قصة ( قيعي الشليمي ) وقصيدة ( محمد بن دهمان ) واحدة من أشهر القصص عند قبيلتي شمر والظفير 0
القصيدة لا يحفظها كاملة سوى القلائل ! أما القصة فقد وجدتها عند الكثيرين تتداخل مع قصص لا شأن لها بالقصة الحقيقية ، بينما هناك من يضيف أو ينقص من الأحداث كما سمع من غيره 0
قيعي الشليمي من السعيد من قبيلة الظفير يقتني من الإبل المغاتير سلالة طيبة ، وقد كانت الغزوات متبادلة بين القبائل بغرض الكسب وشاء الله أن ينتصر عبدالكريم الجربا ويستاق الإبل ومن ضمنها إبل قيعي الشليمي 0
أما الشليمي فقد أفاق على هول الكارثة التي حلت به ، فهو ليس طرفا فيما حدث واحتار ماذا يفعل ؟
وأخيراً هداه تفكيره أن يطلب من ابن عمه ( محمد بن دهمان ) المساعدة وابن دهمان هذا شاعر معروف ، وقد ألح عليه ان يتصرف لإرجاع الإبل ، حاول ابن دهمان ان يتعذر لأسباب منها بعد المسافة بين قبيلتي شمر والظفير ، ووعورة الطريق المحفوف بالخطر 0
ولم ينفع الاعتذار فتوجها إلى عبدالكريم الجربا بعد أن وسما جميليهما بوسم يكفل عدم تعرض أحد لهما حتى يبديا وكأنهما ( مناديب ) أو أناس ضعفاء ! وجد السير حتى لاحت لهما منازل شمر 00 فقال قيعي لصاحبه ماذا جهزت من الشعر ؟ يقصد في مدح عبدالكريم فأجاب ابن دهمان بهدوء لا شئ ! فاهتال فأجاب ابن دهمان أن الشعر عنده يأتي فجأة شبهه بـ دبك حوافر الخيل على روض ممطور لتوه ! كناية عن ارتجاله للقصيدة !
فلما بلغا أطراف النزل ، سألا الرعيان عن بيت عبدالكريم الجربا فأشاروا إلى جهته 00 فلما وصلاه فإذا هو بيت مهيب ومن حوله وداخله العديد من الرجال ، أقارباً وضيوفاً ، وأهل حاجة ، وغيرهم ، فقد كان مجلساً عامراً قد تدخله وتخرج منه فلا ينتبه لك أحد 0
فتبادلا النظرات يبحثان عن رأي فكان رأي محمد بن دهمان أن يعقلا ركابهما بعيداً ويأتيا أمام المجلس فيفتعلا مشاجرة والقصد أن يلفتا الانتباه لوجودهما ، وحدث ما اتفقا عليه 0
وبالفعل أثارا انتباه عبدالكريم واستغرابه من رجلين غريبين يتشاجران أمام مجلسه 00 فأمر بإحضارهما ولم سألهما عن أمرهما كان الكل منهما يريد أن يتحدث قبل الآخر ، حتى استطاع ابن دهمان أن يتحدث 00 فكان أن ارتجل هذه القصيدة وكان في يد عبدالكريم الجربا سيفه ولإنه انسجم مع القصيدة لم يفطن إلى السيف وقد ارتخت عنه قبضته إلى موقد النار أمامه ، فلا حظ ابن دهمان ذلك أثناد إلقاء القصيدة فأشار إليه في البيت الثالث عشر من القصيدة 00 يقول محمد بن دهمان :
ياراكب من فوق قصرات الاوبار = فج النحور اليها انتوى كل ناوي
عيرات منقيات بالدوهدار = حمرٍ سمرهن من قعود اللحاوي
طفقات من مس المناجيب عبار = ياكن ينهش من قفاهن اضراوي
يا ما حلا بظهورهن مس الأكوار = وعليهن اللي يبعدون الهقاوي
في دربهم متعرضين للاخطار = ناصين دار محرقين القهاوي
مدن من الداير مع فج الأنوار = والعصر بالخابور عشر النضاوي
ارقب رقيبتهن على رأس سنجار = تطلع الجربان بهكا الحراوي
أهل بيوت كنها زمة الطار = كبار الصحون مزبنين الجلاوي
بيوت المحمد مدهل الضيف والجار = وملجاً لمن كثرت عليه الشكاوي
لازم يجي بالبيت هاتش وخطار = وخلايقٍ ما ينعرف له لغاوي !
من ضف شيخ للمناعير جرار = اللي طريحة ما لجرحه امداوي
وادني بالادنى كان للربع تختار = عبدالكريم إليا بلتك البلاودي
شواي صنع الهند في مجحم النار = من الزوم شفا البير داوي
مثوار شقحا بأول الذود معطار = تركض إليا سمعت تداويه المداوي !!
ما طاع بالقالات عمسين الاشوار = رد السلف على الجهامة خلاوي
يجيبه اللي للطوابير كسار = كان الشليمي للبويضا رجاوي
والله يبيض وجهكم عقب ما صار = ابيض من القطن العفر عند رواي
فلما انتهى من قصيدته ، صمت عبدالكريم وكان من بين ضيوفه مفوض الدولة العثمانية أو غيره ذو منصب رفيع المستوى 00 فمال على عبدالكريم قائلاً بلكنته التركية : هذا رجل إما أن تعيه ما يريد أو تقتله ليموت معه خبره !
ولم يأبه عبدالكريم بذلك فقد استفسر عن اسم ابن دهمان وعرفه 00 وقال : يا بن دهمان نسمع عنك من زمان واليوم رأيناك0 ثم التفت إلى رجال قبيلته قائلاً ماذا تقولون يا شمرٍ ؟!
كان عبدالكريم قادراً على اتخاذ القرار دون الرجوع إلى أفراد قبيلته لكنها حكمة هذا الرجل العظيم فقد أراد أن يشعرهم بأهمية رأيهم ومشاركتهم له فيما يقرره0
وبالطبع في الكرم بالذات لا يحتاج عبدالكريم إلى مشورة من الآخرين يكفي ان نعرف لقبه ( أبو خوذة ) لنتذكر كرمه الذي فاق به كل التصورات ، وبقيت مواقفة شاهدا حيا على مر الازمان ، مثلما ما زلنا نتذكر قصائد افذاذ الشعراء التي ازدانت في محد عبدالكريم الجربا 0
كان هناك شئ واحد يبدو صعباً بعض الشئ ، فيكيف تعاد هذه الإيبل وقد توزعت على بيوت شمر ، فهي ( كسب ) وجرت العادة أن يتقاسموه على طريقة الأسهم 0
هنا تحدث قيعي الشليمي وبين أن هذه المسألة سهلة للغاية ، حيث طلب أن يقف على مكان مرتفع وينادي على إبله فما جاءته فهي له ومن لا تجئ قليست من إبله 0
وعندما بدأ ( يدوه ) حدث الموقف الذي يقال أنه أبكى الكثير من رجال شمر ، أبكاهم وفاء الحيوان في صورة نادرة قلما تحدث ، فعندما سمعت إبله وهو ينادي كانت تخرج من بين البيوت وهي تتجه إليه0 من هناك ناقة ، ومن هناك جمل وهكذا من الانحاء حتى اجتمعت عنده ، إلا ناقة واحدة كانت تمشي قليلاً ثم تقف وقد جاءته في النهاية 00 إلا أنه أقسم أنها له لكن لم ينجبها فحل الإبل أصلاً !
وهكذا أعادت قصيدة محمد بن دهمان إببل قيعي الشليمي كاملة بعد أن ردها عبدالكريم الجربا ولم يأخذ منها شيئاً أبدا رغم أنها كسب ولا لوم عليه لو احتفظ بها 0
منقول