للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 41
" يعجب ربكم من راعي غنم في رأس شظية بجبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل : انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني , فقد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 65 :
رواه أبو داود في " صلاة السفر " رقم ( 1203 ) , والنسائي في " الأذان " ( 1 / 108 ) وابن حبان ( 260 ) من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن أبا عشانة حدثه عن "عقبة بن عامر " قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره .
قلت : وهذا إسناد مصري صحيح , رجاله كلهم ثقات , وأبو عشانة اسمه حي بن يؤمن وهو ثقة .
( الشظية ) : قطعة من رأس الجبل مرتفعة .
وفي الحديث من الفقه استحباب الأذان لمن يصلي وحده , وبذلك ترجم له النسائي , وقد جاء الأمر به وبالإقامة أيضاً في بعض طرق حديث المسيء صلاته , فلا ينبغي التساهل بهما .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 42
" من أذن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة وكتب له بتأذينه في كل مرة ستون حسنة وبإقامته ثلاثون حسنة " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 66 :
رواه ابن ماجه ( رقم 728 ) , والحاكم ( 1 / 205 ) , وعنه البيهقي ( 1 / 433 ) وابن عدي ( 220 / 1 ) , والبغوي في " شرح السنة " ( 1 / 58 / 1 - 2 ) والضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو " ( 32 / 1 ) , كلهم عن عبد الله بن صالح حدثنا يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن نافع عن " ابن عمر " مرفوعاً .
وقال الحاكم : " صحيح على شرط البخاري " ووافقه الذهبي !
وقال المنذري ( 1 / 111 ) : " وهو كما قال , فإن عبد الله بن صالح كاتب الليث , وإن كان فيه كلام فقد روى عنه البخاري في ( الصحيح ) . وهذا من المنذري أولى من موافقة الذهبي المطلقة على تصحيح الحديث لاسيما وهو قد أورده في ترجمة عبد الله بن صالح هذا في جملة ما أنكر عليه من الأحاديث .
وقال ابن عدي عقب الحديث : " لا أعلم من روى بهذا الإسناد عن ابن وهب ( كذا ولعله ابن أيوب ) غير أن أبي صالح , وهو عندي مستقيم الحديث , إلا أنه يقع في حديثه في أسانيده ومتونه غلط , ولا يتعمد الكذب " .
وقال البغوي : " عبد الله بن صالح كاتب الليث صدوق , غير أنه وقع في حديثه مناكير " .
ولذلك قال البوصيري في " الزوائد " ( ق 48 / 2 ) : " إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن صالح " .
وللحديث علة أخرى وهي : عنعنة ابن جريج .
وقد قال البيهقي عقبه : " وقد رواه يحيى بن المتوكل , عن ابن جريج عمن حدثه , عن نافع . قال البخاري : وهذا أشبه " . قلت : فتبين أن هذا الإسناد لا تقوم به حجة , لكن ذكر له الحاكم شاهداً من طريق ابن وهب , أخبرني ابن لهيعة , عن عبد الله بن أبي جعفر , عن نافع به . وهذا سند صحيح , رجاله كلهم ثقات , وابن لهيعة وإن كان فيه كلام من قبل حفظه فذلك خاص بما إذا كان من غير رواية العبادلة عنه , وابن وهب أحدهم .
قال عبد الغني بن سعيد الأزدي والساجي وغيرهما : " إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح : ابن المبارك وابن وهب والمقريء " .
وبذلك يصير الحديث صحيحاً . والحمد لله على توفيقه . وفي هذا الحديث فضل ظاهر للمؤذن المثابر على أذانه هذه المدة المذكورة فيه ولا يخفى أن ذلك مشروط بمن أذن خالصاً لوجه الله تعالى , لا يبتغي من ورائه رزقاً , ولا رياء , ولا سمعة , للأدلة الكثيرة الثابتة في الكتاب والسنة , التي تفيد أن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما خلص له . ( راجع كتاب الرياء في أول " الترغيب والترهيب " للمنذري ) .
وقد ثبت أن رجلاً جاء إلى ابن عمر فقال : إني أحبك في الله , قال : فاشهد علي أني أبغضك في الله ! قال : ولم ? قال : لأنك تلحن في أذانك , وتأخذ عليه أجراً !
وإن مما يؤسف له حقاً أن هذه العبادة العظيمة , والشعيرة الإسلامية , قد انصرف أكثر علماء المسلمين عنها في بلادنا , فلا تكاد ترى أحداً منهم يؤذن في مسجد ما إلا ما شاء الله , بل ربما خجلوا من القيام بها , بينما تراهم يتهافتون على الإمامة , بل ويتخاصمون ! فإلى الله المشتكى من غربة هذا الزمان .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 43
" يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بشرك وليس عندي من النفقة ما يقوي على بنائه لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله ولهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض ثم لبنيتها على أساس إبراهيم وجعلت لها بابين باباً شرقياً يدخل الناس منه وباباً غربياً يخرجون منه وألزقتها بالأرض وزدت فيها ستة أذرع من الحجر .
( وفي رواية : ولأدخلت فيها الحجر ) فإن قريشاً اقتصرتها حيث بنت الكعبة , فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه فهلمي لأريك ما تركوه منه , فأراها قريباً من سبعة أذرع " .
وفي رواية عنها قالت :
" سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجدر ( أي الحجر ) , أمن البيت هو ? قال : نعم , قلت : فلم لم يدخلوه في البيت ? قال : إن قومك قصرت بهم النفقة , قلت : فما شأن بابه مرتفعاً ? قال : فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا , ( وفي رواية : تعززا أن لا يدخلها إلا من أرادوا , فكان الرجل إذا أراد أن يدخلها يدعونه يرتقي حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط ) ولولا أن قومك حديث عهدهم في الجاهلية , فأخاف أن تنكر قلوبهم , لنظرت أن أدخل الجدر في البيت وأن ألزق بابه بالأرض . فلما ملك ابن الزبير هدمها وجعل لها بابين . ( وفي رواية فذلك الذي حمل ابن الزبير على هدمه , قال يزيد بن رومان : وقد شهدت ابن الزبير حين هدمه وبناه وأدخل فيه الحجر , وقد رأيت أساس إبراهيم عليه السلام حجارة متلاحمة كأسنمة الإبل متلاحكة ) " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 69 :
( عن " عائشة " ) : رواه البخاري ( 1 / 44 , 491 , 3 / 197 , 4 / 412 ) , ومسلم ( 4 / 99 - 100 ) ، وأبو نعيم في " المستخرج " ( ق 174 / 2 ) , والنسائي ( 2 / 34 - 35 ) , والترمذي ( 1 / 166 ) وصححه , والدارمي ( 1 / 53 - 54 ) وابن ماجه ( 2955 ) ، ومالك ( 1 / 363 ) , والأزرقي في " أخبار مكة " ( ص 114 - 115 , 218 - 219 ) ، وأحمد ( 6 / 57 , 67 , 92 , 102 , 113 , 136 , 176 , 179 , 239 , 247 , 253 , 262 ) من طرق عنها .
من فقه الحديث :
يدل هذا الحديث على أمرين :
الأول : أن القيام بالإصلاح إذا ترتب عليه مفسدة أكبر منه وجب تأجيله , ومنه أخذ الفقهاء قاعدتهم المشهورة " دفع المفسدة , قبل جلب المصلحة " .
الثاني : أن الكعبة المشرفة بحاجة الآن إلى الإصلاحات التي تضمنها الحديث لزوال السبب الذي من أجله ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك , وهو أن تنفر قلوب من كان حديث عهد بشرك في عهده صلى الله عليه وسلم , وقد نقل ابن بطال عن بعض العلماء " أن النفرة التي خشيها صلى الله عليه وسلم , أن ينسبوه إلى الانفراد بالفخر دونهم " .
ويمكن حصر تلك الإصلاحات فيما يلي :
1 - توسيع الكعبة وبناؤها على أساس إبراهيم عليه عليه الصلاة والسلام , وذلك بضم نحو ستة أذرع من الحجر .
2 - تسوية أرضها بأرض الحرم .
3 - فتح باب آخر لها من الجهة الغربية .
4 - جعل البابين منخفضين مع الأرض لتنظيم وتيسير الدخول إليها والخروج منها لكل من شاء .
ولقد كان عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قد قام بتحقيق هذا الإصلاح بكامله إبان حكمه في مكة , ولكن السياسة الجائرة أعادت الكعبة بعده إلى وضعها السابق ! وهاك تفصيل ذلك كما رواه مسلم , وأبو نعيم , بسندهما الصحيح عن عطاء قال : " لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاها أهل الشام , فكان من أمره ما كان , تركه ابن الزبير حتى قدم الناس الموسم , يريد أن يجرئهم أو يحربهم على أهل الشام , فلما صدر الناس قال : يا أيها الناس , أشيروا على في الكعبة أنقضها ثم أبني بناءها , أو أصلح ما وهي منها ? قال ابن عباس : فإني قد فرق لي رأي فيها : أرى أن تصلح ما وهي منها , وتدع بيتاً أسلم الناس عليه , وأحجاراً أسلم الناس عليها , وبعث عليها النبي صلى الله عليه وسلم , فقال ابن الزبير : لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجده , فكيف بيت ربكم ?! إني مستخير ربي ثلاثاً ثم عازم على أمري , فلما مضى الثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها , فتحاماه الناس , أن ينزل بأول الناس يصعد فيه أمر من السماء ! حتى صعده رجل فألقى منه حجارة , فلما لم يره الناس أصابه شيء , تتابعوا فنقضوه حتى بلغوا به الأرض , فجعل ابن الزبير أعمدة فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه .
وقال ابن الزبير : إني سمعت عائشة تقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( فذكر الحديث بالزيادة الأولى ثم قال ) : فأنا اليوم أجد ما أنفق ولست أخاف الناس , فزاد فيه خمس أذرع من الحجر حتى أبدى أسا نظر الناس إليه , فبنى عليه البناء وكان طول الكعبة ثماني عشرة ذراعاً , فلما زاد فيه استقصره فزاد في طوله عشر أذرع , وجعل له بابين أحدهما يدخل منه , والآخر يخرج منه , فلما قتل ابن الزبير كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك , ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أس نظر إليه العدول من أهل مكة , فكتب إليه عبد الملك : إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء , أما ما زاد في طوله فأقره وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه , وسد الباب الذي فتحه , فنقضه , وأعاده إلى بنائه " .
ذلك ما فعله الحجاج الظالم بأمر عبد الملك الخاطئ , وما أظن أنه يبرر له خطأه ندمه فيما بعد .
فقد روى مسلم وأبو نعيم أيضاً عن عبد الله بن عبيد قال : " وفد الحارث بن عبد الله على عبد الملك بن مروان في خلافته , فقال عبد الملك : ما أظن أبا حبيب ( يعني : ابن الزبير ) سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمعه منها ، قال الحارث : بلى أنا سمعته منها , قال : سمعتها تقول ماذا ? قال : قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قلت : فذكر الحديث ) قال عبد الملك للحارث : أنت سمعتها تقول هذا ? قال : نعم , قال : فنكث ساعة بعصاه ثم قال : وددت أني تركته وما تحمل " .
وفي رواية لهما عن أبي قزعة : " أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال : قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين يقول : سمعتها تقول : ( فذكر الحديث ) . فقال الحارث بن عبد الله بن ربيعة : لا تقل هذا يا أمير المؤمنين , فأنا سمعت أم المؤمنين تحدث هذا , قال : لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير " .
أقول : كان عليه أن يتثبت قبل الهدم فيسأل عن ذلك أهل العلم , إن كان يجوز له الطعن في عبد الله بن الزبير , واتهامه بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد تبين لعبد الملك صدقه رضي الله عنه بمتابعة الحارث إياه , كما تابعه جماعة كثيرة عن عائشة رضي الله عنها , وقد جمعت رواياتهم بعضها إلى بعض في هذا الحديث , فالحديث مستفيض عن عائشة , ولذلك فإني أخشى أن يكون عبد الملك على علم سابق بالحديث قبل أن يهدم البيت , ولكنه تظاهر بأنه لم يسمع به إلا من طريق ابن الزبير , فلما جابهه الحارث بن عبد الله بأنه سمعه من عائشة أيضاً أظهر الندم على ما فعل , ولات حين مندم . هذا , وقد بلغنا أن هناك فكرة أو مشروعاً لتوسيع المطاف حول الكعبة و نقل مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى مكان آخر , فأقترح بهذه المناسبة على المسؤولين أن يبادروا إلى توسيع الكعبة قبل كل شيء وإعادة بنائها على أساس إبراهيم عليه السلام تحقيقاً للرغبة النبوية الكريمة المتجلية في هذا الحديث , وإنقاذاً للناس من مشاكل الزحام على باب الكعبة الذي يشاهد في كل عام , ومن سيطرة الحارس على الباب الذي يمنع من الدخول من شاء ويسمح لمن شاء , من أجل دريهمات معدودات !
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 44
" خياركم من أطعم الطعام " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 73 :
رواه لوين في " أحاديثه " ( 25 / 2 ) : حدثنا عبيد الله بن عمر عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن " حمزة بن صهيب عن أبيه " قال : قال عمر لصهيب : أي رجل أنت , لولا خصال ثلاث فيك ! قال : وما هن ? قال : اكتنيت وليس لك ولد , وانتميت إلى العرب وأنت من الروم , وفيك سرف في الطعام . قال : أما قولك : اكتنيت ولم يولد لك , فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني أبا يحيى , وأما قولك : انتميت إلى العرب ولست منهم , وأنت رجل من الروم . فإني رجل من النمر بن قاسط فسبتني الروم من الموصل بعد إذ أنا غلام عرفت نسبي , وأما قولك : فيك سرف في الطعام , فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره .
وهكذا أخرجه ابن عساكر ( 8 / 194 - 195 ) والضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " ( 16 / 1 ) والحافظ ابن حجر في " الأحاديث العاليات " ( رقم 25 ) وقال : " حديث حسن رواه ابن ماجه وأبو يعلى والطبراني " . قلت : وله شواهد من حديث جابر وغيره , عند ابن عساكر , يرتقي بها الحديث إلى درجة الصحة . أما ابن ماجه فروى ( 3737 ) قصة الكنية فقط .
وقال البوصيري في " الزوائد " : " إسناده حسن " .
ورواه أحمد ( 6 / 16 ) بتمامه وزاد : " ورد السلام " . وإسناده حسن , وهو وإن كان فيه زهير وهو ابن محمد التميمي الخراساني فإنه من رواية غير الشاميين عنه وهي مستقيمة .
ثم رواه أحمد ( 6 / 333 ) من طريق زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال لصهيب : فذكره نحوه . ورجاله ثقات لكنه منقطع بين زيد وعمر .
وله شاهد عند لوين من حديث أبي هريرة مرفوعاً . ورجاله ثقات غير أبي عبيد مولى عبد الرحمن الراوي له عن أبي هريرة فلم أجد له ترجمة .
من فوائد الحديث
وفي هذا الحديث فوائد :
الأولى : مشروعية الاكتناء , لمن لم يكن له ولد , بل قد صح في البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كنى طفلة صغيرة حينما كساها ثوباً جميلاً فقال لها : هذا سنا يا أم خالد , هذا سنا يا أم خالد " . وقد هجر المسلمون لاسيما الأعاجم منهم هذه السنة العربية الإسلامية , فقلما تجد من يكتني منهم ولو كان له طائفة من الأولاد , فكيف من لا ولد له ? وأقاموا مقام هذه السنة ألقابا مبتدعة , مثل : الأفندي , والبيك , والباشا , ثم السيد , أو الأستاذ , ونحو ذلك مما يدخل بعضه أو كله في باب التزكية المنهي عنها في أحاديث كثيرة . فليتنبه لهذا .
الثانية : فضل إطعام الطعام , وهو من العادات الجميلة التي امتاز بها العرب على غيرهم من الأمم , ثم جاء الإسلام وأكد ذلك أيما توكيد كما في هذا الحديث الشريف , بينما لا تعرف ذلك أوربا , ولا تستذوقه , اللهم إلا من دان بالإسلام منها كالألبان ونحوهم , وإن مما يؤسف له أن قومنا بدؤوا يتأثرون بأوربا في طريقة حياتها , ما وافق الإسلام منها وما خالف , فأخذوا لا يهتمون بالضيافة ولا يلقون لها بالاً , اللهم إلا ما كان منها في المناسبات الرسمية , ولسنا نريد هذا بل إذا جاءنا أي صديق مسلم وجب علينا أن نفتح له دورنا , وأن نعرض عليه ضيافتنا , فذلك حق له علينا ثلاثة أيام , كما جاء في الأحاديث الصحيحة , وإن من العجائب التي يسمعها المسلم في هذا العصر الاعتزاز بالعربية , ممن لا يقدرها قدرها الصحيح , إذ لا نجد في كثير من دعاتها اللفظيين من تتمثل فيه الأخلاق العربية , كالكرم , والغيرة , والعزة , وغيرها من الأخلاق الكريمة التي هي من مقومات الأمم , ورحم الله من قال : وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا وأحسن منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما بعثت لأتمم مكارم ( وفي رواية صالح ) الأخلاق " .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 45
" إنما بعثت لأتمم مكارم ( وفي رواية صالح ) الأخلاق " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 75 :
رواه البخاري في " الأدب المفرد " رقم ( 273 ) , وابن سعد في " الطبقات " ( 1 / 192 ) , والحاكم ( 2 / 613 ) , وأحمد ( 2 / 318 ) , وابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 6 / 267 / 1 ) من طريق ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن " أبي هريرة " مرفوعاً . وهذا إسناد حسن , وقال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم " , ووافقه الذهبي ! وابن عجلان , إنما أخرج له مسلم مقروناً بغيره .
وله شاهد , أخرجه ابن وهب في " الجامع " ( ص 75 ) : أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم مرفوعاً به . وهذا مرسل حسن الإسناد , فالحديث صحيح . وقد رواه مالك في " الموطأ " ( 2 / 904 / 8 ) بلاغا . وقال ابن عبد البر : " هو حديث صحيح متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة وغيره " .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 46
" هؤلاء لهذه وهؤلاء لهذه " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 76 :
رواه المخلص في " الفوائد المنتقاة " ( ج 1 / 34 / 2 ) , والطبراني في " المعجم الصغير " ( ص 73 ) من حديث " ابن عمر " مرفوعاً بزيادة : " فتفرق الناس , وهم لا يختلفون في القدر " . وإسناده صحيح .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 47
" إن الله عز وجل قبض قبضة فقال : في الجنة برحمتي , وقبض قبضة فقال : في النار ولا أبالي " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 76 :
رواه أبو يعلى في " مسنده " ( 171 / 2 ) والعقيلي في " الضعفاء " ( ص 93 ) وابن عدي في " الكامل " ( 66 / 2 ) , والدولابي في " الأسماء والكنى " ( 2 / 48 ) من حديث الحكم بن سنان , عن ثابت , عن " أنس " مرفوعاً .
وقال ابن عدي : " الحكم بن سنان بعض ما يرويه مما لا يتابع عليه " . ونحوه قال العقيلي . قلت : قد توبع عليه فالحديث صحيح , وقد أشار إلي ذلك العقيلي بقوله : " وقد روي في القبضتين أحاديث بأسانيد صالحة " . قلت : وها نحن موردوها إن شاء الله تعالى .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 48
" إن الله عز وجل خلق آدم , ثم أخذ الخلق من ظهره وقال : هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي وهؤلاء إلى النار ولا أبالي , فقال قائل : يا رسول الله فعلى ماذا نعمل ? قال : على مواقع القدر " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 77 :
رواه أحمد ( 4 / 186 ) وابن سعد في " الطبقات " ( 1 / 30 , 7 / 417 ) , وابن حبان في " صحيحه " ( 1806 ) , والحاكم ( 1 / 31 ) والحافظ عبد الغني المقدسي في ( الثالث والتسعين من " تخريجه " 41 / 2 ) من طريق أحمد عن " عبد الرحمن بن قتادة السلمي " , وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً . وقال الحاكم : " صحيح " . ووافقه الذهبي , وهو كما قالا .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 49
" خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى , فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر , وضرب كتفه اليسرى , فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم , فقال للذي في يمينه : إلى الجنة ولا أبالي وقال للذي في كتفه اليسرى : إلى النار ولا أبالي " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 77 :
رواه أحمد وابنه في زوائد " المسند " ( 6 / 441 ) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( ج 15 / 136 / 1 ) .
قلت : وإسناده صحيح .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 50
" إن الله تبارك وتعالى قبض قبضة بيمينه فقال : هذه لهذه ولا أبالي وقبض قبضة أخرى , يعني : بيده الأخرى , فقال : هذه لهذه ولا أبالي " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 78 :
رواه أحمد ( 55 / 68 ) عن " أبي نضرة " قال : " مرض رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , فدخل عليه أصحابه يعودونه , فبكى , فقيل له : ما يبكيك يا عبد الله ! ألم يقل لك رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذ من شاربك ثم أقره حتى تلقاني ? قال : بلى , ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( فذكره , وقال في آخره : ) فلا أدري في أي القبضتين أنا " . وإسناده صحيح .
وفي الباب عن أبي موسى وأبي سعيد وغيرهما فليراجعها من شاء في " مجمع الزوائد " ( 6 / 186 - 187 ) .
وحديث أبي موسى في " حديث لوين " ( 26 / 1 ) وفيه روح بن المسيب وهو صويلح كما قال ابن معين .
واعلم أن الباعث على تخريج هذا الحديث و ذكر طرقه أمران :
الأول : أن أحد أهل العلم وهو الشيخ محمد طاهر الفتني الهندي أورده في كتابه " تذكرة الموضوعات " ( ص 12 ) وقال فيه : " مضطرب الإسناد " ! ولا أدري ما وجه ذلك فالحديث صحيح من طرق كما رأيت , ولا اضطراب فيه , إلا أن يكون اشتبه عليه بحديث آخر مضطرب أو عنى طريقاً أخرى من طرقه , ثم لم يتتبع هذه الطرق الصحيحة له . والله أعلم .
والثاني : أن كثيرا من الناس يتوهمون أن هذه الأحاديث - ونحوها أحاديث كثيرة - تفيد أن الإنسان مجبور على أعماله الاختيارية , ما دام أنه حكم عليه منذ القديم وقبل أن يخلق بالجنة أو النار , وقد يتوهم آخرون أن الأمر فوضى أو حظ فمن وقع في القبضة اليمنى كان من أهل السعادة , ومن كان من القبضة الأخرى كان من أهل الشقاوة , فيجب أن يعلم هؤلاء جميعاً أن الله ( ليس كمثله شيء ) لا في ذاته ولا في صفاته , فإذا قبض قبضة فهي بعلمه وعدله وحكمته , فهو تعالى قبض باليمنى على من علم أنه سيطيعه حين يؤمر بطاعته , وقبض بالأخرى على من سبق في علمه تعالى أنه سيعصيه حين يؤمر بطاعته , ويستحيل على عدل الله تعالى أن يقبض باليمنى على من هو مستحق أن يكون من أهل القبضة الأخرى , والعكس بالعكس , كيف والله عز وجل يقول : ( أفنجعل المسلمين . كالمجرمين . ما لكم كيف تحكمون ) . ثم إن كلا من القبضتين ليس فيها إجبار لأصحابهما أن يكونوا من أهل الجنة أو من أهل النار , بل هو حكم من الله تبارك وتعالى عليهم بما سيصدر منهم من إيمان يستلزم الجنة , أو كفر يقتضي النار والعياذ بالله تعالى منها , وكل من الإيمان أو الكفر أمران اختياريان , لا يكره الله تبارك وتعالى أحداً من خلقه على واحد منهما ( فمن شاء فليؤمن , ومن شاء فليكفر ) , وهذا مشاهد معلوم بالضرورة , ولولا ذلك لكان الثواب والعقاب عبثاً , والله منزه عن ذلك .
ومن المؤسف حقاً أن نسمع من كثير من الناس حتى من بعض المشايخ التصريح بأن الإنسان مجبور لا إرادة له ! وبذلك يلزمون أنفسهم القول بأن الله يجوز له أن يظلم الناس ! مع تصريحه تعالى بأنه لا يظلمهم مثقال ذرة , وإعلانه بأنه قادر على الظلم ولكنه نزه نفسه عنه كما في الحديث القدسي المشهور : " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ... " وإذا جوبهوا بهذه الحقيقة , بادروا إلى الاحتجاج بقوله تعالى : ( لا يسأل عما يفعل ) , مصرين بذلك على أن الله تعالى قد يظلم ولكنه لا يسأل عن ذلك ! تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيراً , وفاتهم أن الآية حجة عليهم لأن المراد بها - كما حققه العلامة ابن القيم وغيره - أن الله تعالى لحكمته وعدله في حكمه ليس لأحد أن يسأله عما يفعل , لأن كل أحكامه تعالى عدل واضح فلا داعي للسؤال .
وللشيخ يوسف الدجوي رسالة مفيدة في تفسير هذه الآية لعله أخذ مادتها من ابن القيم فلتراجع .
هذه كلمة سريعة حول الأحاديث المتقدمة حاولنا فيها إزالة شبهة بعض الناس حولها فإن وفقت لذلك فبها ونعمت , وإلا فإني أحيل القارىء إلي المطولات في هذا البحث الخطير , مثل كتاب ابن القيم السابق , وكتب شيخه ابن تيمية الشاملة لمواضيع هامة هذه أحدها .