغرائب أن هذه الطريق مع صحتها أغفلها كل من خرج الحديث من المتأخرين كالزيلعي , وابن حجر , وغيرهما ممن ليس مختصاً في التخريج , بل أغفله أيضاً الحافظ الهيثمي فلم يورده في " مجمع الزوائد " مع أنه على شرطه ! وهذا كله مصداق قول القائل : " كم ترك الأول للآخر " . وهو دليل واضح على أهمية الرجوع إلى الأمهات عند إرادة التحقيق في حديث ما , فإنه سيجد فيها ما يجعل بحثه أقرب ما يكون نضجاً وصواباً . والله تعالى هو الموفق . وإذا عرفت هذا فلا تغتر بقول الحافظ ابن حجر في " الدراية " ( ص 7 ) في حديث ابن عباس هذا : " أخرجه الدارقطني واختلف في وصله وإرساله والراجح إرساله " . فإنه يعني الطريق الأولى , وقد عرفت أن الصواب وصله , وأنه صحيح لولا عنعنة ابن جريج , على أنه قد عرفت الجواب عنها .
5 - وأما حديث عائشة , فأخرجه الدارقطني ( ص 37 ) عن محمد بن الأزهر الجوزجاني أنبأنا الفضل بن موسى السيناني , عن ابن جريج , عن سليمان بن موسى , عن الزهري عن عروة عنها . وقال : " كذا قال , والمرسل أصح " . يعني ابن جريج عن سليمان مرسلاً كما تقدم في الطريق الأولى عن ابن عباس , ومحمد بن الأزهر قال الحافظ في " التلخيص " ( 33 ) : " كذبه أحمد " .
6 - وأما حديث أبي موسى , فأخرجه الطبراني في " الأوسط " ( 1 / 4 / 1 من زوائده ) , وابن عدي ( 23 / 1 ) , والدارقطني ( 38 ) من طرق عن أشعث عن الحسن عنه . وقال الطبراني : " لا يروى عن أبي موسى إلا بهذا الإسناد " . وكذا رواه العقيلي في " الضعفاء " ( ص 9 ) عن أشعث به وقال : " لا يتابع عليه , والأسانيد في هذا الباب لينة " . وقال الدارقطني : " الصواب موقوف , والحسن لم يسمع من أبي موسى " .
7 - وأما حديث أنس , فأخرجه ابن عدي ( 24 / 1 ) وأبو الحسن الحمامي في " الفوائد المنتقاة " ( 9 / 1 / 2 ) , والدارقطني ( 39 ) من طرق عن عبد الحكم عنه . وقال الدارقطني : " عبد الحكم لا يحتج به " .
8 - وأما حديث سمرة بن جندب , فرواه تمام الرازي في " مسند المقلين من الأمراء والسلاطين " ( رقم 3 - نسختي ) , وعنه ابن عساكر في " تاريخه " ( 14 / 387 / 1 ) : حدثني أبو علي محمد بن هارون بن شعيب , حدثنا محمد بن عثمان ابن أبي سويد البصري , حدثنا هدبة بن خالد , حدثنا همام عن سعيد بن أبي عروبة قال : كنت عند منبر الحجاج بن يوسف فسمعته يقول : حدثني سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره . وأبو علي هذا هو الأنصاري وهو ضعيف جداً , ولكنه لم يتفرد به , فقد أخرجه تمام ( رقم 4 ) من طريق أخرى عن أحمد بن سعيد الطبري , حدثنا هدبة ابن خالد به وهدبة ومن فوقه ثقات غير الحجاج وهو الأمير المشهور بالظلم .
9 - وأما حديث عبد الله بن زيد , فأخرجه بن ماجة ( رقم 443 ) : حدثنا سويد ابن سعيد حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة , عن شعبة عن حبيب ابن زيد , عن عباد بن تميم , عن عبد الله بن زيد مرفوعاً . قال الزيلعي ( 1 / 19 ) : " وهذا أمثل إسناد في الباب لاتصاله وثقة رجاله , فابن أبي زائدة وشعبة وعباد احتج بهم الشيخان , وحبيب ذكره ابن حبان في " الثقات " في أتباع التابعين , وسويد بن سعيد احتج به مسلم " . وتعقبه الحافظ في " الدراية " ( ص 7 ) بأن سويداً هذا قد اختلط . وقال في " التقريب " : " صدوق في نفسه إلا أنه عمي , فصار يتلقن ما ليس من حديثه , وأفحش فيه ابن معين القول " . ولهذا قال البوصيري في " الزوائد " ( ق 33 / 2 ) : " هذا إسناد حسن إذا كان سويد بن سعيد حفظه " . أقول : ولكن ذلك لا يمنع أن يكون حسناً لغيره ما دام أن الرجال كلهم ثقات ليس فيهم متهم . وإذا ضم إليه طريق ابن عباس الصحيح وطريقه الآخر الذي صححه ابن القطان , وابن الجوزي , والزيلعي وغيرهم , فلا شك حينئذ في ثبوت الحديث وصحته , وإذا ضم إلى ذلك الطريق الأخرى عن الصحابة الآخرين , ازداد قوة , بل إنه ليرتقي إلى درجة المتواتر عند بعض العلماء .
فقه الحديث :
وإذ قد صح الحديث , فهو يدل على مسألتين من مسائل الفقه , اختلفت أنظار العلماء فيها .
أما المسألة الأولى فهي :
أن مسح الأذنين هل هو فرض أم سنة ? ذهب إلي الأول الحنابلة . وحجتهم هذا الحديث , فإنه صريح في إلحاقهما بالرأس , وما ذلك إلا لبيان أن حكمهما في المسح كحكم الرأس فيه . وذهب الجمهور إلي أن مسحهما سنة فقط , كما في الفقه على المذاهب الأربعة ( 1 / 56 ) . ولم نجد لهم حجة يجوز التمسك بها في مخالفة هذا الحديث إلا قول النووي في " المجموع " ( 1 / 415 ) إنه ضعيف من جميع طرقه ! وإذا علمت أن الأمر ليس كذلك , وأن بعض طرقه صحيح لم يطلع عليه النووي . والبعض الآخر صحيح لغيره , استطعت أن تعرف ضعف هذه الحجة ووجوب التمسك بما دل عليه الحديث من وجوب مسح الأذنين وأنهما في ذلك كالرأس , وحسبك قدوة في هذا المذهب إمام السنة أبو عبد الله أحمد بن حنبل , وسلفه في ذلك جماعة من الصحابة , تقدم تسمية بعضهم في أثناء تخريج الحديث , وقد عزاه النووي ( 1 / 413 ) إلى الأكثرين من السلف .
وأما المسألة الأخرى فهي :
هل يكفي في مسح الأذنين ماء الرأس , أم لابد لذلك من جديد ? ذهب إلى الأول الأئمة الثلاثة كما في " فيض القدير " للمناوي فقال في شرح الحديث : " ( الأذنان من الرأس ) لا من الوجه ولا مستقلتان , يعني فلا حاجة إلى أخذ ماء جديد منفرد لهما غير ماء الرأس في الوضوء , بل يجزىء مسحهما ببلل ماء الرأس , وإلا لكان بيانا للخلقة فقط , والمصطفى صلى الله عليه وسلم لم يبعث لذلك , وبه قال الأئمة الثلاثة " . وخالف في ذلك الشافعية , فذهبوا إلى أنه يسن تجديد الماء للأذنين ومسحهما على الانفراد , ولا يجب , واحتج النووي لهم بحديث عبد الله بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ لأذنيه ماء خلاف الذي أخذ لرأسه . قال النووي في " المجموع " ( 1 / 412 ) : " حديث حسن , رواه البيهقي , وقال : إسناده صحيح " . وقال في مكان آخر ( 1 / 414 ) : " وهو حديث صحيح كما سبق بيانه قريباً , فهذا صريح في أنهما ليستا من الرأس , إذ لو كانتا منه لما أخذ لهما ماء جديدا كسائر أجزاء الرأس , وهو صريح في أخذ ماء جديد " . قلت : ولا حجة فيه على ما قالوا , إذ غاية ما فيه مشروعية أخذ الماء لهما , وهذا لا ينافي جواز الاكتفاء بماء الرأس , كما دل عليه هذا الحديث , فاتفقا ولم يتعارضا , ويؤيد ما ذكرت أنه صح عنه صلى الله عليه وسلم : " أنه مسح برأسه من فضل ماء كان في يده " . رواه أبو داود في " سننه " بسند حسن كما بينته في " صحيح سننه " ( رقم 121 ) وله شاهد من حديث ابن عباس في " المستدرك " ( 1 / 147 ) بسند حسن أيضاً , ورواه غيره . فانظر " تلخيص الحبير " ( ص 33 ) . وهذا كله يقال على فرض التسليم بصحة حديث عبد الله بن زيد , ولكنه غير ثابت , بل هو شاذ كما ذكرت في " صحيح سنن أبي داود " ( رقم 111 ) وبينته في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " تحت رقم ( 997 ) . وجملة القول , فإن أسعد الناس بهذا الحديث من بين الأئمة الأربعة أحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين , فقد أخذ بما دل عليه الحديث في المسألتين , ولم يأخذ به في الواحدة دون الأخرى كما صنع غيره .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 37
" غطوا الإناء وأوكوا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 57 :
رواه مسلم ( 6 / 105 ) وأحمد ( 3 / 355 ) من طريق القعقاع بن حكيم عن " جابر بن عبد الله " مرفوعاً . ( أوكوا ) أي شدوا رءوسها بالوكاء وهو الخيط الذي تشد به القربة ونحوها . وفي رواية لمسلم وغيره : ( غطوا الإناء , وأوكوا السقاء , وأغلقوا الباب , وأطفئوا السراج , فإن الشيطان لا يحل سقاءً , ولا يفتح باباً , ولا يكشف إناءً , فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عوداً ويذكر اسم الله فليفعل , فإن الفويسقة ( يعني الفأرة ) تضرم على أهل البيت بيتهم ) . وللحديث طرق وألفاظ أخرى , وقد سقتها في " إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل " رقم ( 38 ) وسيطبع قريباً إن شاء الله تعالى .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 38
" إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ( كله ) ثم لينتزعه , فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى شفاء " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 58 :
ورد من حديث " أبي هريرة , وأبي سعيد الخدري , وأنس بن مالك " .
1 - أما حديث أبي هريرة فله عنه طرق :
الأول : عن عبيد بن حنين قال : سمعت أبا هريرة يقول , فذكره . أخرجه البخاري ( 2 / 329 و 4 / 71 - 72 ) , والدارمي ( 2 / 99 ) , وابن ماجه ( 3505 ) , وأحمد ( 2 / 398 ) , وما بين المربعين زيادة له , وهي للبخاري في رواية له .
الثاني : عن سعيد بن أبي سعيد عنه . رواه أبو داود ( 3844 ) من طريق أحمد , وهذا في " المسند " ( 3 / 229 , 246 ) والحسن بن عرفة في " جزئه " ( ق 91 / 1 ) من طريق محمد بن عجلان عنه به وزاد : " وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء , فليغمسه كله " . وإسناده حسن . وقد تابعه إبراهيم بن الفضل عن سعيد به . أخرجه أحمد ( 2 / 443 ) , وإبراهيم هذا هو المخزومي المدني وهو ضعيف .
الثالث : عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عنه به . أخرجه الدارمي وأحمد ( 2 / 263 , 355 , 388 ) , وسنده صحيح على شرط مسلم .
الرابع : عن محمد بن سيرين عنه به . رواه أحمد ( 2 / 355 , 388 ) , وسنده صحيح أيضاً .
الخامس : عن أبي صالح عنه . رواه أحمد ( 2 / 340 ) , والفاكهي في " حديثه " ( 2 / 50 / 2 ) , بسند حسن .
2 - وأما حديث أبي سعيد الخدري فلفظه : " إن أحد جناحي الذباب سم والآخر شفاء , فإذا وقع في الطعام , فاملقوه , فإنه يقدم السم , ويؤخر الشفاء " .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 39
" إن أحد جناحي الذباب سم والآخر شفاء , فإذا وقع في الطعام فامقلوه , فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 59 :
رواه أحمد ( 3 / 67 ) : حدثنا يزيد قال : حدثنا ابن أبي ذئب , عن سعيد بن خالد قال : دخلت على أبي سلمة فأتانا بزبد وكتلة , فأسقط ذباب في الطعام , فجعل أبو سلمة يمقله بأصبعه فيه , فقلت : يا خال ! ما تصنع ? فقال : إن " أبا سعيد الخدري " حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره . ورواه ابن ماجه ( 3504 ) : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا يزيد بن هارون به مرفوعاً دون القصة . ورواه الطيالسي في " مسنده " ( 2188 ) : حدثنا ابن أبي ذئب به , وعنه رواه النسائي ( 2 / 193 ) , وأبو يعلى في " مسنده " ( ق 65 / 2 ) وابن حبان في " الثقات " ( 2 / 102 ) . قلت : وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير سعيد بن خالد وهو القارظي وهو صدوق كما قال الذهبي والعسقلاني .
3 - وأما حديث أنس : فرواه البزار ورجاله رجال الصحيح . رواه الطبراني في " الأوسط " كما في " مجمع الزوائد " ( 5 / 38 ) , وابن أبي خيثمة في " تاريخه الكبير " . قال الحافظ : وإسناده صحيح , كما في " نيل الأوطار " ( 1 / 55 ) .
أما بعد , فقد ثبت الحديث بهذه الأسانيد الصحيحة , عن هؤلاء الصحابة الثلاثة أبي هريرة وأبي سعيد وأنس , ثبوتاً لا مجال لرده ولا للتشكيك فيه , كما ثبت صدق أبي هريرة رضي الله عنه في روايته إياه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , خلافاً لبعض غلاة الشيعة من المعاصرين , ومن تبعه من الزائغين , حيث طعنوا فيه رضي الله عنه لروايته إياه , واتهموه بأنه يكذب فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم , وحاشاه من ذلك , فهذا هو التحقيق العلمي يثبت أنه بريء من كل ذلك وأن الطاعن فيه هو الحقيق بالطعن فيه , لأنهم رموا صحابياً بالبهت , وردوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لمجرد عدم انطباقه على عقولهم المريضة ! وقد رواه عنه جماعة من الصحابة كما علمت , وليت شعري هل علم هؤلاء بعدم تفرد أبي هريرة بالحديث , وهو حجة ولو تفرد , أم جهلوا ذلك , فإن كان الأول فلماذا يتعللون برواية أبي هريرة إياه , ويوهمون الناس أنه لم يتابعه أحد من الأصحاب الكرام ? ! وإن كان الآخر فهلا سألوا أهل الاختصاص والعلم بالحديث الشريف ? وما أحسن ما قيل :
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة و إن كنت تدري فالمصيبة أعظم
ثم إن كثيرا من الناس يتوهمون أن هذا الحديث يخالف ما يقرره الأطباء وهو أن الذباب يحمل بأطرافه الجراثيم , فإذا وقع في الطعام أو في الشراب علقت به تلك الجراثيم , والحقيقة أن الحديث لا يخالف الأطباء في ذلك , بل هو يؤيدهم إذ يخبر أن في أحد جناحيه داء , ولكنه يزيد عليهم فيقول : " وفي الآخر شفاء " فهذا مما لم يحيطوا بعلمه , فوجب عليهم الإيمان به إن كانوا مسلمين , وإلا فالتوقف إذا كانوا من غيرهم إن كانوا عقلاء علماء ! ذلك لأن العلم الصحيح يشهد أن عدم العلم بالشيء لا يستلزم العلم بعدمه . نقول ذلك على افتراض أن الطب الحديث لم يشهد لهذا الحديث بالصحة , وقد اختلفت آراء الأطباء حوله , وقرأت مقالات كثيرة في مجلات مختلفة كل يؤيد ما ذهب إليه تأييداً أو رداً , ونحن بصفتنا مؤمنين بصحة الحديث وأن النبي صلى الله عليه وسلم ( ما ينطق عن الهوى , إن هو إلا وحي يوحى ) , لا يهمنا كثيرا ثبوت الحديث من وجهة نظر الطب , لأن الحديث برهان قائم في نفسه لا يحتاج إلى دعم خارجي ومع ذلك فإن النفس تزداد إيماناً حين ترى الحديث الصحيح يوافقه العلم الصحيح , ولذلك فلا يخلو من فائدة أن أنقل إلى القراء خلاصة محاضرة ألقاها أحد الأطباء في جمعية الهداية الإسلامية في مصر حول هذا الحديث قال : " يقع الذباب على المواد القذرة المملؤة بالجراثيم التي تنشأ منها الأمراض المختلفة , فينقل بعضها بأطرافه , ويأكل بعضاً , فيتكون في جسمه من ذلك مادة سامة يسميها علماء الطب بـ " مبعد البيكتريا " , وهي تقتل كثيراً من جراثيم الأمراض , ولا يمكن لتلك الجراثيم أن تبقى حية أو يكون لها تأثير في جسم الإنسان في حال وجود مبعد البكتريا . وأن هناك خاصية في أحد جناحي الذباب , هي أنه يحول البكتريا إلى ناحيته , وعلى هذا فإذا سقط الذباب في شراب أو طعام وألقي الجراثيم العالقة بأطرافه في ذلك الشراب , فإن أقرب مبيد لتلك الجراثيم وأول واق منها هو مبعد البكتريا الذي يحمله الذباب في جوفه قريباً من أحد جناحيه , فإذا كان هناك داء فدواؤه قريب منه , وغمس الذباب كله وطرحه كاف لقتل الجراثيم التي كانت عالقة , وكاف في إبطال عملها " . وقد قرأت قديماً في هذه المجلة بحثاً ضافياً في هذا المعنى للطبيب الأستاذ سعيد السيوطي ( مجلد العام الأول ) وقرأت كلمة في مجلد العام الفائت ( ص 503 ) كلمة للطبيبين محمود كمال ومحمد عبد المنعم حسين نقلا عن مجلة الأزهر . ثم وقفت على العدد ( 82 ) من " مجلة العربي " الكويتية ص 144 تحت عنوان : " أنت تسأل , ونحن نجيب " بقلم المدعو عبد الوارث كبير , جواباً له على سؤال عما لهذا الحديث من الصحة والضعف ? فقال : " أما حديث الذباب , وما في جناحيه من داء وشفاء , فحديث ضعيف , بل هو عقلاً حديث مفترى , فمن المسلم به أن الذباب يحمل من الجراثيم والأقذار ... ولم يقل أحد قط أن في جناحي الذبابة داء وفي الآخر شفاء , إلا من وضع هذا الحديث أو افتراه , ولو صح ذلك لكشف عنه العلم الحديث الذي يقطع بمضار الذباب ويحض على مكافحته " .
وفي الكلام على اختصاره من الدس والجهل ما لابد من الكشف عنه دفاعاً عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم , وصيانة له أن يكفر به من قد يغتر بزخرف القول ! فأقول :
أولاً : لقد زعم أن الحديث ضعيف , يعني من الناحية العلمية الحديثية بدليل قوله : " بل هو عقلاً حديث مفترى " . وهذا الزعم واضح البطلان , تعرف ذلك مما سبق من تخريج الحديث من طرق ثلاث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكلها صحيحة . وحسبك دليلا على ذلك أن أحدا من أهل العلم لم يقل بضعف الحديث كما فعل هذا الكاتب الجريء !
ثانياً : لقد زعم أنه حديث مفترى عقلاً . وهذا الزعم ليس وضوح بطلانه بأقل من سابقه , لأنه مجرد دعوى لم يسق دليلاً يؤيده به سوى الجهل بالعلم الذي لا يمكن الإحاطة به , ألست تراه يقول : " ولم يقل أحد ... , ولو صح لكشف عنه العلم الحديث ... " . فهل العلم الحديث - أيها المسكين - قد أحاط بكل شيءٍ علماً , أم أن أهله الذين لم يصابوا بالغرور - كما أصيب من يقلدهم منا - يقولون : إننا كلما ازددنا علماً بما في الكون وأسراره , ازددنا معرفة بجهلنا ! وأن الأمر بحق كما قال الله تبارك وتعالى : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) . وأما قوله : " إن العلم يقطع بمضار الذباب ويحض على مكافحته " ! فمغالطة مكشوفة , لأننا نقول : إن الحديث لم يقل نقيض هذا , وإنما تحدث عن قضية أخرى لم يكن العلم يعرف معالجتها , فإذا قال الحديث : " إذا وقع الذباب .. " فلا أحد يفهم , لا من العرب ولا من العجم , اللهم إلا العجم في عقولهم وإفهامهم أن الشرع يبارك في الذباب ولا يكافحه ?
ثالثاً : قد نقلنا لك فيما سبق ما أثبته الطب اليوم , من أن الذباب يحمل في جوفه ما سموه بـ " مبعد البكتريا " القاتل للجراثيم . وهذا وإن لم يكن موافقاً لما في الحديث على وجه التفصيل , فهو في الجملة موافق لما استنكره الكاتب المشار إليه وأمثاله من اجتماع الداء والدواء في الذباب , ولا يبعد أن يأتي يوم تنجلي فيه معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم في ثبوت التفاصيل المشار إليها علميا , ( ولتعلمن نبأه , بعد حين ) . وإن من عجيب أمر هذا الكاتب وتناقضه , أنه في الوقت الذي ذهب فيه إلى تضعيف هذا الحديث , ذهب إلى تصحيح حديث " طهور الإناء الذي يلغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات : إحداهن بالتراب " فقال : " حديث صحيح متفق عليه " فإنه إذا كانت صحته جاءت من اتفاق العلماء أو الشيخين على صحته , فالحديث الأول أيضاً صحيح عند العلماء بدون خلاف بينهم , فكيف جاز له تضعيف هذا وتصحيح ذاك ? ثم تأويله تأويلاً باطلاً يؤدي إلى أن الحديث غير صحيح عنده في معناه , لأنه ذكر أن المقصود من العدد مجرد الكثرة , وأن المقصود من التراب هو استعمال مادة مع الماء من شأنها إزالة ذلك الأثر ! وهذا تأويل باطل , بين البطلان وإن كان عزاه للشيخ محمود شلتوت عفا الله عنه . فلا أدري أي خطأيه أعظم , أهو تضعيفه للحديث الأول وهو صحيح , أم تأويله للحديث الآخر وهو تأويل باطل ! . وبهذه المناسبة , فإني أنصح القراء الكرام بأن لا يثقوا بكل ما يكتب اليوم في بعض المجلات السائرة , أو الكتب الذائعة , من البحوث الإسلامية , وخصوصاً ما كان منها في علم الحديث , إلا إذا كانت بقلم من يوثق بدينه أولاً , ثم بعلمه واختصاصه فيه ثانياً , فقد غلب الغرور على كثير من كتاب العصر الحاضر , وخصوصاً من يحمل منهم لقب " الدكتور " ! . فإنهم يكتبون فيما ليس من اختصاصهم , وما لا علم لهم به , وإني لأعرف واحداً من هؤلاء , أخرج حديثاً إلى الناس كتاباً جله في الحديث والسيرة , وزعم فيه أنه اعتمد فيه على ما صح من الأحاديث والأخبار في كتب السنة والسيرة ! ثم هو أورد فيه من الروايات والأحاديث ما تفرد به الضعفاء والمتروكون والمتهمون بالكذب من الرواة كالواقدي وغيره , بل أورد فيه حديث : " نحن نحكم بالظاهر , والله يتولى السرائر " , وجزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم , مع أنه مما لا أصل له عنه بهذا اللفظ , كما نبه عليه حفاظ الحديث كالسخاوي وغيره , فاحذروا أيها القراء أمثال هؤلاء . و الله المستعن .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 40
" إذا كان جنح الليل , فكفوا صبيانكم , فإن الشياطين تنتشر حينئذ , فإذا ذهبت ساعة من العشاء فخلوهم " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 65 :
أخرجه البخاري ( 2 / 322 , 4 / 36 - 37 ) , ومسلم ( 6 / 106 ) , وأبو داود ( 3733 ) من طريق عطاء بن أبي رباح عن " جابر بن عبد الله " مرفوعاً . ورواه أحمد ( 3 / 388 ) بنحوه وزاد : " فإن للجن انتشاراً وخطفة " وسنده صحيح . ( جنح الليل ) أي : إذا أقبل ظلامه , قال الطيبي : " جنح الليل " : طائفة منه , وأراد به هنا الطائفة الأولى منه , عند امتداد فحمة العشاء