عندما يكون الزواج من أجل راتب الزوجة!
جعل الله الزواج سكنا ومودة ورحمة، يستظل بظلاله الرجل والمرأة وفق عقد شرعي يجمع بينهما من أجل إنشاء أسرة تستجيب لتعاليم الإسلام السمحة وتوجهاته السامية من أجل المساهمة في الحفاظ على قوام المجتمع الإسلامي الذي تشكل الأسرة المسلمة لبناته وعناصر لحمته.
ومما لاشك فيه أن الشروط المطلوبة في الزواج الإسلامي الفاضل والخصائص التي ذكرها القرآن والسنة النبوية لا تلتفت إلى الموارد المادية التي تكفل التمويل الكافي لمتطلبات الأسرة وحاجياتها إلا في حدود الحديث عن قوامة الرجل الذي يدخل في إطارها قدرة الزوج على الإنفاق، لكن هذه الأيام وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي غشت جميع دول العالم ومن ضمنها الدول الإسلامية وفي ظل الغلاء الفاحش الذي أصاب كل الموارد والمنتجات الضرورية أصبح الشبان ينظرون إلى الزواج بريبة وتوجس وكأنه عقبة كؤود لا يمكن تجاوزها إلا برفقة زوجة موظفة تقاسمه بفضل راتبها مصاعب الحياة الزوجية وضروراتها.
وهكذا يبدو انحراف بعض المقبلين على الزواج حيث راحوا يبحثون عن زوجات أبرز ما يتميزن به كونهن موظفات، فتغدو بذلك الحياة الأسرية حياة مادية مؤسسة على طمع الزوج في راتب الزوجة وقائمة على المصلحة الدنيوية، حيث يتحول عقد الزواج الذي يفترض أن يكون مبنيا على المودة والرحمة والمحبة إلى عقد تجاري مبني على مصالح مادية، وأذكر في هذا السياق أنه طلب مني مرة التوسط لأحد الأشخاص من أجل البحث عن أستاذة جامعية حيث تم التأكيد على وظيفتها بالجامعة دون غيرها من الشروط والمواصفات.
وإذا كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد أكد في الحديث النبوي الشريف أن المرأة تنكح لأربع لحسبها ومالها ودينها وجمالها فقد حض وحث على اختيار ذات الدين ولم ينصح بذات المال، لأن تدين المرأة وصلاحها هو أساس نجاح الأسرة وبركتها، أما مال المرأة أو وظيفتها فقد يكون أحيانا وبالا على مستقبل الأسرة وسببا في تفككها وحدوث مشاكل، خاصة عندما ينظر الزوج إلى زوجته الموظفة وكأنها بقرة حلوب تدر على الأسرة موردا ماليا ذا بال دون أن يكون للزوجة أحيانا أدنى حق في مالها الذي اكتسبته يداها ناسيا أو متناسيا أن قوامة الرجل في بيته تفرض عليه الإنفاق على زوجته ولا تسمح له بالاستعانة براتبها إلا في حدود رضاها وأريحيتها.
وإذا كان بعض الفقهاء قد اختلفوا في مسألة عمل المرأة خارج بيتها وحصولها على راتب مادي مقابل تفريطها النسبي في رعاية المنزل والأبناء، فإن الذين يرون أن الأمر يترتب عليه مساهمتها المادية في نفقات الأسرة لا يميلون إلى اشتراط وإلزام الزوج زوجته بدفع قسط من راتبها، لأن موافقته لها بالخروج للعمل هي في مقام الهبة منه، إلا أن تكون موافقة مشروطة.
وإذا كنا لا نناقش مسألة عمل المرأة سواء حصل قبل الزواج أو بعده فإن الذي يلزم التأكيد عليه أن الحياة الأسرية ليست شركة تجارية يتم التفاوض من خلالها بين الزوجين بشأن الموارد المالية لكل منهما أو مجالا لأن يشترط الزوج كون زوجته موظفة.
إن الإنسان السوي الذي يقبل على الزواج ينبغي أن لا يستسيغ الخلط بين مفهوم وظيفة البيت للمرأة ومفهوم وظيفتها خارج البيت، إذ يعلم الجميع أن البيت هو الحرم الذي تصنع فيه فضائل الحياة كلها، فإذا ما تسلطت المقاييس والنزعات المادية على هذا الحرم تضاءلت مهمته وقد تنتهي أحيانا عندما تكون وظيفة الزوجة سببا في ضياع الأبناء وتعرضهم للخلل الاجتماعي.
ختاما يكفي أن ننظر من حولنا إلى أزواج تزوجوا من أجل وظائف زوجاتهم وبنية الاستفادة من رواتبهن هل استطاعوا بلوغ آمالهم؟ أم أنهم نكسوا في ظل مشاكل ونزاعات أسرية لا تكاد تنتهي يكون سببها التنازع المستمر بشأن راتب المرأة؟