مدخل :
قال مسروق بن الأجدع: "من راقب الله في خطرات قلبه؛ عصمه الله في حركات جوارحه"
** ** **
الطريق الموصل إلى الإستقامة :
وهي شيئان أحدهما :
حراسة الخواطر وحفظها والحذر من إهمالها والاسترسال معها ,
فإن أصل الفساد كله من قبلها يجيء لأنها هي بذر الشيطان والنفس في أرض القلب
فإذا تمكن بذرها تعاهدها الشيطان بسقيه مرة بعد أخرى حتى تصير إرادات ثم يسقيها
بسقيه حتى تكون عزائم ثم لا يزال بها حتى تثمر الأعمال ولا ريب أن دفع الخواطر أيسر
من دفع الإرادات والعزائم
فيجد العبد نفسه عاجزا عن دفعها بعد أن صارت إرادة جازمة وهو المفرط إذا لم يدفعها
وهي خاطر ضعيف كمن تهاون بشرارة من نار وقعت في حطب يابس فلما تمكنت منه
عجز عن إطفائها
,,
ماالطريق إلى حفظ الخواطر
أسباب عدة , ,
أحدها : العلم الجازم باطلاع الرب سبحانه ونظره إلى قلبك وعلمه بتفصيل خواطرك
الثاني : حياؤك منه
الثالث : إجلالك له أن يرى مثل تلك الخواطر في بيته الذي خلق لمعرفته ومحبته
الرابع : خوفك منه أن تسقط من عينه بتلك الخواطر
الخامس : إيثارك له أن تساكن قلبك غير محبته
السادس : خشيتك أن تتولد تلك الخواطر ويستعر شرارها فتأكل ما في القلب من الإيمان
ومحبة الله فتذهب به جملة وأنت لا تشعر
السابع: أن تعلم أن تلك الخواطر بمنزلة الحب الذي يلقى للطائر ليصاد به فاعلم أن كل خاطر
منها فهو حبة في فخ منصوب لصيدك وأنت لا تشعر
الثامن : أن تعلم أن تلك الخواطر الرديئة لا تجتمع هي وخواطر الإيمان ودواعي المحبة والإنابة أصلا
بل هي ضدها من كل وجه وما اجتمعا في قلب إلا وغلب أحدهما صاحبه وأخرجه واستوطن مكانه
فما الظن بقلب غلبت خواطر النفس والشيطان فيه خواطر الإيمان والمعرفة والمحبة فأخرجتها
واستوطنت مكانها لكن لو كان للقلب حياة لشعر بألم ذلك وأحس بمصابه
التاسع : أن يعلم أن تلك الخواطر بحر من بحور الخيال لا ساحل له فإذا دخل القلب في غمراته
غرق فيه وتاه في ظلماته فيطلب الخلاص منه فلا يجد إليه سبيلا فقلب تملكه الخواطر
بعيد من الفلاح معذب مشغول بما لا يفيد
العاشر : أن تلك الخواطر هي وادي الحمقى وأماني الجاهلين فلا تثمر لصاحبها إلا الندامة والخزي
وإذا غلبت على القلب أورثته الوساوس وعزلته عن سلطانها وأفسدت عليه رعيته
وألقته في الأسر الطويل
**
من كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين لإبن القيم الجوزي