لماذا يرفض العلماء مشروع قيادة المرأة للسيارة
الأحد 29, مايو 2011
الدكتور عبد الرحيم بن صمايل السلمي
لجينيات ـ القراءة الصحيحة للحالة السعودية في إشكالية قيادة المرأة للسيارة هو المفتاح لمعرفة المبرر الحقيقي لرفض العلماء والمجتمع المحافظ للمشروع والفكرة، فمشروع قيادة المرأة للسيارة لم يكن نتاج احتياج مجتمعي حقيقي ظهر بصورة طبيعية، بل جاء وفق أجندة ورؤية كلية للتغيير الفكري والاجتماعي في المملكة، فأول من أطلق شرارة الفكرة هم العلمانيون أيام أزمة الخليج 1411، ثم أصبح شعارا لهم؛ فهو مشروع تغريبي منذ البداية ولو كان مشروعاً مجتمعياً لجاءت المطالبة به من عموم الناس الذين لا يعرف عنهم توجهات ليبرالية أو ارتباطات دولية تسعى للتغيير التحرري المنافي للقيم والأخلاق والمناهج الشرعية.
أما مشاركة التنويريين والإصلاحيين فلا قيمة لها لأنهم فئة منهزمة تتبع الليبراليين ليس في هذا الموضوع فحسب بل في أكثر من ذلك، فلو طرح – مثلا - مشروع الاختلاط في التعليم، أو الثقافة الملوثة بالفكر الغربي مثل إتاحة كتب وفعاليات التيارات العلمانية الملحدة لوافقوا على ذلك وموقفهم من سلبيات معرض الكتاب وغيره يدل على ذلك.
ولو أخذنا نموذج اجتماعي قريب من السعودية ( النموذج اليمني ) تقود فيه المرأة السيارة _ إن احتاجت _ وهي في كامل حشمتها دون أي صراع فكري واجتماعي، وأردنا أن نضع أيدينا على سبب عدم الرفض الاجتماعي القوي من علماء اليمن وقبائلها الشديدة المحافظة على الأعراض لوجدنا أن السبب هو أن هذا الموضوع لم يكن نتيجة رؤية كلية تهدف لفرض التغريب على المجتمع اليمني وإنما جاء في سياق اجتماعي طبيعي.
إن من ينظر إلى قضية قيادة المرأة للسيارة بشكل جزئي، أو مبتوت الصلة عن خلفياته الفكرية يقع في الخطأ والظلم: الخطأ في تصور القضية، والظلم في القدح في العلماء، لأن الموضوع عبارة عن غطاء قام به دعاة التغريب لفتح أبواب الفتن على المجتمع، وهذه الرسالة وصلت للعلماء والمشايخ ومن ورائهم المجتمع المحافظ، وتسطيح الموضوع أو مناقشته بصورة جزئية ستجعل الحوار حوله كحوار الطرشان، وسيستمر التجاذب حوله والتزاحم عليه دون نتيجة حقيقية فاعلة.
ومن حق العلماء والمشايخ أن يفتوا بالتحريم من هذا المنظور، ومن هذه الزاوية، وهي رؤية مقاصدية عميقة تدرك أبعاد المشروع التغريبي في المجتمع، والاستهتار برؤيتهم وفقههم لا يضر إلا صاحبه، فالكل قادر على السخرية والاستهتار بأفكار الآخرين، ولكن النتيجة للحق وأهله بإذن الله تعالى.
ولو وجدت الضمانات الأخلاقية والفكرية والعقدية لما كان هناك من يعارض ذلك من أهل العلم، وكان الوضع أمراً طبيعياً لأن الأصل فيه الإباحة، ولكن هذا الأصل طرأت عليه علل مؤثرة في وصف الحكم، وهي علل حقيقية وليست موهومة، ولا أظن أحداً يحترم عقله وعقول المتابعين ينفي وجود الإشكالات الأخلاقية والفكرية، فالمجتمع مخترق من داخلة بفئات منحرفة متربصة وذات نفوذ داخل القرار وخارجه، وداخل البلد وخارجه.
ومن حق أي أحد أن يطالب بالحلول للمشكلات الاجتماعية التي نتجت عن الخلل الحكومي في التخطيط لمصالح الناس، وأوقعتهم في فخ السائقين والخادمات، والتي لن تكون قيادة المرأة للسيارة إلا زيادة لها، وليست حلاً سحرياً كما يصوره المتحمسون، ولكن يجب أن يضع الحلول فئات اجتماعية بعيدة عن الخلفيات الفكرية المتغربة لأنها هي من تسعى للمصلحة الوطنية الصحيحة، وهم الأصل والأكثرية في المجتمع.
ونحن نتذكر الحملات الإعلامية الجائرة التي يقودها التغريبيون وأتباعهم على الهيئات والتعليم، والمطالبة بضم الهيئات للدعوة والإرشاد لإزالة صفة القبض والإلزام عنها، ولما تم تشكيل لجان مستقلة بعيدة عن المذهبية التغريبية توصلت بصورة علمية إلى ضرورة إبقائها على حالها النظامي، ودعمها؛ لأنها تختلف عن الشرطة في وجود البعد العلمي والشرعي فيها، وتختلف عن الدعوة في وجود خاصية القبض والإلزام فيها، ولأنها تستند إلى قيمة دينية وأخلاقية شرعية وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وعندما يتم بحث المصالح الاجتماعية من أطراف مستقلة عن التغريب الفاسد والتنوير الفاشل، وتراعى فيه منطلقات الشريعة وقيمها فإنها ستصل إلى المصالح الحقيقية للمجتمع.
ولا تضيع المصالح والحقوق، وتمرر المشاريع المشبوهة إلا تحت غطاء الصخب، والضجيج، والضغوط الجائرة، والاتهامات، والطعن في النيات والعقليات، والكذب في عرض أفكار أهل العلم والدعوة، والانتقائية غير الواعية، وهذا ما تستعمله المذهبية الليبرالية والتنويرية لتسويق أفكارها ورؤاها وفرضها على المجتمع.
ولو وضعت قائمة أولويات المرأة السعودية للمناقشة لكانت قيادة السيارة من آخر القضايا، وهي في الإصلاح المجتمعي أقلها أهمية ولكن الفكر المتحرر حولها لحق مسلوب، وحرية مستلبة، وفضيحة اجتماعية، وعدم ثقة في المرأة .. وغيرها من الأوصاف المتطرفة، ولو سئلت المرأة عن احتياجاتها الواقعية لما كان لهذه القضية أي أهمية على قائمتها، فالقضية قضية فكرية، وصراع تياري وليس حاجة اجتماعية.
وإذا كانت هناك حاجة اجتماعية فعليّة فإن السلبية التي تمارسها الحكومة، واكتفاء العلماء بالتحريم لا توجد فيه الكفاية، وإنما الواجب على الحكومة والعلماء وأهل الرأي أن يأخذوا هذه المسألة وغيرها من المشكلات الاجتماعية مأخذ الجد؛ فيقوموا أولاً بالبحث العلمي المحايد عن مدى حاجة المرأة لقيادة السيارة، ثم وضع البيئة الأخلاقية والقيمية المناسبة، وتحديد الضوابط والقوانين المنظمة لها إن كان هناك ثمة حاجة حقيقية، والبحث المتجرد عن كل ما يصلح حال المرأة وإبعادها عن الدنس الأخلاقي، وإيقاف كل من يتخذه مطية لنشر فكره المنحرف، فلا ينبغي أن يكون الصخب والضجيج ورفع الصوت كاف في اعتبار أن هذا الأمر أو ذاك له أهمية أو أولوية، فالبحث المحايد والمتجرد هو من يثبت مدى الحاجة لها، وأفضل الحلول المحقق لمقاصد الشريعة، وأن تلتزم الدولة بواجبها نحو المجتمع بإقامة الدين وسياسة الدنيا به، فالسلبية والهروب منه لا يعالج الإشكال.
أما من يثير الصخب بحجة أن هذا حق من الحقوق الطبيعية فالمشكلة معه فكرية وليست متعلقة بالحاجة الاجتماعية الضرورية، فهو غير مقتنع بأن الأصل الشرعي هو قرار المرأة في بيتها، وينطلق من منطلق ليبرالي في ضرورة تعزيز الحرية الفردية، ومطالبه في قضايا المرأة لن تقف عند قيادة المرأة، فهناك الاختلاط في التعليم، والعمل، والحجاب، والمساواة الكاملة بالرجل وغيرها من الأفكار المنحرفة.
ولا شك أن من يطالب بقيادة المرأة للسيارة ليسوا كلهم من دعاة التغريب، فمنهم أناس طيبون صادقون انطلت عليهم خديعة الفكر الليبرالي وتوابعه التنويرية، أو ربما تكون لديه رؤية اجتهادية محترمة؛ فالمسألة ليست من مسائل الإجماع القطعي، ولكن ينبغي التفريق بين هاتين الفئتين عند البيان حفاظاً على العدل والصدق، فلا يستوي من ينطلق من منطلق شرعي اجتهادي أو مصلحي – مهما أخطأ - مع من ينطلق من منطلق فكري ليبرالي أو تنويري يعتبر قيادة المرأة المفتاح لمشروعه الفكري في المجتمع.
د. عبدالرحيم بن صمايل السلمي