[align=center](بسم الله الرحمن الرحيم )[/align]
[align=left]تاريخ الخطبة 21/ 8 /1429هـ
جامع الإسكان بالخفجي [/align]
[align=center](سنوات الضياع)[/align]الحمد لله الجبار ذي القوة المتين، جعل العفاف بفضله شعار المتقين،أحمده سبحانه وأشكره على نعمة الهدى والدين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له الملك الحق المبين وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً صادق الوعد الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.أمابعد:فاتقوا الله عباد الله أمركم بذلكم ربكم بقوله:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}(لقمان:33).
سنوات الضياع وماأدراك ماسنوات الضياع .
إنها حقاً سنوات الضياع! ضياع الإعلام وضياع الوعي وضياع الهدف وضياع المسئولية وضياع وضياع
كم هو مؤلم أن نكتشف أننا أمة تعيش مستوى من الضحالة الدينية والأخلاقية والفكرية، ما يجعلنا أساري لمسلسلات! وأن تتصدر أخبار هذه المسلسلات المنتديات والصحف، وأن تخصص البرامج لمناقشتها وتحليلها، بل وأن تصبح آثارها مادة دسمة لمواقع وصحف الإخبار الغريبة والعجيبة! هل نحن أمة افتراضية؟ هل هو الخواء الروحي والوجداني؟
بعيداً عن محتوى هذه المسلسلات (والتي لا يُشك في مخالفتها للشرع والأخلاق)، لنا أن نتساءل: ألا يشكل تعلق الأسر العربية بهذه المسلسلات وبهذا الشكل الهستيري، ظاهرة تستحق التأمل والدراسة؟ لا أتحدث عن مراهقين ومراهقات، بل أتحدث عن أُسر بكامل أفرادها وقعت تحت تأثير هذه المسلسلات، ما تسبب في حدوث العديد من المشكلات العائلية، بل وصل الأمر إلى أن تتسبب هذه المسلسلات في أزمة نيابية في أحدى البلدان العربية على خلفية قيام وزيرة (وفي سلوك أقرب إلى سلوك المراهقين) بالتقاط الصور التذكارية مع أحد الممثلين!
إن من المسلم به أن الإعلام في عالمنا العربي (عموماً) بات يلعب دوراً هداماً بكل معنى الكلمة، خاصة تلك القنوات التي تولت عرض هذه المسلسلات و التي أثبتت الدراسات التي أجريت على عينة من برامجها أنها تدعو للحرية والتفلت من القيم والاعتقادات الدينية (1)، كما رأى المراقبون أن هذه القنوات أصبحت تقدم المشاهد الساخنة والتطاول على الذات الإلهية "مجانا" لكل منزل، وأن نوعية الأفلام والمسلسلات الأجنبية والعربية التي تبثها، تهدف لتهيئة المجتمعات المسلمة لتقبل بعض الظواهر المنتشرة في الغرب، مثل الشذوذ والعلاقات المحرمة وغيرها (2).
ولذلك، فليس غريبا عليها أن تعرض مثل هذه المسلسلات، ولكن الغريب هو غياب الوعي الهائل لدى شريحة كبيرة من المشاهدين!
إن هذا الوضع يحتم على جميع المصلحين من العلماء والدعاة والمربين من الجنسين، العمل الجاد لانتشال المجتمعات من هذا الفراغ الحاد الذي تعيشه، وذلك عن طريق نشر الوعي بخطورة هذه القنوات وما تقدمه من برامج هابطة، ومن هناجاءت هذه الخطبة , وكذلك تذكير الأسر بمسؤولياتها تجاه أبنائها، والعمل على دعم وتطوير المنابر والقنوات الإعلامية المحافظة والارتقاء بالبرامج الموجهة للشباب والأسرة على وجه الخصوص.
أيها الغيورون العقلاء:ولعلي أتحدث في عجالة عن بعض أثار تلك المسلسلات المترجمة في مجتمعنا ومانراه بأم أعيننا.
فقد تسببت في تأخير صلاة العصر عن وقتها عند من يصليها في المسجد،تسببت في موجة من تغيير الأسماء وتغيير اتجاه الأسماء الجديدة،تسببت في رفع نسب الطلاق في المجتمع،تحبب للنساء الخيانات الزوجية والزنا مع الرجال الأجانب،تحبب للفتيات إقامة علاقات الصداقة والحمل بل وأحياناً الإنجاب قبل عقد الزواج،تجعل الحب أعلا من الأحكام الشرعية فيتزوج الرجل المرأة وهو يعلم أنها حامل من الزنا مع غيره والله يقول:{ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}(النور:3).
ويحتضن ابن الزنا وينسبه لنفسه لتختلط الأنساب ويضرب بأحكام الشرع عرض الحائط فلا قيمة لها أمام الحب،تبرز شرب الخمر على أنه أساس من أساسات الحياة لا تكتمل الاحتفالات بدونه حتى عند من شاب شعرهم،تأجج من نار الشهوة الجنسية لدى المراهقين والمراهقات بل حتى الكبار والكبيرات وتدفعها لحافة الانفجار من خلال الكلمات والنظرات والقبلات وغيرها من المنكرات.،وفي قمة تلك الفورة ينظر الرجل إلى المرأة التي أمامه في الشاشة فيجد جمال الحسان وعذوبة اللسان وتناسق القوام والأركان،ثم يحيل النظر إلى زوجته فيجد تباعد الأركان وسلاطة اللسان ونكران الإحسان،وفي المقابل تنظر الزوجة إلى الشاب الذي أمامها فترى حلاوة المردان وجمال الصورة وتناسق الأبدان،ورقة المشاعر وفيض الحنان،ثم تنظر إلى زوجها فلاترى إلا كتلة لحم مترهلة وعيون جاحظة أو غائرة،وأوامر صارمة وكلمات نابية وصحراء من المشاعر والحب والحنان خالية،فيحتقر كل منهم الآخر يصرح بذلك أو لا يصرح أو قد يترجم في صورة فعال كما نشرت بعض الصحف المحلية بأن رجلاً طلق زوجته لأنها لم تتمالك نفسها من الفتنة فوضعت صورة بطل الفيلم على شاشة جوالها،ويالها من غيرة غبية متأخرة!.كيف أوقع زوجته في الفتنة ثم غار عليها؟.تقول إحدى الداعيات إقيمت محاضرة في إحدى مناطق المملكة فجاءت المحاضرة فذكرت في أثناء حديثا إسم ذالك الشاب في ذالك المسلسل لرتباطه بحادثة من أيام السلف الصالح فظجت القاعة بالصياح والتصفيق والتصفير ,ولم تعلم الداعية بسبب هذه الثورة المفاجئة وبعد المحاضرة سألت عن السبب فأخبروها فإسقط في يدها من هول الصدمة .وهذا فيض من غيض نسأل الله السلامة والعافية . معاشر الفطناء هذا الذي ذكرته طرفاً من آثار اجتماعية ونفسية وخلقية ودينية مدمرة لأفلام تعرض منذ فترة على شاشات بعض القنوات فهل يمكن أن يقول عاقل أنها غذاء جيد لعقول رجالنا ونسائنا وشبابنا وفتيتانا وأطفالنا؟.
أم أنها سم زعاف قاتل يصيب الأمة في أعز ما تملك في عقولها فتصبح أمة بلهاء لا تفرق بين الغث والسمين،تصبح أمة ذلولاً يقودها أعداؤها بطرف حبل الشهوات،تصبح أمة أعلا مقدساتها شهوات البطن والفرج تعادي وتوالي من أجلها!. تنسى الأمة دورها العظيم الذي أثنى به الله عليها بقوله:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}(آل عمران:110).
نداء أوجهه لكافة أفرادالأمة فأقول لاتلقوا باللائمة على القنوات وعلى الحكومات وعلى الوزارات ,وإن كننا لانعذرهم جميعاً أمام الله .فأنت..أنت قطب الرحى،أنت الذي كلفك الله وجعل المسؤولية في عنقك وستسأل والله عنها في يوم هوله وحره شديد كلفك بمهمة وأمانة فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(التحريم:6).
الخطبة الثانية :
الحمد لله وكفى يجزي أهل الوفاء بالتمام والوفاء وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له يرتجى ولاند له يبتغى وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله النبي المجتبى والحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأطهار الحنفاء.أمابعد:
فاتقوا الله عباد الله تفلحوا في الدنيا والآخرة،واعلموا رحمني الله وإياكم أن مجرد مشاعر حب إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا جريمة نكراء توعد عليه الجبار بالعذاب بقوله:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(النور:19).
فكيف بمن ينشرها ويدعو إليها؟.
معاشر المؤمنين نشرت بعض الصحف أن أكثر من يشاهد تلك الأفلام هم من شريحة الأطفال من فوق ست سنوات, يقول أحد الأباء دخلت البيت فستقبلتني إبنتي ذت سبع سنوات فقالت يأبي هل تعرف أن فلانة وتسمي تلك الداعرة حاملا من فلان؟؟؟ ذالك الشاب الفاسق وعذروني فأنا أنزه المكان ومسامعكم من ذكر إسمه , فهل شعر الأباء والأمهات بعظم الجريمة التي يرتكبونها؟.هل شعروا أنهم يهدمون في بناء الأمة لسنوات طويلة قادمة؟.كيف يكون حال المجتمع وحال الأمة بعد عشرين عاماً من اليوم إذا تربى قادته ورجاله على الاستهانة بالدين والثوابت والأخلاق واقتنعوا بتلك الأفكار القذرة؟.
احبتي في الله تعالوا معي لنتفكر سوياً..لوكان هؤلاء المتهافتين على مشاهدة تلك الأفلام يعيشون في خوف ورعب لا يأمنون على أنفسهم ولا على أهليهم هل كانوا يبحثون عن تلك الأفلام؟.
لوكان أحدهم لا يجد طوال اليوم ما يسد جوعه وجوع أبنائه وقد يعانون من الجوع أياماً فلا يجدون كسرة الخبز أكان يبحث عن تلك الأفلام؟.لو كان لايجد شربة ماء يسد به عطشه ويكاد يهلك أكان يبحث عن تلك الأفلام؟.
لوكان يعاني من آلام مرض السرطان المبرح وينتظر الموت في كل لحظة أكان يبحث عن تلك الأفلام؟.
لوكان..ولوكان..فمن أمننا؟من أغناننا؟ من أطعمنا ومن سقانا؟من أصح أبداننا؟.إنه الله..إنه الله..إنه الله..أتظنون أن الله يرضى بهذا؟.يرضى بأن تشيع الفاحشة في خير أمة أخرجت للناس؟.
لاوالله واسمعوا لربكم يناديكم بنداء تحذير ملؤه الرحمة بقوله:{ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا()يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفً}(النساء:27-28).
فهلموا أحبتي من الآن ومن هذا المكان المبارك وفي هذا الزمان المبارك لنفزع تائبين بحق لربنا ولنطهر بيوتنا من كل رجس أو دعوة للفحش من قبل أن يحل بنا ما لا قبل لنا به:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ()وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ()وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (الزمر:53-55).
{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } (الأعراف:99).فلندعو لمقاطعة تلك القنوات، ونجتهد في بناء وتحصين عقول زوجاتنا وأبنائنا فما ندري ما القادم من الفتن؟.