بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ [بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّاباً))
معاني الكلمات:
الصِّدْقَ: الصدق هو الإخبار بما يوافق الواقع.
يَهْدِي:يوصل
البِرِّ: اسم جامع لكل خير
صِدِّيقًا: أي يصبح الصدق له صفة ذاتية ويكون من الصديقين
الكَذِبَ: هو الإخبار بخلاف الواقع.
الفُجُورِ: اسم جامع لكل شر وفغل قبيح كالمعاصي والذنوب وقانا الله منها.
يُكْتَبَ: يحكم عليه
كَذَّاباً: أي يصبح الكذب صفة ملازمة له.
الشرح:
في هذا الحديث حث النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالمحافظة على الصدق وتحريه وتجنب الوقوع بضده وهو الكذب. حث على الصدق لأنه يوصل للجنة التي يطلبها المسلمين فإذا صدق هذا الإنسان كتب عند الله صديقاً وكتب في قلوب الخلق القبول لقوله وإن أنكروه في الظاهر .
وحذر نبينا صلى الله عليه وسلم من الكذب لأنه يوصل إلى فعل المعاصي التي إن كثرت فصاحبها على خطر عظيم. وأعظم الصدق الإخلاص مع الله وأعظم الكذب الكذب على الله فاحرص على قول الصدق أيها المسلم ولو على نفسك وفق الله الجميع
مسائل في موضوع الحديث:
1- في الحديث الصدق سبب للدخول الجنة.
2- الكذب سبب للمقت من الله والخلق.
3- مسألة / هل يحوز الكذب؟
لا يجوز الكذب إلا في أمور منها الكذب في الحرب ولأجل الصلح بين الناس والكذب على الزوجة.
4- مسألة /من كان لديه نعمة ويخشى من العين هل يجوز له الكذب؟
الجواب/ لا يجوز للمسلم الكذب إلا في أمور ثلاث الكذب في الحرب ولأجل إصلاح بين الناس والزوج على زوجته وإذا كان الكذب سيؤدي إلى دفع مفسدة أعظم ، أو جلب مصلحة أكبر : صار جائزاً حينئذ . واستخدام التورية أفضل من الكذب فقد ثبت من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال :( أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر ، وأبو بكر شيخ يعرف ، ونبي الله صلى الله عليه وسلم شاب لا يعرف 0 قال فيلقى الرجل أبـا بكر فيقول : يا أبا بكر : من هذا الرجل الذي بين يديك ؟ فيقول : هذا الرجل يهديني السبيل ، قـال فيحسب الحاسب أنه إنما يعني الطريق ، وإنما يعني سبيل الخير 0 الحديث )( أخرجه الإمام البخاري في صحيحه - كتاب مناقب الأنصار ( 63 ) - برقم ( 3911 ) - أنظر فتح الباري - 7 / 249 (
فالمسلم لا بد أن يكون صدوقا ويجتنب الكذب مطلقاً.
مثال على التورية/ قد يسأل شخص كم راتبك ويكون راتبه أكثر من عشرة ألاف فيخشى العين فله أن يقول (الحمد لله راتبي خمسة ألاف ) وبنيته يقصد أن راتبه خمسة مع خمسة مثلها وهكذا ولكن ينبغي على المسلم ألا يتوسع في مثل هذه الأمور والله أعلم.
5- ما معنى هذا الحديث الشريف : عن أم كلثوم رضي الله عنها ، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " لم يُرخَّص في شيء مما يقول الناس ، إلا في ثلاث : في الحرب و الإصلاح بين الناس وحديث الزوجين لبعضهما ".
الجواب/ أجاب الشيخ العلامة الرباني سماحة الوالد غبد العزيز بن باز رحمه الله بالتالي :
) الحديث صحيح ، رواه الشيخان من حديث أم كلثوم رضي الله عنها بنت عقبة بن أبي معيط أنها سمعت النبي صلى الله عليه و سلم : " ليس الكذاب الذي يُصلح بين الناس ، فيقول خيراً و يُنْمي خيرا ".
قالت : "و لم أسمعه يُرَخِّص في شيء من الكذب إلا في ثلاث : الحرب ، و في الإصلاح بين الناس ، و في حديث الرجل امرأته و المرأة زوجها ". رواه مسلم بهذه الزيادة .وهذا يدل على أنّ الكاذب المُصلح بين الناس ليس بكذاب ، الذي يُصلح بين الناس بين القبيلتين أو بين الأسرتين ، أو بين شخصين تنازعا فأصلح بينهما و كَذَب فإنّ هذا لا يضره ، لأنه أراد الإصلاح .فإذا أتى إحدى القبيلتين أو إحدى الأسرتين أو أحد الشخصين ، فقال له قولاً طيباً عن صاحبه و أنه يرغب في الصلح و أنه يُثني عليك و أنه يحب مصالحتك ، ثم جاء الآخر و قال له كلاماً طيباً ، حتى أصلح بينهما . فهذا طيب ، لأنه لا يَضر أحداً بذلك ، ينفع المُتنازعَيْن و لا يضر أحداً .
و هكذا لو جاء الأسرة و قال عن الأسرة الثانية أنها تُثني عليك ، و أنها تدعو لك ، و أنه تحب المصالحة معك ، و لم يقع هذا ، لكن هو كَذَب بهذا الشيء ليُصلح بينهما ، هو مأجور على هذا ، و لا شيء عليه .
و هكذا بين القبيلتين .لو جاء القبيلة وقال : إنّ القبيلة الفلانية تُثني عليكم وتدعو لكم و ترغب الإصلاح ، ثم أتى الأخرى و قال لها مثلك ذلك ، حتى سعى بينهما في الصلح و إزالة الشحناء ، هو مأجور بذلك ، إذا كان كذبه لا يضر أحداً ، لا يضر أحداً من الناس ، إنما ينفعهم و يجمعهم و يُزيل الشحناء بينهم ، فهو مأجور و ليس بكذاب كذِباً يضره أو يأثم به .
الخصلة الثانية : في الحرب ... بأنْ قال للغزاة : ( إنّا قافلون غداً ) - قافلون يعني : مُنصرفون راجعون - لينظر ماذا عند العدو ، إذا سمع بخبر القفول لعله يَخرج من حصونه ، لعله يتبين له شيء يُعينه على الجهاد ، و لينظر ما عند الجيش من النشاط و الهمة العالية أو عدم النشاط في الحرب ، فإذا كذب لمصلحة فلا بأس بذلك للحرب ، لأنه يفيد ، الحرب خُدعة .
و هكذا لو قفل راجعاً و قال : ( إنا راجعون ) حتى يخرج العدو من حصونه و من مُترّساته ، حتى يبرز ثم يَكرّ عليهم المسلمون و يُقاتلونهم إذا برزوا ، هذا أيضاً لا بأس به ، كذب فيه مصلحة للمسلمين ، فلا يَضُر ذلك .
و كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا أراد غزوة وَرّى بغيرها ، حتى يهجم على العدو وهو على غرة إذا أراد الشَّمال مثلاً ، قال : إنا سوف نغزو الجنوب ، سوف نغزو جهة الغرب جهة الشرق ، حتى لا يستعد له العدو ، حتى يهجم عليهم على غرة إذا كانوا قد بُلّغوا و دُعوا الله و أصروا ، فلا بأس أن يُهاجموا على غرة .
أما الثالثة فهي : حديث الرجل امرأته و المرأة زوجها لا بأس بذلك .فإنّ الرجل مع زوجته قد يحصل بينهم مشاكل و نزاع عند ملابس أو طعام أو زيارة أو ما أشبه ذلك ، فيقول لها : سوف أفعل كذا و كذا ، سوف أشتري لك كذا ، و سوف أفعل كذا ، مما يُرضيها حتى يزول النزاع و حتى تزول الشحناء .
أو تقول هي كذلك : سوف أفعل كذا ، سوف لا أخرج إلا بإذنك ، و هي عارفة أنها سوف تُخالفه لكن تُريد أن يرضى ، أو سوف أُنفّذ ما قلتَ في كذا و كذا و كذا ، و إن كان في اعتقادها أو عزمها أن لا تُنفّذ ، لكن تُريد أن تكسب رضاه حتى تزول الشحناء و العداوة . فلا بأس بهذا ، لأنّ هذا فعل في مصلحتهما لايضر غيرهما ، فإنْ كان كذبهما في مصلحتهما و لا يضر غيرهما فلا حرج فيه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه إصلاح معروف ليس به مضرة على أحد )انتهى كلامه ر حمه الله .
وأنقل لك أخي المبارك بعض النقولات التي لها علاقة بهذه المسألة:
قال الخطابي :[ كذب الرجل على زوجته أن يعدها ويمنيها ويظهر لها من المحبة أكثر مما في نفسه يستديم بذلك صحبتها ويصلح من خلقها] عون المعبود 13/179 .
وقال الحافظ ابن حجر [ واتفقوا على أن المراد بالكذب في حق المرأة والرجل إنما هو فيما لا يسقط حقاً عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها] فتح الباري 6/228 .
وقال الإمام النووي :[ وأما كذبه لزوجته وكذبها له فالمراد به إظهار الود والوعد بما لا يلزم ونحو ذلك .
فأما المخادعة في صنع ما عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها فهو حرام بإجماع المسلمين) شرح النووي على مسلم 16/158 .
وبهذا يظهر جواز الكذب بين الزوجين إذا كان في ذلك محافظة على الحياة الزوجية ومنع لهدمه فإذا سأل الزوج زوجته هل تحبه فعليها أن تجيبه بنعم وإن كانت تكرهه محافظة على بقاء الأسرة واستمرارية الحياة الزوجية وكما قال عمر رضي الله عنه لتلك المرأة: [فإن كانت أحداكن لا تحب أحدنا فلا تحدثه بذلك فإن أقل البيوت الذي يبنى على الحب ] ..
لعلنا نلاحظ أن الأشياء الثلاثة التي رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بالكذب الغرض منها هو سلامة بناء الأمة كالكذب على العدو ، والكذب في الإصلاح بين المتخاصمين ، وأيضا الكذب بين الزوجين فمن أجل سلامة الأسرة وبالتالي سلامة المجتمع.(منقول من بحث نشر في ملتقى أهل الحديث)
6- مسألة هل ما يعرف بالنكتة –الطرائف التي لم تقع- جائز؟
الحمد لله
التفكه بالكلام والتنكيت إذا كان بحق وصدق فلا بأس به ولا سيما مع عدم الإكثار من ذلك ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقا صلى الله عليه وسلم ، أما ما كان بالكذب فلا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ويل للذي يحدّث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ثم ويل له ) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد جيد . والله ولي التوفيق . انظر مجموع فتاوى ومقالات للشيخ ابن باز 6 / 391
7- مسألة/حكم الكذب مازحاً وما يعرف بالكذب الأبيض وحكم كذبة إبريل.
قال شيخ الإسلام وفقيه زمانه محمد بن صالح العثيمين – ؤحمه الله-:
الكذب لا يجوز مازحاً ولا جاداً لأنه من الأخلاق الذميمة التي لا يتصف بها إلا أهل النفاق ومن المؤسف أننا نسمع كثيراً من بعض الناس أنهم يقسمون الكذب إلى قسمين كذبٍ أبيض وكذبٍ أسود فإذا ترتب على الكذب ضررٌ بأكل مالٍ أو اعتداءٍ أو ما أشبه ذلك فهو عندهم كذبٌ أسود وإذا لم يتضمن ذلك فهو عندهم كذبٌ أبيض وهذا تقسيمٌ باطل فالكذب كله أسود ولكن يزداد سواداً كلما ترتب عليه ضرراً أعظم وبهذه المناسبة أحذر أخواني المسلمين مما يصنعه بعض السفهاء من كذبة إبريل وأظن أنه قريبٌ هذه الكذبة التي تلقوها عن اليهود والنصارى والمجوس وأصحاب الكفر ثم إن هي مع كونها كذبٌ والكذب محرم شرعاً وكونها تشبهاً بغير المسلمين والتشبه بغير المسلمين محرم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من تشبه بقومٍ فهو منهم قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إسناده جيد وأقل أحواله التحريم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم هي مع تضمنها لهذين المحظورين هي أيضاً إذلالٌ للمسلم أمام عدوه لأن من المعلوم بطبيعة البشر أن المقلد يفخر على من قلده ويرى أنه أقدم منه يرى أنه أقدم منه ولذلك ضعف مقلده حتى قلده فهي فيها إذلالٌ للمؤمن بكونه ذليلاً وتبعاً للكفار المحظور الرابع أن غالبها أي غالب هذه الكذبة الخبيثة تتضمن أكلاً للمال بالباطل أو ترويعاً للمسلم فإنه ربما يكذب فيكلم أهل البيت ويقول إن فلاناً يقول ترى عندنا جماعة اليوم فيطبخوا غداءً كثيراً ولحماً وما أشبه ذلك أو ربما يخبرهم بأمرٍ يروعهم كأن يقول قيمكم دعسته سيارة وما أشبه ذلك من الأمور التي لا تجوز بدون أن تكون بهذه الحال فعلى المسلم أن يتقي الله سبحانه وتعالى وأن يكون عزيزاً بدينه فخوراً به معجباً به لأجل أن يهابه أعداء المسلمين ويحترموه وأنا ضامن لكل من اعتز بدين الله أن يكون عزيزاً أمام الناس ولكل من ذل أمام أعدائه أن يكون أذل وأذل عند الله وعند أعدائه فلا تظن أيها المسلم أن متابعتك للكفار وأخذك أخلاقهم لا تظن أن ذلك يعزك في نفوسهم بل إنه يذلك غاية الذل وأنت تعلم ذلك أنت الآن لو أن أحداً اقتدى بك في أفعالك لرأيت لنفسك فخراً عليه ورأيت أنه ذل أمامك حيث كان مقلداً لك وهذا أمرٌ معلوم معروف بطبيعة البشر وكلما رأى أعداؤنا أننا أقوياء وأعزاء بديننا وأننا لا نبالي بهم ولا نعاملهم إلا بما يقتضيه شريعة الله التي هي شريعة كل العالم بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهوديٌ ولا نصرانيٌ ثم لا يؤمن بما جئت به إلا كان من أهل النار فإذا كان هذا في أهل الكتاب وهم أهل كتاب فما بالك بغيرهم من الكفار كل من سمع بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ولم يتبعه فإنه من أهل النار فإذا كان كذلك فما بالنا نحن المسلمين نذل أنفسنا ونتبع غيرنا وكلنا يعلم ما جرى في محاورة هرقل عظيم الروم مع أبي سفيان وهو كافر حينما تحرز أبو سفيان أن يكذب في حق النبي صلى الله عليه وسلم خوفاً من أن تؤخذ عليه هذه الكذبة مع أنه يود أن يكذب في ضد صالح الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا كان هذا كافراً فما بالك أيها المؤمن تكذب والله الموفق.
منقول من موقع الشيخ ابن العثيمين رحمه اللهhttp://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_9039.shtml
8- مسألة/ هل من كذب ليضحك القوم وهم يعلمون يعتبر كاذباً؟
الجواب/ إذا عرفوا أن القصة خيالية ؛ كما فعل بديع الزمان في مقاماته وكذا الحريري ؛ فإن ذلك لا يدخل في المحظور ، وكذا المسلسلات الفكاهية . ومع ذلك يفضل تحري الصدق والتماس قصص واقعية فيها عبرة وشغل للوقت سالمة من الكذب.(فتوى للشيخ الفيه سماحة الوالد ابن جبرين- رحمه الله- ) http://ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid=12787&parent=3313
وخلاصة القول /
1- الصدق من أجل الأعمال الموصلة للجنة.
2- الكذب من الأمور المذمومة شرعاً وفطرةً.
3- لا يجوز للمسلم أن يكذب مطلقاً إلا في بعض الحالات لأجل الإصلاح بين الناس والزوح على زوجته- وله ضوابط-وفي الحرب مع العدو بشكل لا يكون فيه غدر.
هذا وأعتذر عن الإطالة وكثرت النقولات هذا والله أسأل أن يوفق الله الجميع.
وهذا الرابط فيه فتاوى للشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله
http://ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=masal&subid=3313&parent=3292