السبب الأول الغَيرَة والغِيرة.
الغَيرَة محمودة فهي من الغيرَة على دين الله جل وعلا، ولكن قد يكون الباعث للحديث غيرَة ولكنها ينجر شيئا فشيئاً حتى يقع هذا الذي غار على دين الله في لحوم العلماء من حيث لا يشعر.
وهناك مزيد بيان لهذه القضية.
أما الغِيرَة فهي مذمومة وهي قرينة الحسد، قال سعيد ابن جبير رحمه الله:
(استمعوا لعلم العلماء ولا تصدقوا بعضهم على بعض، فوالذي نفسي بيده الهم أشد تغايرا من التيوس في زرابها).
كلام العلماء بعضهم في بعض من الأقران، يقول الإمام سعيد ابن جبير انهم أشد تغايرا من التيوس في زرابها. ألستم ترون التيوس كيف ينطح بعضها بعضا ويؤذي بعضها بعضا.
فيقول خذوا من كلام العلماء واستفيدوا من علمهم ولا تصدقوا كلام بعض على بعض من الأقران.
ولذلك قال الذهبي:
(كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به لاسيما إذا كان لحسد أو مذهب أو هوى، والحسد يعمي ويصم ومنه التنافس للحصول على جاه أو مال، فقد يطغى بعضهم على بعض ويطعن بعضهم في بعض من أجل القرب من سلطان أو الحصول على جاه أو مال).
أيها الأخوة، الحسد، الغيرة، التنافس من أسباب الحديث في لحوم العلماء.
السبب الثاني الهوى:
قال الله جل وعلا: ( ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله).
وقال: ( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين) وقال شيخ الإسلام:
(صاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه).
وكان السلف يقولون:
(احذروا من الناس صنفين، صاحب هوى قد فتنه هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه).
الهوى خطير وبعض الذين يتكلمون في لحوم العلماء لم يتجردوا لله جل وعلا، بل دفعهم الهوى لهذا الأمر.
السبب الثالث التقليد:
(إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون).
وأبين أن التقليد ليس مذموما بعمومه، وقد فصل العلماء في قضية التقليد ولكنني أحذر من التقليد الذي يؤدي إلى الحديث في لحوم العلماء.
قال ابن مسعود رضي الله عنه:
(ألا لا يقلدنا أحدكم دينه رجلا إن آمنَ آمن وإن كفرَ كفر فإنه لا أسوة في الشر).
وقال أبو حنيفة:
( لا يحل لمن يفتي من كتبي أن يفتي حتى يعلم من أين قلت).
وقال أحمد:
( من قلة علم الرجل أن يقلد دينه الرجال).
التقليد يؤدي أيها الأخوة إلى الحديث في لحوم العلماء، تقليد لفلان.
أحيانا تستمع إلى بعض الناس يتكلم في عرض عالم، تقول له هل استمعت إلى هذا العالم؟
قال لا والله. من قال لك؟ قال فلان. فهذا تقليد.
وأخطر منه السبب الرابع وهو التعصب:
ولي وقفة مع موضوع التعصب لحساسيته وعلاقته بهذا الموضوع.
قال أبو حامد الغزالي:
(وهذه عادة ضعفاء العقول يعرفون الحق بالرجال، لا الرجال بالحق).
ومن أشد أنوع التعصب الحزبية.
الحزبية لمذهب أو جماعة أو قبيلة أو بلد.
ومن خلال سبري لأقوال الذين يتحدثون في لحوم العلماء خاصة من الدعاة وطلاب العلم، من أبرز الأسباب التعصب وسبب التعصب هو الحزبية.
هذه الحزبية الضيقة، هذه الحزبية التي فرقت المسلمين إلى شيع وأحزاب، فأقول إن الحزبية أيها الأخوة أودت بالكثير للحديث في لحوم العلماء.
وهل أنا إلا من غزية إن غوت… غويت إن ترشد غزيت أرشد
إذا ضل من يتعصب له ضل معهم، وإن اهتدوا اهتدى معهم.
إن قال هؤلاء في عالم كلاما أخذ به، وإن رفعوا الحجاب عنه رفع معهم.
أحبتي الكرام تأملوا في خطورة هذه القضية، سمعت أن بعض طلاب العلم يتكلمون في بعض العلماء، في الأيام القريبة الماضية، وفجأة تغير موقف هؤلاء الطلاب، فسألت:
فقالوا أنهم سمعوا أن فلاناً من العلماء يثني على هذا العالم فأثنوا عليه.
ما الذي تغير ؟ لماذا كنتم تقدحون به منذ أيام والآن أصبحتم تمدحونه.
اسمحوا لي أن أقول بكل مرارة أن بعض طلاب العلم وبعض الدعاة قد سلموا عقولهم لغيرهم.
قلدوا في دينهم الرجال كما قال الإمام أحمد.
قلدوا في دينهم الرجال، إن اخطئوا أخطئوا معهم وإن أصابوا أصَابوا معهم.
التعصب لمذهب أو جماعة أو بلد أو قبيلة خطير جدا،من الملاحظ أن هناك من ينتصر لعلماء بلده ويقدح في العلماء الآخرين.
لا.. أيها الأحباب كيف نقدح في لحوم العلماء حتى لو كانوا من بلاد أخرى فبلاد المسلمين بلاد واحدة.
هذا التعصب والفتنة التي نعيش فيها هذه الأيام أفرزت أمورا خطيرة يجب أن يقف أمامها الدعاة وطلاب العلم، كل أهل بلد تعصبوا لعلمائهم:
أهل الشرق تعصبوا لعلماء الشرق.
وأهل الغرب تعصبوا لعلماء الغرب.
وأهل الوسط تعصبوا لعلماء الوسط.
ليس هذا هو المنهج الصحيح، نحن لا نعرف الحق بالرجال وإنما نعرف الرجال بالحق.
نأخذ بالحق مهما كان قائله.
أيها الأخوة هذه مسألة خطيرة، التعصب، الحزبية الضيقة هي التي أودت بنا إلى كثير من المهالك، فالله اللهَ أيها الأخوة انتبهوا لهذا السبب فهو سبب خطير.
السبب الخامس التعالم:
حيث يتكلم في عرض العالم ليفند قوله تقوية لقوله الضعيف، وما أكثر المتعالمين في عصرنا.
التعالم سبب من أسباب الحديث في لحوم العلماء.
السبب السادس النفاق وكره الحق:
سبب من أسباب الحديث في لحوم العلماء:
(في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا).
(وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون).
(وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون)
فالمنافقون والعلمانيون في عصرنا من أسباب الحديث في لحوم العلماء والمؤسف أنني استمعت في مجلس من المجالس إلى أحد هؤلاء المنافقين من القوميين والحداثيين وأمثالهم يتحدث في لحوم العلماء، فقلده بعض الطيبين من حيث لا يدري، ووافقه على ما يقول حتى رُد عليه في مجلسه.
الآن العلمانيون يتحدثون في علمائنا كلاما ننـزه أسماعكم عن سماعة، فالنفاق وكره الحق من الأسباب الرئيسة في الحديث عن لحوم العلماء.
السبب السابع تمرير مخططات الأعداء كالعلمنة ونحوها:
أدرك العلمانيون أخزاهم الله أنه لا يمكن أن تقوم لهم قائمة والعلماء لهم هيئة وشأن، فماذا يفعلون ؟
بدئوا في النيل من العلماء، بدئوا في تحطيم صورة العلماء، بدئوا في الغمز واللمز.
من أجل ماذا؟ من أجل تمرير مخططات الأعداء
أسال الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.