مـــكتبة الغـــزوات النبوية (الكبرى) (1 )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
المــــوضــوع رســـائل النبي صلى الله عليه وسلم الى الملوك والزعماء
أتيحت الفرصة للرسول صلى الله عليه وسلم بعد صلح الحديبية لتوسيع نطاق الدعوة إلى الإسلام داخل الجزيرة العربية وخارجها ، لأن الإسلام رسالة عالمية غير محدودة المكان ، كما جاء التصريح بذلك في بعض الآيات القرآنية الكريمة ، مثل : (وما أرسلناك إلا كافة للناس) ، و (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) ، (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
ولذا كان من البدهي أن يقوم الرسول صلى الله عليه وسلم بإرسال الرسائل إلى زعماء العالم المعاصرين له.
هناك اضطراب في الروايات التي تناولت تواريخ إرسال الرسائل. فقد روى ابن سعد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية في ذي الحجة سنة ست أرسل إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام ، وكتب إليهم كتاباً ، فخرج ستة نفر في يوم واحد ، وذلك في المحرم سنة سبع.
ويذكر الطبري أن بعث هؤلاء النفر الست كان في ذي الحجة. وهي من رواية الواقدي. وواضح من نص خبر الواقدي عند ابن سعد أن رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية كان في ذي الحجة ، وأن إرسال النفر الستة كان في المحرم من العام السابع ، فيكون الوهم في النقل من قبل الطبري. أما ابن إسحاق فلا يحدد تاريخا دقيقا لإرسال الرسل ، بل جعل ذلك ما بين الحديبية ووفاته ، قال في رواية : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فرق رجالا من أصحابه إلى ملوك العرب والعجم دعاة إلى الله عز وجل فيما بين الحديبية ووفاته). واستدرك عليه ابن هشام في زيادات السيرة قائلاً بأن إرساله الرسل كان بعد عمرته التي صد عنها يوم الحديبية.
ويؤرخ ابن سعد لرسالة كسرى قبل ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادي الأولى سنة سبع ، التي قتل فيها كسرى. وذكر البخاري رسالة كسرى في أعقاب غزوة تبوك في العام التاسع الهجري ، لكن من الواضح أن البخاري لم يراع عنصر الزمن في سرد محتويات (صحيحه) ، لأنه يجمع ما يقع على شرطه من البعوث والسرايا والوفود ولو تباينت تواريخهم ، وقد نبه ابن حجر إلى احتمال تصرف بعض رواة صحيح البخاري في تقديم وتأخير بعض التراجم ، مثل تقديم حجة الوداع على غزوة تبوك.
إن الدراسة التفصيلية لتلك الرسائل تجعل النفس تميل إلى قبول ما ذكره ابن إسحاق.
المبحث الأول : كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي :
صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي : ( تعال إلى كلمة سواء بيننا وبينك أن نعبد إلا الله ، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أربابا من دون الله ، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون). فآمن ومن كان عنده ، وأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدية حلة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اتركوه ما ترككم).
وكان الذي حمل الرسالة إلى النجاشي ، عمرو بن أمية الضمري.
وذكر الزيلعي وغيره عن الواقدي أن الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي مع عمرو بن أمية الضمري صورته : (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله ، إلى النجاشي ملك الحبشة ، أسلم أنت ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ، ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة ، فحملت به ، فخلقه من روحه ، ونفخه كما خلق آدم بيده ، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة عن طاعته ، وأن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله ، وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل ، وقد بلغت ونصحت ، فاقبلوا نصيحتي ، والسلام على من اتبع الهدى).
وذكر أبو موسى المديني في التتمة لكتاب ابن منده في الصحابة ، بإسناد معلق ، أن النجاشي كتب مع ولده كتاباً جواباً لكتاب النبي صلى الله عليه وسلم وأورد نصه ، وفيه إقراره بالإسلام ، وإن شاء الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأتيه بالمدينة المنورة لأتاه ، وأنه بعث إليه بابنه أرها بن الأصحم ، وأن ابنه خرج في ستين نفساً من الحبشة فغرقت بهم سفينتهم في البحر.
وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الغائب عندما أخبره جبريل بوفاة النجاشي ، وذلك في العام التاسع الهجري.
المبحث الثاني : كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى :
روى البخاري بسنده إلى ابن عباس : (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه إلى كسرى مع عبدالله بن حذافة السهمي ، فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين ، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى. فلما قرأه مزقه ، قال الراوي – الزهري- : فحسبت أن ابن المسبب قال : ( فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق).
وكتب كسرى إلى باذان عامله باليمن أن ابعث من عندك رجلين جلدين إلى هذا الرجل الذي بالحجاز ، فليأتياني ، بخبره ، فبعث باذان قهرمانه – اسمه بابويه ، وهو الكاتب الحاسب - ورجلا آخر ، وكتب معهما كتابا ، فقدما بالمدينة ، فدفعا كتاب باذان إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهما إلى الإسلام وفرائصهما ترعد ، وقال : (ارجعا عني يومكما هذا حتى تأتياني الغد فأخبركما بما أريد). فجاءاه من الغد ، فقال لهما : (أبلغا صاحبكما أن ربي قتل ربه كسرى في هذه الليلة) ، لسبع ساعات مضت منها ، وهي ليلة الثلاثاء لعشر ليال مضين من جمادى الأولى سنة سبع ، وأن الله تبارك وتعالى سلط عليه ابنه شيرويه ، فقتله ، فرجعا إلى باذان بذلك ، فأسلم هو والأبناء الذين باليمن.
ويذكر أن كسرى المعني هو إبرويز بن هرمز ، ويؤكد بتلر أن موت كسرى إبرويز حدث في مارس عام 628م ، مما يجعل وصول الرسالة قبل موته بشهور توكيداً لرواية الواقدي.
وروى الطبري نص رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ، وكذلك رواها ابن طولون ، وغيرهما ، وهو : (بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس ، سلام على من اتبع الهدى ، وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأدعوك بدعاء الله ، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين ، فأسلم تسلم ، فإن أبيت ، فإن إثم المجوس عليك).
المبحث الثالث : كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر :
ثبت في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد كتب إلى هرقل مع دحية بن خليفة الكلبي يدعوه إلى الإسلام. وذلك في مدة هدنة الحديبية ، وهو النص الثاني الذي ثبتت صحته وفق شروط المحدثين من بين سائر نصوص الكتب التي وجهت إلى الزعماء ، ونصه : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين. فإن توليت فعليك إثم الأريسيين. ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا. ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون).
ولعل في إيراد البخاري ومسلم نص خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قيصر ما يشير إلى ترجيحهما للروايات القائلة بتقدم نزول الآية المذكورة ، أي قبل تاريخ إرسال هذه الرسالة ، وليس في العام التاسع كما ورد في روايات ضعيفة.
وعندما قرأ قيصر رسالة النبي صلى الله عليه وسلم أرسل يبحث عن بعض المتصلين بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وفضل أن يكونوا من قومه وعشيرته ، فعلم بوجود جماعة من التجار فيهم أبو سفيان ، فدعاهم لمجلسه مع الترجمان ، فقال : (أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟) فقال أبو سفيان : (أنا أقربهم نسبا) ، فأدناه منه وقرب أصحابه منه لئلا يستحيوا أن يواجهوه بالتكذيب إن كذب ، فأخذ يسأله عن جميع أحوال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الطويل المشهور ، حديث هرقل مع أبي سفيان ، والمروي في الصحيحين ، واستنتج من أجوبة أبي سفيان أن محمداً صلى الله عليه وسلم نبي ، وقال في ختام كلامه مع أبي سفيان : ( فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين. وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظن أنه منكم ، فلو أني أعلم أني أخلص لتجشمت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه).
ثم قال للرسول (دحية الكلبي) : (إني لأعلم أن صاحبك نبي مرسل ، والذي كنا ننتظره ونجده في كتابنا ، ولكني أخاف الروم على نفسي ولولا ذلك لاتبعنه) ، ثم صرفه إلى ضغاطر ، الأسقف صاحب الفتوى عندهم بحجة أنه أعلم الروم بهذا الشأن.
وروى ابن حبان أن دحية عندما جاء وافى قيصر ببيت المقدس ، فرمى بالكتاب على بساطه وتنحى ، فلما انتهى قيصر من الكتاب ، أخذه ، وأمّن من جاء به فظهر له دحية ، فطلب من دحية أن يأتيه في عاصمته ، فلما جاءه ، أمر بأبواب قصره فغلقت ، ثم أمر مناديا ينادي : ألا إن قيصر قد اتبع محمداً وترك النصرانية ، فأقبل جنده وقد تسلحوا حتى أطافوا به ، فقال لرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قد ترى أني خائف على مملكتي) ، ثم أمر مناديه فنادى : (ألا إن قيصر قد رضي عنكم وإنما اختبركم لينظر كيف صبركم على دينكم ، فارجعوا) ، فانصرفوا ، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني مسلم ، وبعث إليه بدنانير ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كذب عدو الله ، وهو على دين النصرانية) ، وقسم الدنانير.
وفي عدم إسلام قيصر دليل على أنه قد شح بالملك وطلب الرئاسة وآثرهما على الإسلام ، ولو أراد الله هدايته لوفقه كما وفق النجاشي ، فإنه لما أسلم ما زالت عن الرياسة.
المبحث الرابع : كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن أبي شمر الغساني :
روى الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتاباً إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ، مع شجاع بن وهب ، وأورد نصه. وقد امتعض الحارث ولم يوافق على الإسلام وحشد قواته للزحف على المدينة ، ولكن هرقل تدخل ودعاه إلى إيلياء – بيت المقدس.
وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاعاً إليه حين مرجعه من الحديبية ، ومن خلال رواية شجاع في قصته معه يظهر أنه كتب إليه في نفس الوقت الذي كتب فيه إلى هرقل مع دحية ، لأن شجاعاً عندما جاء إلى الحارث وجد دحية مع القصير في إيلياء.
وتقول رواية شجاع : إن حاجب الحارث – وهو رومي اسمه مري – أسلم عندما أخبره شجاع بالرسول صلى الله عليه وسلم والإسلام.
آخر تعديل طليفيح يوم 19-08-2006 في 11:31 AM.
|