لقاء بين الشيخ محمد العوضي والفنان عبد المجيد عبد الله
مصحف عبد المجيد عبد الله... وقلمه
[ الثلاثاء الماضي 7 رمضان 1423، 12 نوفمبر 2002 كان إقلاع طائرة الخطوط الجوية السعودية إلى جدة الساعة الثالثة والنصف عصرا من مطار الكويت، دخلت قاعة استراحة الضيوف وإذا بالمطرب (الفنان) عبد المجيد عبد الله يجلس في إحدى الزوايا وحيدا بدشداشته البيضاء وغترته الحمراء «الشماغ» ونظارته السوداء وسماعة الهاتف النقال على أذنيه، توجهت إليه اقتربت منه أنهى مكالمته واستقبلني بالترحاب واقفا وبعد تبادل السلام والتبريكات بحلول شهر الصيام دارت الدردشة السريعة قبل صعود الطائرة, المسافرون يستغربون من جلوس فنان بجوار إنسان مصنف دينيا، ويوزعون علينا ابتسامات لها إيحاءات والله اعلم بما في النفوس!
فكان مما قلت له: هل حددت تاريخا زمنيا للتوقف عن مشوارك الغنائي؟ أجاب: نعم، قلت من المؤكد أن هذا الموعد بعيد، فرد سريعا بل قريب، قلت: بصراحة أنا أتمنى أن يكون اقرب فهو أريح لك ولنا, سألني عن أحكام الفن في الإسلام وسألته عن
أوضاع الفن في الواقع, وهل هو راض عما يصنعه المغنون والمغنيات؟ وبينت إني لا اطلب فتوى ولكني أريد رأيه من زاوية فنية, فقال: أن أغاني الفيديو كليب مسخرة ما بعدها مسخرة, وسألني: هل رأيت الأغنية الأخيرة للمطرب (,,,)؟ فقلت ما شفتها وان شاء الله ما أشوفها, قال: والله مسخرة وعار وأمر مخجل, سألته أن كان يسمح لي أن انقل رأيه مكتوبا في أغنية هذا
المطرب المفسد مع جواريه الغانيات, قال: لا تذكر اسمه فأنت تعرف السبب, وجاء موعد ركوب الطائرة افترقنا امتلأت
الطائرة لم يبق مكان خال إلا الكرسي الذي بجواري الملاصق للنافذة فدخل عبد المجيد عبد الله وإذا بقدري أن يكون في المقعد المجاور لي فقال بعض الجالسين عندك إياه يا أبو احمد واحد المحرمين في الخلف، قال: فرصتك هالله هالله فيه، يقولون هذه العبارات بلطف وان كانت محرجة لي وللفنان، التفت المطرب على الناس وقال: يا جماعة راح نتوب، راح نتوب، الله يتوب علينا جميعا قلت آمين.
بعد الإقلاع اخرج من شنطته مصحفا جميلا غريب الغلاف حيث كان مذهبا قلت له: من أين اشتريت هذا المصحف؟ قال: هدية من أحد السادة آل البيت الكرام, تناولت المصحف قلبته وإذا بالمهدي كتب في إهدائه للمطرب «لا إله إلا الله، اسأل الله أن يحفظك، ويحميك ويسعدك ويغنيك ويطيل بعمرك» قلت دعوة طيبة أرأيت كم يحب الناس لك الخير؟ استلم مصحفه وبدأ يقرأ القرآن وإذا به يفتح على الجزء التاسع والعشرين على «سورة المعارج» قلت له لم يبق لك إلا جزء واحد وتختم
المصحف، قال نعم، قلت ما شاء الله، خلال الأسبوع الأول من رمضان تختم، قال: يا أخ محمد رمضان شهر القرآن، وأنا أتفرغ في هذا الشهر لكتاب الله، واختمه اكثر من مرة، قلت له: أنت اقتربت من ختمه وأنا ما أزال في الأجزاء الأولى، وقد
نسيت مصحفي فهل تتكرم فتعطيني مصحفك لأقرأ فيه؟ قال بكل سرور واخذ «الملا» يقرأ في مصحف «المطرب», قبل هبوط الطائرة اشترى قلمين أهداهما لي، قلت له هل تصدق أن أول مقال صحافي كتبته في جريدة «الرأي العام» قبل 7 سنوات كان عنوانه «أنت بشر غير عادي» ].
بقلم / محمد العوضي - 13 رمضان 1423هـ
القرآن بصوت طلال مداح! .... [ محمد العوضي ]
صحيح أن رمضان شهر العبادة وتجديد الإيمان ومحاسبة النفس والتوبة النصوح، ولكن صحيح أيضا، أن الفنانين ينشطون في هذا الشهر، ويصبون إنتاجهم الفني الكثيف في الفضائيات التجارية والحكومية, لهذا كان من المناسب أن نسترسل في الحديث عن الفنانين في شهر الصيام والقيام لما لهم من تأثير كبير على صوم الصائمين.
صليت التراويح الخميس الماضي في مدينة جدة، بمسجد الشربتلي، خلف الشيخ القارئ خالد عبد الكافي، وبعد الصلاة شربت القهوة عنده وسمع مني خبر الدردشة والخواطر المتبادلة بيني وبين الفنان المغني عبد المجيد عبد الله على متن الطائرة.
قلت للحاضرين يا إخواني علينا أن نفرق بين صنفين من الناس الأول: هم أعداء الدين وخصوم العقيدة والناقمون على الإسلام الضاجرون بأحكامه وآدابه، الداعون إلى نسفه, والصنف الثاني: هم العصاة المذنبون الخطاءون، وهذا الصنف لا يسلم منه أحد فأنا وأنت وهي وهو وهم وهنّ بشر تعتورنا لحظات الضعف البشري ونقع في المعاصي سواء كانت كبائر أو صغائر، ويتوب الله على من تاب، لكن مشكلة الفنانين والفرق بينهم وبين غيرهم من عصاة المسلمين أن معاصيهم ليست ذاتية محصورة في أشخاصهم، وإنما تتعدى إلى الآخرين، وزاد الطين بلة، انتشار الفضائيات التي ساهمت بجدارة منكوسة، في تسويق الفن
الرخيص، مما يجعل معاصي الفنانين في أعمالهم الهابطة اكثر فتكا بأخلاق الناس ومن ثم اكثر تبعة عليهم عند بارئهم، زد على ذلك، فان معاصي الناس مستورة بينهم وبين خالقهم بينما معاصي الفنانين فيها إعلان ومجاهرة وبالألوان وعلى مدار الساعة, وفي هذا يقول الرسول الكريم «كل أُمتي معافى إلا المجاهرون»، ومع ذلك فالفنانون أصناف ودرجات ومستويات تماما كأي شريحة في أي مهنة أو انتماء.
ودائما كنت أقول أن معركتنا الأساسية ليست مع العصاة، وإنما مع الصنف الأول أعداء الدين أما هؤلاء الفنانون فهم أعداء أنفسهم، وكثير منهم يؤوب إلى رشده فيكون افضل من كثير من شيوخ الدين.
المعنى الآخر الذي احب أن اذكره في هذا السياق، هو أن بعض الدعاة إلى الدين، ينظر إلى هؤلاء الفنانين نظرة الشامت بهم، المستعلي عليهم بروح ملؤها الغرور، وهنا نذكر بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم «لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله
ويبتليك», أين نظرة المؤمن الرحيم المحب أن يعم الخير وتسود الهداية على جميع الناس، صحيح أحيانا يغضب الدعاة وسائر الناس من فجور بعض الفنانين المعلن، غيرة منهم على الدين، ولكن الأصل ينبغي أن يكون الداعية مشفقاً على العاصين
ورحيما بالغافلين الشاردين عن طريق الله, وكم هم الفنانون والفنانات، الذين يتمنون أن يأتي اليوم الذي يخلصهم الله فيه من هذا البلاء الذي شغلوا به وكم من فنان صار من عباد الله الصالحين المصلحين، وكم من شيخ دين ارتد أو تزندق، وأخيرا
اخبرني الشيخ خالد عبد الكافي بأن الفنان طلال مداح رحمه الله قبل وفاته بسنة سجل المصحف بصوته كاملا، أملا في رحمة الله وفضله وسيقدم لي نسخة من التسجيل,,, يا ناس كل إنسان يتوق إلى الخير، واذكروا محاسن موتاكم.
محمد العوضي - 15 رمضان 1423هـ