مصائب الكبار لا تأتي فرادى !!.. في كرة القدم ربما يصدق هذا المثل ، وخاصة إذا كنا في بطولة كأس أمم أمريكا الجنوبية أو " كوبا أمريكا" التي تقام حاليا بالارجنتين والتي شهدت انقلابات فنية مجنونة أكبر من أن نسميها مفاجأت أو لوغاريتمات كروية !
وبعد أن نامت الارجنتين أمس الاول على وقع صدمة خروجها الدرامي امام أوروجواي ليلقى فريق التانجو وجماهيره صفعة كروية لن ينساها في تاريخه ، عادت بعد أربع وعشرين ساعة لتستفيد من مثل عربي آخر يقول : "مصائب قوم عند قوم فوائد "، لتتحول دموع جماهير التانجو وأحزانها ، إلى أفراح وضحكات سعادة وشماتة في منتخب السامبا البرازيلي، المنافس التاريخي اللدود، الذي لقى نفس مصير منتخب التانجو ، وسقط امام منافس أقل منه في كل شيء ، وبنفس التفاصيل التي تكاد تتطابق ، بعد تعادل في الوقتين الاصلي والاضافي أمام الباراجواي وبصفوف ناقصة لطرد لاعب من كل فريق وركلات ترجيح درامية ، ولكنها وإن انتهت مثيرة وعصبية بفارق ركلة واحدة ضائعة من تيفيز تصدى لها موسليرا حارس الاوروجواي ورجح كفة فريقه، فإن هذه الركلات اتسمت بالكوميديا الهزلية مع نجوم السامبا، الذين فشل أربعة منهم في تسجيل ركلة واحدة من أربعة ركلات، والأغرب أن ثلاثة منهم سددوا خارج المرمي تماما !.. لينهي الحكم التسديد بعد هدفين من ثلاث ركلات فقط للباراجواي، مع توجيه الشكر لمنتخب السامبا الذي خرج يجر أذيال الخيبة والندامة بعد أن كان قريبا معظم الوقت الاصلي من السيطرة والحصار للمنافس المتراجع ، وتسبب نجوم السامبا في مأساة فريقهم لإهدارهم بكل غرابة العديد من الفرص الممكنة و خاصة نيمارو جانسو و باتو.
ورغم ان نجوم السامبا لعبوا وفي أذهانهم درس خروج فريق التانجو ، وفي رأٍس مدربهم مينزيس ، سيناريو الدفاع المزعج للمنافس والاعتماد على المرتدات ، وتطويل المباراة وجرها إلى ركلات الترجيح التي تلغي الفوارق والمهارات والنجوم ، كما لعب الاوروجوانيين امام الارجنتين ، ورغم أن البرازيليين ظهروا في معنويات عالية وروح قتالية وضغطوا علي منافسهم ، وكان لديهم العديد من مفاتيح اللعب وسيناريوهات الاداء الهجومي المتنوع ، ورغم أنهم كان لديهم أكثر من نجم يعول عليه الفريق ويشارك في إرباك المنافسين وليس فقط نجم أوحد مثل ميسي يعتمد عليه الجميع لاعبين ومدرب في حل المشكلات وغزو الدفاعات وإنقاذ ماء الوجه ، فإذا غاب عنه الحظ وغادره التوفيق ، تري الدنيا وقد أظلمت وظهرت قلة الحيلة وضعف القدرة على التصرف حتي لنجوم كانوا معروفين ويشار إليهم بالبنان مثل زانيتي وماسكيرانو واجويرو ودي ماريو ، ولكنهم أصبحوا كالكومبارس وتركوا جميع مراكز القيادة للبطل ميسي الذي خانته طاقته عن هذا الدور ففشل وفشلت الخطة والاستراتيجية .
ولكنني وفي مباراة البرازيل مساء اليوم ، تابعت ايجابيات عديدة في منتخب السامبا ، منها حماسه الكبير في اللعب والضغط علي المنافس والتعاون الجماعي ، وتعدد مفاتيح اللعب من روبينيو صانع الالعاب وجانسو القادم من الخلف للامام ، والمهاجمين الكبيرين الكسندر باتو ونيمار النجم الذي جاء بأضواء أكبر بكثير من المستوى الذي ظهر به ، ومع هؤلاء أيضا المزيد من مراكز الثقل القيادية مثل راميريز ولوسيو الكابتن .. وحدثت نفسي بأن الفوز البرازيلي قادم لا محالة ، فقد انزاح منافسهم الارجنتيني الاخطر بفعل فاعل ، كما سقط من امامهم منافس قوي آخر هو المنتخب الكولومبي ، وباتت الطريق معبدة أمامهم للوصول إلى منصة التتويج ومعانقة الكأس التي يحملون لقبها مرتين على التوالي .
ولكنها الرعونة او "المنظرة" أحيانا أو سوء الحظ ، أو سوء التدريب أحيانا أخري الذي يجعل نجما كبيرا مثل نيمار يفتقد الدقة في التصويب على المرمي وهو في منطقة الست ياردات او الذي يجعل لاعبا آخر مثل سانتوس او لوسيو يسدد في الهواء بدلا من الشباك المفتوحة .. وهكذا ضاعت الفرصة تلو الاخري من البرازيليين وأصبحت المهمة تزداد صعوبة بمرور الوقت حتى أصبح المنافس الاقل فنيا يشعر بالثقة والتحكم في الايقاع بفضل تألقه الدفاعي وفشل سيناريوهات كسر الحواجز الدفاعية ، ويصاب المدرب البرازيلي بالارتباك كما حدث مع نظيره الارجنتيني ، ويفتقد الشجاعة للمغامرة وتغيير الاوراق المتبلدة ، وما حدث مع باتيستا ، تكرر بالنص مع مينزيس ،لتكتمل فصول المأساة بالملهاة ممثلة في ركلات الترجيح البرازيلية التي تستحق أن تكون في برامج الطرائف والعجائب على شاشات التليفزيون .. وربما مازال منها العديد في جعبة كوبا امريكا !